مؤتمر "البام" الخامس.. فرصة للقطع مع ثقافة "الأعيان" والتوجه نحو "سلطة المناضلين"

تيل كيل عربي

مهدي الزوات، محامي بهيئة الدار البيضاء وعضو بحزب الأصالة والمعاصرة بسيدي مومن

لنتفق أولا أن حزب الأصالة والمعاصرة وعكس ماروج ويروج له الخصوم، حزب بني على أساس مشروع مجتمعي اعتمد خلاصات تقرير الخمسينية الدي شكل تصور مغرب العهد الجديد، حزب جعل المعاصرة هدفه دون التنكر بطبيعة الحالللأصالة التي طالما شكلت ركيزة المجتمع وعماده.

حزب ركز على تشجيع المرآة والشباب على العمل السياسي من خلال هياكله الأساسية، في وقت كان فيه الشباب والمرأةأثاث المشهد السياسي من خلال تنظيمات موازية لا تصنع القرار، بل ولا تشارك فيه حتى.

ولقد استطاع هذا التنظيم الحزبي بفضل مشروعه الحداثي أن يكبح جماح مد إسلامي سياسي كاد أن يسيطر على الخريطة السياسية برمتها، أمام تراجع امتداد الأحزاب الوطنية المرجعية، فأحدث رجة سياسية إيجابية استيقظت بفضلها مجموعة من القوى السياسية الحداثية والمحافظة، ليمر علينا "الحراك العربي" حينئذ في أجواء طبعها إجمالا جو من الحرية، ليتوج هذا الأمر باعتبار المغرب نموذجا يحتذي به في طريقة تعاطيه مع هذا الحدث الاقليمي.

لكن، ونحن على أبواب المؤتمر الخامس، وبعد أزيد من عقد ونصف العقد من الزمن على تأسيس الحزب، أمكننا أن نتساءل: أين المشروع وأين نحن من أهدافه التي أسست لها نخبة من مثقفي وسياسي الوطن إبان نقاشات "حركة لكل الديموقراطيين"؟

جوابا على هذا السؤال، يُلزمنا التاريخ على التطرق إلى أبرز محطاته وربط حاضر الحزب بحصيلة هذه المحطات، من خلال القيامبنقد ذاتي وجب الخوض فيه قبل كل مؤتمر، كي يكون هذا الاخير انطلاقة جديدة لمستقبل أفضل.

تعاقب على الحزب ستة أمناء عامين خلال 15 سنة، من منظور ديموقراطي فهي تبقى ظاهرة صحية تنم على أن الحزب يعيش مخاضا ديموقراطيا طبيعيا، والحال أن مايزكي هذه الفكرةهوما عاشه الحزب من تجاذبات خلال ظهور تيارين بداية سنة 2019 وهما تيار الشرعية الذي تزعمه آنذاك حكيم بنشماس، "وتيار المستقبل"الذي تزعمه مجموعة من القياديين أبرزهم فاطمة الزهراء المنصوريومهدي بنسعيدوصلاح الدين أبو الغالي وعبد اللطيف وهبي. والذي (تيار المستقبل) كان هدفه إعطاء الفرصة لوجوه جديدة.

انطلق الحزب بأمينه العام الأول حسن بنعدي، ثم الشيخ بيد الله فمصطفى الباكوري، مرورابإلياس العماري، وحكيم بنشماس ووصولا إلى عبد اللطيف وهبي. أمناء عامون بتراكمات فكرية ونضالية مختلفة، لكن القاسم المشترك بينهم كان واحدا: عدم إعطاء الأولوية لتنزيل المشروع من أجل وضع بصمة مجتمعيةعبر هياكله المحلية، تخول له إنتاج قيادات محلية متشبعة بتوجهه الفكري، قادرة على ضمان استمرارية تواجد الحزب في الحاضر والمستقبل. بل كان همهم هو تصدر الانتخابات وحصد أكبر عدد من المقاعد، وفكتفينابالتنقيب عن أعيان محليين لايهمهم سوى مقاعدهم الانتخابية ومهامهم النيابية التي تصنع لهم مصداقية مجتمعية لميستطيعوا اكتسابها رغم تراكم ثرواتهم وتنوع مشاريعهم.

نعم، كل الأحزاب بدون استثناء تبحث عن وكيل لائحة " جاهز" بامتداده الشعبي وبتمويله الخاص. وهنا أفتح القوس لأتذكر قيادي أحد الأحزاب السياسية اليسارية الذي كان قد اقترح عليا الترشح بإسم حزبه في منطقة سيدي مومن وقال لي "حاول أن تبحث على أحد الميسورين الذي بإمكانه تمويل حملتك" فضحكت وأجبته" المشكل يكمن فيما يمكن أن يطلبه هذا الميسور مقابل تمويله ذاك" فضحك وضحكت وأكملنا فنجان القهوة بمكتبه الجميل في الرباط وكان هذا آخر لقاء بيننا.

نعم، الأحزاب لا تستطيع تغطية مصاريف حملات جميع الدوائر استنادا على المنحة التي تخصصها الدولة لهذا الغرض فقط. لكن لماذا؟ لأنها لاتعتمد على تأطير وتكوين مناضلين يحملون مشروعا مجتمعيا يؤمنون به، ففي كل حملة ترتكز اجل الأحزاب بالأساس على "مياومين" لايعرفون ربما حتى إسم الأمين العام للحزب فما بالك بمشروعه، أشخاص يجدون في هذه الحملات فرصة للحصول على مبالغ يومية كاتعويض مقابل توزيع مناشير البرنامج الانتخابي وصورة المرشح،لتنتهي بعدئذ علاقتهم بالحزب ليلة الاقتراع، إلا من حظي بفرصة الاشتغال كمراقب بأحد المكاتب فينضاف إلى رصيده يوما آخر من التعويض.

لكن حزب الاصالة والمعاصرة وإيمانا بمشروعه التأسيسي، فإنه ملزم على عدم الخوض في هذه التجارب التي طبعت العمل السياسي في السنوات الاخيرة، صحيح أن البداية تكون ملزمة أحيانا، لكن بعد مضي 15سنة على تأسيسه وتعاقب أجيال على قيادته محليا وجهويا ووطنيا، فقد توجب أن نساءل أنفسنا عن السبب وراء قلة إلم نقل نذرة المناضلين المحليين الحاملين للمشروع.

لهذا، وتأسيسا على ما سبق، فإنه على المؤتمر القادم عامة، والأمين العام الجديد خاصة، أن يأخذا بعين الاعتبار استمرارية الحزب خلال السنوات المقبلة والاشتغال عليها من خلال وضع أسس تنظيمات محلية قوية تساعد الحزب في وظيفته التأطيرية، وتخلق نخبا محلية حزبية قائمة بذاتها تشكل النواة الأولى لكل عملية انتخابية وتوفر على الحزبمخاطر استقطاب "الأعيان" الذين لايشكل انتماؤهم للحزب أي شكل من أشكال الاستقرار والاستمرار السياسيين. فمثلما غير جلدته السياسيةلأجلكبالأمس، سيغيرها لأجل غيرك غدا ولن يدوم إلا المناضل الصادق الذي نشأ وترعرع داخل هذا الحزب. وكم هي طويلة لائحة الأسماء التي لم تجمعنا بها سوى تزكية الحزل خلال الانتخابات، وكم خاب ضننا بها عندما غيرت لونخا السياسي في الانتخابات التي لت ولايتها معنا ... لغرض ما، لكنها غادرتنا مثلما غادرت أحزابا أخرى قبلنا.