"غزلان إيلي".. مأساة تتحول إلى أمل طريقه سالكة نحو أمريكا لمتابعة الدراسة

تيل كيل عربي

في التاسع والعشرين من غشت الماضي، توفيت التلميذة غزلان بلال على إثر حادثة سير مميتة في الطريق الوطنية رقم 1، الرابطة بين أكادير وتزنيت، في اتجاه الضّيعات الفلاحية بمنطقة "اشتوكة آيت بها" حيث كانت الراحلة تشتغل كعاملة زراعية طيلة فترة الصيف، لمساعدة عائلتها على مصاريف العيش، وتأمين مصاريف متابعة دراستها.

رحلت غزلان التي كانت تتابع دراستها بالسنة الثانية بكالوريا شعبة التجارة الخارجية، وتحلم بمتابعة دراستها بالولايات المتحدة الامريكية، مخلّفة وراءها حزنا عميقا بقلوب أسرتها وبنات دّوارها بـ "زاوية أكلو" وفتحت جرحا لم يندمل إلى اليوم، عنوانه "مأساة العاملات الزراعيات"، لكن في الوقت ذاته فتحت طريقا للأمل والتفوق الدراسي، سوف يحمل كل سنة تلميذة من دوار الراحلة إلى ولاية طكساس الأمريكية من أجل متابعة الدراسة.

من رحم المعاناة يولد الأمل

"مجموعة نساء شابات من أجل الديمقراطية" عقدنا العزم على تحويل مأسة رحيل التلميذة غزلان إلى أمل. المجموعة تشتغل منذ فترة على موضوع العاملات الزراعيات، وفي هذا الصدد، تقول بشرى الشتواني منسقة المجموعة، لـ"تيلكيل عربي": "في إطار مواكبتنا للعاملات الزراعيات على مستوى جهة – سوس ماسة ـ فوجئنا بخبر وفاة شابة في ربيعها التاسع عشر اسمها غزلان، على إثر حادثة سير، فانتقلنا إلى منزل الضحية لتقديم تعازينا ومواساتنا لعائلتها بدوّار زاوية أكلو".

هناك بـ"زاوية أكلو" وقفت عضوات مجموعة شابات من أجل الديمقراطية، تضيف بشرى الشتواني "على حجم المأساة التي يقبع فيها سكان الدوّار الذي شيدت منازله على حافة واد مهدد بشكل دائم بالفيضانات الموسمية، وتذهب بنصف المباني. ناهيك عن الفقر المدقع الذي يرزحون فيه، ما يدفع بنسائه وشاباته إلى العمل كخادمات في البيوت وعاملات في المزارع، كما هو الحال بالنسبة للفقيدة غزلان، وكذلك ابنة خالتها أميمة التي اضطرت إلى العمل كخادمة بيوت بمدينة الدار البيضاء من أجل توفير لوحة الكترونية تمكّنها من متابعة دراستها عن بعد في ظل أزمة جائحة (كورونا)".

وتوضح منسقة المجموعة، أنه و="أمام هذا الوضع جاءت فكرة إحياء الذكرى الأربعينية للفقيدة غزلان، وتنظيم قافلة تحسيسية ميدانية بالدوّار، وحملة الكترونية وطنية ودولية بالموازاة تحت عنوان (غزلان إيلي) وتعني (غزلان ابنتي)".

وتحدثت الشتاوني عن ما جرته مأساة رحيل التلميذة غزلان، بالقول: "عندما تقع الفاجعة نعلن التضامن، ونصدر البلاغات الاحتجاجية، ثم ننسى وكأنها لم تقع. في المجموعة، قررنا أن نطلق حملة وطنية ودولية مع المجتمع المدني، وكللت بالنجاح، حينما توصلنا بعرض توفير فرصة لشابات المنطقة من التلميذات من أجل متابعة الدارسة في أمريكا، وكان هذا حلم الراحلة غزلان".

احياء لذكراها.. العزاء هي الدراسة

عادت "مجموعة نساء شابات من أجل الديمقراطية" إلى الدوّار يوم السبت 11 شتنبر الجاري، للوفاء بوعدها لإحياء الذكرى الأربعينية لوفاة غزلان، وبالرغم من فرحة السكان لعودتهن، إلا أن الحزن الذي غطى سماء "زاوية أكلو" سرعان ما تحوّل إلى يأس استقر بعيون قرينات غزلان اللواتي يناضلن كما ناضلت الراحلة لإتمام دراستهن وتحقيق أحلامهن المهنية، لكن الموت خطف صديقتهن وأوقف خططها المستقبلية، تقول ابنة خالتها أميمة بمرارة، وهي تطالع دفاترها "كنا نرافق بعضنا دائما، ونتسامر ونخطط لمستقبلنا، نحلم باستكمال دراستنا وتعلم اللغات، لكن غزلان ماتت".

"ماتت غزلان..تعيش غزلان"، كان الرهان الذي حاولت كسبه "مجموعة نساء شابات من أجل الديمقراطية". تقول منسقة المجموعة، "قمنا بإنشاء مكتبة بالدوار باسم غزلان داخل مقر (جمعية الدرب) وسط الدوّار، وتوزيع الكتب واللوازم المدرسية على التلميذات والتلاميذ، بالإضافة إلى  توفير بعض المستلزمات الطبية والأدوية بالمستوصف، والتي كنا قد تحصّلنا عليها بعد حملة الكترونية واسعة النطاق لجمع التبرعات العينية، كما تكلفت المجموعة بشراء لوحة الكترونية للتلميذة أميمة بهدف مساعدتها على تيسير دراستها عن بعد والتوقف عن العمل في المنازل".

وتشدد الشتواني على أنه "كانت هذه المرحلة الأولى من قافلة (غزلان إيلي)، أما المرحلة الثانية،فتم خلالها تنظيم ورشات تحسيسية حول حقوق الإنسان وحقوق العاملات الزراعيات، فضلا عن ورشات تواصلية استهدفت توليد الحماس والأمل في قلوب الشابات لتحقيق أحلامهن وحشد عزيمتهن لاستكمال دراستهن وكسر سلاسل اليأس التي أحاطت بهن إثر وفاة صديقتهن".

من رحم المحن تأتي المنح

ولم تكتف " شابات من أجل الديمقراطية" بالقافلة التحسيسية، بل أطلقن حملة الكترونية دولية على مواقع التواصل الاجتماعي، تعرّف بقصة الراحلة، غزلان وعبرها بمأساة العاملات الزراعيات.

وبتنسيق مع بعض معارف المجموعة العاملين بجامعة "HOFT INSTITUE" بولاية تكساس، التي دعت جميع طلابها والمواطنين الأمريكيين إلى نشر تدوينات تعرّف بقصة غزلان وتتضامن معها بعدة عناوين من بينها هاشتاغ "#Make the invisible visible"، جاءت مبادرة اختيار تلميذة من الدوار كل سنة، وتمويل دراستها الجامعية في أمريكا.

"مع انتهاء الذكرى الأربعينية، جاء الخبر السار"، تقول بشرى الشتواني، وتوضح: "بعد نجاح الحملة الإلكترونية وتفاعل العديد من المواطنين الأجانب، تكلفت جامعة (HOFT INSTITUE) بتقديم منحة دراسية سنوية للشابات بالدوار لتعلم اللغة الإنجليزية لمدة سنة بالولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن علموا بحلم الفقيدة غزلان باستكمال دراستها بأمريكا، ومرافقتهن إذا ما رغبن باستكمال دراستهن بالجامعات الأمريكية، وهكذا وقع الاختيار على الشابة أميمة ابنة خالة غزلان كأول مستفيدة من المنحة الدراسية".