مشروع القانون الجنائي.. هل تحول إلى "رهينة" في البرلمان؟

الشرقي الحرش

 منذ إحالته على مجلس النواب، في 24 يونيو 2016، ظل مشروع القانون والجنائي يراوح مكانه في رفوف المجلس، دون أن يعرف طريقه نحو المصادقة، مما يطرح أكثر من سؤال حول أسباب هذا التعثر.

في مارس  2015، أعلنت وزارة العدل والحريات، التي كان يشرف عليها القيادي في حزب العدالة والتنمية المصطفى الرميد، عن مسودة لمشروع القانون الجنائي. وقد تضمنت تلك المسودة مراجعة شاملة لمقتضيات القانون الجنائي، الذي يعود إلى سنة 1962.

واعتبرت الحكومة حينئذ أن مراجعة هذا القانون أصبحت ضرورة ملحة لعدة اعتبارات، من ضمنها ضرورة ملاءمة مقتضياته مع دستور المملكة لسنة 2011 والتزامات المغرب الدولية.

  "بلوكاج" وسط الحكومة

 أثارت مسودة المشروع القانون الجنائي، الذي أفرجت عنه وزارة العدل والحريات نقاشات حادة في المجتمع، خاصة حول عدد من المواضيع الخلافية كالإفطار العلني في رمضان والإبقاء على عقوبة الاعدام، رغم تقليصها.

 وأمام هذا الوضع، اضطر وزير العدل والحريات حينذاك، المصطفى الرميد، إلى حذف جل مواد المشروع الخلافية، والاكتفاء فقط بما اعتبره ضروريا في ذلك الوقت، خاصة أن الولاية الحكومية كانت تقترب من نهايتها.

 ورغم حذف المواد الخلافية من مشروع القانون الجنائي، إلا أن النسخة التي عرضت على المجلس الحكومي لم تحظ بموافقة كل أعضاء الحكومة، اذ انصب النقاش حول تجريم "الإثراء بلا سبب".

 وبحسب مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والمجتمع المدني، فإن مشروع القانون الجنائي نوقش داخل المجلس الحكومي مرتين، قبل المصادقة عليه.

 وقال الرميد، في ندوة بمدينة سطات الأسبوع الماضي، "إن النقاش داخل الحكومة كان حاميا حول موضوع الاثراء بلا سبب"، معتبرا أن أسباب عرقلة مشروع القانون تعود إلى الإثراء بلا سبب.

وأمام رفض مكونات داخل الحكومة اعتماد الصيغة التي تضمنتها مسودة مشروع القانون الجنائي بشأن تجريم الاثراء بلا سبب، والتي كانت تنص على أنه "يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بالسجن من شهرين إلى سنتين وغرامة من 5.000 إلى 50.000 درهم، كل موظف عمومي، ثبت بعد توليه للوظيفة، أن ذمته المالية عرفت زيادة ملحوظة، وغير مبررة، مقارنة مع مصادر دخله المشروع، ولم يدل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة"، اضطر الرميد إلى التخلي عن العقوبة الحبسية والاكتفاء بالغرامة والتجريد من المسؤولية لمن تأكد تورطه في جريمة الإثراء بلا سبب، قبل أن تصادق عليه الحكومة في 9 يونيو 2016 وإحالته على مجلس النواب.

مقبرة البرلمان

 بعد إحالته على لجنة العدل والتشريع، شرعت اللجنة في مناقشته، لكنها سرعان ما توقفت المناقشة بسبب موعد الانتخابات، ومطالبات عدد من الفرق بتأجيل مناقشته، مما حال دون خروجه في عهد حكومة عبد الإله بنكيران.

 وظل المشروع يراوح مكانه إلى غاية منتصف ماي 2015، حيث قررت لجنة العدل والتشريع الشروع في مناقشته، إلا أن هذا القرار ووجه بمعارضة شديدة من قبل فريق الأصالة والمعاصرة، حيث هدد النائب البرلماني عبد اللطيف وهبي بانسحاب حزب الأصالة والمعاصرة من اللجنة إذا لم يتم تأجيل المناقشة.

 وبرر وهبي اعتراضه على مناقشة المشروع بكون الحكومة لم تعد بعد مشروع المسطرة الجنائية، نافيا أن يكون طلب التأجيل له علاقة بتجريم الإثراء بلا سبب، مما اضطر اللجنة إلى تأجيل المناقشة قبل أن تشرع في المناقشة، بعد تدخلات متتالية، بحسب وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان.

 وبحسب محمد الطويل، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، فإن لجنة العدل والتشريع عقدت 16 اجتماعا لمناقشة القانون الجنائي، حيث انتهت من مناقشته في بداية يوليوز 2019، وحددت 20 شتنبر 2019 كآخر موعد لوضع التعديلات، إلا أن فريقي التجمع الوطني للأحرار والفريق الاشتراكي ومجموعة التقدم والاشتراكية طالبوا بتأجيل الموعد بسبب تزامنه مع العطلة البرلمانية.

 وبعد الدخول السياسي، في  أكتوبر 2019، بدأت الفرق البرلمانية تتقدم بطلبات تأجيل موعد وضع التعديلات، كلما اقترب أجل وضعها، حيث تأجل أربع مرات متتالية.

 ويرى برلماني "البيجيدي" أن طلبات التأجيل التي تقدمت بها الفرق النيابية لم تكن مبررة، بل تؤدي إلى هدر الزمن التشريعي، مشيرا إلى أن المناقشة العامة والتفصيلية لمشروع القانون لم تكشف وجود خلافات عميقة بشأن مواد المشروع، خاصة أن جميع المواد الخلافية تم حذفها، قبل إحالته إلى البرلمان.

 وعبر الطويل عن تخوفه من تحول مشروع القانون الجنائي إلى رهينة بيد البرلمان، وقال "إذا قضى 4 سنوات أخرى في مجلس المستشارين، فإنه سيصبح متجاوزا".

 من جهته، برر عبد اللطيف وهبي، النائب البرلماني عن حزب "البام"،  طلب فريقه تأجيل موعد وضع التعديلات على مشروع القانون برغبة فريقه في الاستماع لوجهة نظر محمد بن عبد القادر، وزير العدل الحالي، مضيفا، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أن "الوزير الحالي ينتمي لحزب حداثي، ونريد أن نعرف رأيه في عدد من القضايا"، على حد تعبيره.

 وبخصوص موضوع تجريم الإثراء بلا سبب، قال وهبي "إن تجريم الإثراء بلا سبب قد يستغل ضد بعض المواطنين"، داعيا إلى ضرورة التنصيص على "ضمانات" تحول دون استغلاله، إلا أن مصدرا مقربا من وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان اعتبر أن التحجج بإمكانية استغلال تجريم الإثراء بلا سبب ضد بعض الأشخاص لا أساس له، مشيرا إلى أن جميع القوانين يمكن استغلالها.

 وأضاف "لقد تم حذف العقوبة الحبسية والإبقاء على الغرامة والتجريد من المسؤولية"، كما أن المتهمين بإمكانهم اثبات براءتهم أمام القضاء.

 وبحسب محمد الطويل، فإن التصريح بالممتلكات لا معنى له "إذا لم يتم تجريم الإثراء بلا سبب"، وهو وافقته عليه عائشة لبلق، رئيسة المجموعة النيابية لحزب التقدم والاشتراكية، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، التي اعتبرت أن تجريم الاثراء بلا سبب أمر مهم للغاية، بل وينبغي تشديد العقوبة على المتورطين لإعطاء رسالة واضحة بشأن محاربة الفساد.

 وترى لبلق أن تأخر المصادقة على مشروع القانون الجنائي يرجع إلى حالة الانتظارية التي يعرفها المشهد السياسي، معتبرة أنه كان على الفرق البرلمانية أن تجلس لطاولة الحوار، والاتفاق حول مشروع القانون، مشيرة إلى أن طلبات الفرق النيابية بتأجيل موعد وضع التعديلات ليس لها ما يبررها.

من جهته، يرى نور الدين مضيان، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، أن طلب فريقه تأجيل موعد وضع التعديلات، اقتضته طبيعة مشروع القانون، الذي يهم حياة ومستقبل المغاربة، خاصة أن بعض مقتضيات هامة، تتعلق بالإجهاض، والنقاش المثار مؤخرا حول الحريات الفردية، كما عبر عن تخوفه من إمكانية استغلال تجريم الإثراء بلا سبب.

مضامين تجريم الإثراء بلا سبب

ينص الفصل 8-256 من مشروع القانون الجنائي على أنه "يعد مرتكبا لجريمة الإثراء غير المشروع، ويعاقب بغرامة من 100 ألف إلى مليون درهم كل شخص ملزم بالتصريح الإجباري بالممتلكات طبقا للتشريع الجاري به العمل ثبت بعد توليه للوظيفة أو المهمة أن ذمته المالية، أو ذمة أولاده القاصرين الخاضعين للتصريح عرفت زيادة كبيرة وغير مبررة انطلاقا من التصريح الذي أودعه المعني بالأمر بعد صدور هذا القانون، مقارنة مع مصادر دخله المشروعة، ولم يظل بما يثبت المصدر المشروع لتلك الزيادة".

ويجب في حالة الحكم بالإدانة بمصادرة الأموال غير المبررة طبقا للفصل 42 من نفس القانون، والتصريح بعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو المهام العمومية.

ويجد هذا النص سنده في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي تلزم الدول المصادقة عليها باتخاذ "ما يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتجريم تعمد موظف عمومي اثراء غير مشروع، أي زيادة موجوداته زيادة كبيرة لا يستطيع تعليلها بصورة معقولة قياسا إلى درجة دخله".

المشروع إلى أين؟

 بعد تدخل من مكتب مجلس النواب، قررت لجنة العدل والتشريع تحديد يوم 10 يناير الجاري آخر أجل لوضع التعديلات على مشروع القانون، إلا أن ذلك لم يبدد التخوفات بشأن تأجيل الموعد مرة أخرى.

وتقول عائشة لبلق، رئيسة المجموعة النيابية لفريق التقدم والاشتراكية "إن مواقف الأغلبية غير منسجمة بشأن مشروع القانون، مما قد يؤدي إلى تأجيل المصادقة عليه وهدر مزيد من الزمن التشريعي"، فيما قال محمد الطويل، النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية "إن هناك شبه اتفاق بين مكونات الأغلبية بشأن التعديلات التي سيتقدمون بها بشكل مشترك"، معربا عن أمله في أن لا يتم تأجيل الموعد مرة أخرى.