قبل 10 سنوات.. دعوة ملكية إلى وضع مدونة للمستهلك لم تر النور

المصطفى أزوكاح

استحضرت جمعيات حماية المستهلك، في أسبوع المستهلك، الذي يحتفل به المغرب، دعوة ملكية، أطلقها قبل 10 سنوات، حين حث الحكومة على بلورة مدونة للمستهلك. وتشتكي جمعيات حماية المستهلك، اليوم، من عدم تطبيق النصوص القانونية الرامية إلى حماية المستهلك، بسبب كثرة المتدخلين، ما يستدعي في تصورها الإسراع بترجمة الدعوة الملكية بإحداث مدونة للمستهلك.. بل إن منها من يطالب بوزارة للمستهلك، الذي توجته المقاطعة فاعلا اقتصاديا لا يؤمن غضبه.

الحاجة لمدونة للمستهلك

لم يتمكن المغرب من التوفر على مدونة للمستهلك، بعد 10 سنوات، على دعوة الملك، للانخراط في ذلك المسار، الذي من شأنه أن يوضح الرؤية للمستهلكين.

تلك الدعوة التي جاءت في خطاب ثورة الملك والشعب، في 20 غشت 2008، تستحضرها الجمعيات، التي تتولى الدفاع عن المستهلك في كل مناسبة يحل فيها عيده الوطني.

وكان الملك قال في ذلك الخطاب "استكمالا لمقومات الدعم الاجتماعي، نحث الحكومة على تفعيل الآليات التشريعية والمؤسسة، الهادفة لتحسين القدرة الشرائية وضبط الأسعار ومحاربة الرشوة".

وأضاف "ولهذه الغاية، ندعو الجهازين التنفيذي والتشريعي، إلى الإسراع باعتماد مدونة حماية المستهلك... وبموازاة مع ذلك، يتعين التطبيق الحازم لقانون حرية الأسعار والمنافسة، بما في ذلك تفعيل مجلس المنافسة ضمانا للحكامة الاقتصادية الجيدة".

وطالب في كلمة بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، يوم الأربعاء الماضي بمراكش، بمناسبة إعطاء الانطلاق لأسبوع المستهلك بمراكش: "مرة أخرى بضرورة تفعيل كافة المقتضيات الواردة في الخطاب الملكي السامي لسنة 2008 وعلى رأسها اعتماد مدونة للمستهلك". بعد ذلك الموعد السنوي، الذي غاب عنه وزير الصناعة والتجارة والاستثمارات والاقتصاد الرقمي، مولاي حفيظ العلمي، أكد الخراطي بأن مدونة المستهلك، ستكون موضوع توصية.

ويتصور مديح وديع، الكاتب العام للجامعة المغربية لحماية المستهلك، أن وجود مدونة للمستهلك يجد مبرره في كون حقوق المستهلك موزعة اليوم بين عدد كبير من الوزارات، التي لا تستحضر قانون حماية المستهلك في ممارستها اليوم، مع استثناءين نسبيين يتمثلان في وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الاقتصاد والمالية، عبر بنك المغرب.

ويشدد على أنه قبل تبني قانون حماية المستهلك، كانت التشريعات التي تتناول قضايا المستهلك والاستهلاك، موزعة بين حوالي 300 قانون، غير أنه رغم تبني قانون حماية المستهلك، مازالت صعوبات تعترض ضمان حقوق المستهلكين بالمغرب.

ويعزو ذلك إلى كون الوزارات والقطاعات التي يفترض فيها أن تستحضر المستهلك لم تدمج قانون حماية المستهلك ضمن منظومتها، وفي حالة الاحتجاج به يجد المستهلك نفسه ضائعا بين اختصاصات غير واضحة، فعندما يشتكي المستهلك لوزارة الصناعة والتجارة حول قطاع السيارات، ترد بأن دائرة اختصاصها محصورة في السيارات المصنعة محليا، بينما يعود النظر في الشكاوى الخاصة بالسيارات المستوردة لوزارة النقل.

ويعتبر العاملون في حماية المستهلك بأن التوفر على المدونة التي أوصى بها الملك قبل عشرة أعوام، سيوفر مرجعا واحدا يحتكم له الجميع، بعيدا عن كثرة المتدخلين والمساطر، التي تغذي عدم الثقة التي قد تتعزز بين الموردين والمستهلكين.

وزارة للمستهلك؟

ويأتي الإلحاح على مدونة المستهلك، من قبل جمعيات حماية المستهلك، في ظل إصدار جميع المراسيم التطبيقية الخاصة بحماية المستهلك في الأعوام الأخيرة، باستثناء مرسومين يحظيان بأهمية كبيرة، لدى جمعيات حماية المستهلك.

ويتعلق الأمر، كما يوضح ذلك مديح وديع، بمرسوم صندوق الدعم للجمعيات، ويفترض في ذلك الصندوق أن يساهم في تمويل عمل وشبابيك جمعيات حماية المستهلكين، حيث ينتظر أن تأتي الأموال المخصصة له من تحويلات الخزينة العامة للدولة، ونسبة من الضرائب والمخالفات ومساهمات عمومية أخرى، غير أن بوعزة الخراطي يتصور أنه لا بد من أن يكون تدبير الصندوق، موكولا لهيئة غير تابعة لأية وزارة، بل مستقلة قانونيا وماليا.

ويتعلق المرسوم الثاني بالمجلس الاستشاري للاستهلاك، والذي يعتبر آلية مهمة؛ يراد من ورائها المساهمة بمقترحات تساعد الحكومات على تدبير القضايا المرتبطة بالاستهلاك، ويرى  الخراطي أنه لا يفترض بأن يكون المجلس تابعا لوزارة الصناعة والتجارة  أو أية وزارة أخرى، بل لرئاسة الحكومة.

وينتظر حماة المستهلك بالمغرب تطوير النص التطبيقي، الذي يعطي الحق للجمعيات كي تلجأ إلى المحاكم، حيث يقيد مبادراتها في هذا المجال، على اعتبار أنه لا يمكن لجمعية لحماية المستهلك أن تلجأ إلى القضاء إلا بعد الحصول على الإذن الوزاري المعني، كأن تحصل على ترخيص من وزارة الصحة، عن الرغبة في مقاضاة مصحة خاصة أو ترخيص وزارة النقل عند السعي لمقاضاة المكتب الوطني للسكك الحديدية.

ويعتبر مديح أن هذا التقييد فيه حيف تجاه جمعيات حماية المستهلك، التي يفترض أن تعطاها حرية التقاضي، خاصة أن العديد من الوزارات قد لا تأذن للجمعيات بمقاضاة فاعل في قطاع اقتصادي أو مورد.

خسائر المقاطعة ودعوة لمناظرة

ويعتبر الخراطي أنه يفترض في الحكومة تنظيم مناظرة حول الاستهلاك بالمغرب، على غرار تلك التي ستهم التجارة والجباية، وهو يتصور أن تلك المناظرة ستكون فرصة للتداول حول جميع القضايا التي تهم المستهلك، خاصة في الجوانب التي تهم حمايته.

وقد تجد تلك المناظرة مبررها في بروز المستهلك، كفاعل اقتصادي قد يتخذ مواقف، يتجلى من خلالها أن دوره حاسم في علاقته مع الموردين والإدارة، وهو ما أكدته المقاطعة التي عرفها المغرب قبل عام.

ذلك ما تؤشر عليه النتائج المالية لشركات كانت مستهدفة بالمقاطعة قبل عام من اليوم، فقد تكبدت شركة "سنترال دانون" خسائر وصلت إلى 538 مليون درهم في العام الماضي، متأثرة بالمقاطعة، وتراجعت أرباح شركة "أولماس"، المنتجة للمياه المعدنية "سيدي علي"، إلى 17,5 في العام الماضي، بعدما كانت في العام الذي قبله في حدود 189,9 مليون درهم.

وأكدت شركة "أولماس"، أنها بلورت، في سياق المقاطعة، مخططا للخروج من الأزمة، ساعدها على الحفاظ على أساسيات المجموعة، دون التضحية بمخطط التطوير، فيما عمدت شركة إلى الإعلان عن العديد من التدابير من أجل استعادة جزء من حصتها في السوق.

ومادامت "أفريقيا" غير مدرجة في بورصة الدار البيضاء، فإن  تداعيات المقاطعة على محطات الشركة لم يلعن عنها، غير أن عزيز أخنوش، المساهم الرئيسي فيها، صرح لـ"جون أفريك"، عندما سئل عن الأمر بأن "الظاهرة مست مجموع الاقتصاد المغربي".

غير أن الحسين اليمني، الكاتب العام لنقابة البترول والغاز، يرجح أن تكون خسائر شركات توزيع المحروقات، تراجعت بـ40 في المائة متأثرة بحملة المقاطعة، مقارنة بالعام الذي قبله.

خسائر المقاطعة دفعت شركتي "سنترال دانون" و"أولماس" في التكيف مع الوضع الجديد، حيث سعت إلى اقتراح منتجات بأسعار تريدها متجاوبة مع انتظارات المقاطعين، بهدف استرجاع حصتها في السوق.

ويلاحظ مديح وديع، الكاتب العام لجمعية المستهلكين المتحدين، أنه بعد المقاطعة، شرع في الحديث عن تسقيف أسعار البنزين والغازوال بالمغرب، وهو التوجه الذي زكاه تقرير اللجنة الاستطلاعية البرلمانية.

وحذت المقاطعة بالحكومة في الصيف الماضي إلى الإعلان عن تكوين لجنة، تتولى تحليل الأسعار الأكثر استهلاكا، مع العمل على جعل الأسعار رحيمة بالأسر المغربية.

غير أن الخراطي، الكاتب العام للجامعة المغربية لحقوق المستهلك، يرى بأن تصريحات الحكومة حول ضبط الأسعار، لا سند له، بالنظر لسيادة قانون حرية الأسعار والمنافسة، باستثناء بالنسبة للمنتجات المدعمة أو المنتجات والخدمات المقننة أسعارها.

دروس المقاطعة تبرز أنه يفترض في الحكومة حماية المستهلك، رغم سريان قانون حرية الأسعار والمنافسة، مع الحرص على تحييد الممارسات المنافية للمنافسة في السوق، العمل على دعم قدرته الشرائية، هذا ما يدفع الخبير الجبائي المغربي، محمد الرهج، إلى التأكيد على أن الحكومة، يمكنها التدخل عبر الضريبة من أجل دعم دخل الأسر. هذا ما يفترض أن تنكب عليه مناظرة الضريبة في ماي المقبل.