مندوبية الحليمي تراجع أرقام الاقتصاد الوطني لسنة 2019

موسى متروف

راجعت المندوبية السامية للتخطيط آفاق الميزانية الاقتصادية الاستشرافية الصادرة خلال شهر يوليوز من سنة 2019، من خلال  ميزانيتها الاقتصادية التوقعية لسنة 2020، لتقدم تقديرات جديدة لنمو الاقتصاد الوطني في السنة المنصرمة.

أكدت المندوبية على أن النمو الاقتصادي الوطني سيواصل ارتباطه البنيوي بتطور القطاع الفلاحي. وسيبقى الاستثمار الوطني في منحى مستويات نموه الضعيف، المسجلة منذ الأزمة الاقتصادية العالمية، مشددة على أنه بالإضافة إلى هاجس تنمية الرأس المال البشري، يتعين على بلادنا الرفع من مجهودات الاستثمار. وتتطلب تلك المجهودات، تحسن تدبير البرامج الاستثمارية وتعبئة كبيرة للموارد لصالح القطاعات المنتجة، حسب المندوبية.

وحسب الأشغال التي قامت بها المندوبية السامية للتخطيط، فإن الزيادة في الاستثمار العمومي بـ4 نقط بالنسبة المئوية من الناتج الداخلي الإجمالي المخصصة لهذه القطاعات المنتجة، تمكن من تحقيق نمو اقتصادي بحوالي 5%.

تطور الاقتصاد في 2019

تسجل مندوبية أحمد الحليمي أنه بعد النتائج الجيدة المسجلة خلال السنتين الماضيتين، تأثر الموسم الفلاحي 2018-2019 بالظروف المناخية غير الملائمة، التي عرفت ضعفا في التساقطات المطرية وسوءا في توزيعها الزمني، ما سيؤدي، حسبها، إلى تراجع القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بـ5,4%  سنة 2019 عوض ارتفاع بـ4% خلال السنة الماضية.

وبناء على تحسن أنشطة الصيد البحري بـ7,6% عوض انخفاض بـ11% سنة 2018، سيسجل القطاع الأولي انخفاضا بـ4,3% عوض زيادة بـ2,7% خلال السنة الماضية. وبالتالي سيفرز مساهمة سالبة في نمو الناتج الداخلي الإجمالي بـ0,5 نقطة سنة 2019 عوض مساهمة موجبة بـ0,3 نقطة سنة 2018.

وستعرف الأنشطة غير الفلاحية، ارتفاعا بوتيرة3,3% عوض2,8%  سنة 2018، خاصة نتيجة تحسن أنشطة القطاع الثالثي. غير أنها ستتأثر بمنحى التطور غير الملائم للأنشطة الثانوية، خاصة التباطؤ الملحوظ لقطاع المعادن والصناعات التحويلية. ما سيؤدي إلى تسجيل الأنشطة الثانوية، دون احتساب قطاع الطاقة، تراجعا في وتيرة نموها، لتنتقل من 2,8% سنة 2018 إلى2,3% سنة 2019.

وحسب المندوبية السامية للتخطيط فإن  أنشطة الصناعات التحويلية ستعرف تراجعا في ديناميتها، حيث لن تتجاوز وتيرة نموها2,4% سنة 2019 مقابل 3,5%  سنة 2018. وتبرر ذلك بتباطؤ الصناعات الغذائية نتيجة انخفاض العرض من الحبوب وأيضا الصناعات الكيميائية والميكانيكية والمعدنية التي ستتأثر بالتراجع الملحوظ للطلب الخارجي.

وبالمقابل، ستتعزز وتيرة نمو قطاع النسيج والألبسة، لتنتقل من3,1% سنة 2018 إلى 4,3% سنة 2020، نتيجة انتعاش أنشطة النسيج.

من جهة أخرى، سيعرف قطاع المعادن تباطؤا في وتيرة نموه لترتفع أنشطته بحوالي 3% سنة 2019 عوض 4,7% المسجلة خلال السنة الماضية، خاصة نتيجة تراجع الإنتاج التسويقي للفوسفاط الخام. بالإضافة إلى ذلك وفي سياق يتميز بانخفاض الأسعار العالمية للفوسفاط ومشتقاته، سيؤثر انتعاش صادرات الصين من الأسمدة وانخفاض واردات الهند على الطلب الخارجي الموجه نحو الفوسفاط.

وستسجل أنشطة قطاع البناء والأشغال العمومية، حسب المصدر ذاته، انتعاشا طفيفا بـ1,4% سنة 2019 عوض نمو شبه منعدم سنة 2018، مستفيدا من تعزيز الاستثمار العمومي ومواصلة إنجاز المشاريع الكبرى للبنية التحتية. غير أن قطاع البناء، ستواصل تأثرها بالعديد من العراقيل، خاصة تلك المرتبطة بالتكاليف المرتفعة بللبناء، في غياب تدابير تمكن من النهوض بأنشطته، يضيف المصدر ذاته.

من جانبها، ستعرف أنشطة قطاع الطاقة انتعاشا بـ16,4%  سنة 2019 عوض5,3%  سنة 2018. وسيتعزز قطاع الكهرباء بتحسن إنتاج الطاقات المتجددة، نتيجة انطلاق العمل بمحطة الطاقة الحرارية بآسفي، مصحوبة بارتفاع الصادرات من الكهرباء نحو إسبانيا.

وستواصل أنشطة القطاع الثالثي، الذي ترتبط أساسا بالسوق الداخلي، دعمها للنمو الاقتصادي، حيث ستسجل زيادة بـ%3,2 سنة 2019 عوض %2,7 خلال السنة الماضية. وتعزى هذه النتيجة إلى تحسن الخدمات التسويقية ب 3% عوض 2,7% سنة 2018 وانتعاش وتيرة نمو الخدمات غير التسويقية بحوالي 4% عوض2,5%  المسجلة خلال السنة الماضية.

القطاع السياحي لم يتأثر كثيرا بتباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، حيث ستعرف قيمته المضافة تحسنا بـ4,5% سنة 2019، نتيجة التطور الملائم لعدد الليالي السياحية ومداخيل الأسفار. وسيمكن تحسن الخدمات الاجتماعية بـ0,9%عوض انخفاض بـ0,3% سنة 2018، وارتفاع الأنشطة التجارية بـ3,4% عوض2,3%  سنة 2018، من تغطية تباطؤ وتيرة نمو أنشطة الخدمات المقدمة للمقاولات وخدمات النقل، التي تمثل 37% من الخدمات التسويقية. أما بالنسبة للخدمات التسويقية الأخرى، فإنها ستدعم وتيرة نموها المعتدلة خلال سنة 2019.

في ظل هذه الظروف، وبناء على تطور الضرائب والرسوم على المنتجات الصافية من الإعانات بـ2,7 %، سيعرف نمو الاقتصاد الوطني خلال سنة 2019 تباطؤا للسنة الثانية على التوالي، وهو ثاني أضعف معدل نمو منذ سنة 2007، بعد تلك المسجلة سنة 2016، حيث سيستقر في حوالي2,3%  عوض 3% سنة 2018.

نمو مدعم بالطلب الداخلي

تفيد المندوبية أن  الطلب الداخلي سيواصل، رغم تباطؤ وتيرة نموه، دعمه للنمو الاقتصادي الوطني سنة 2019. وبالتالي، فإن التحكم في الأسعار، خاصة أسعار المواد الغذائية والطاقية وتحسن الأجور في إطار الحوار الاجتماعي، لن يفيد كثيرا الأسر التي ستتأثر باعتدال مداخيلها نتيجة تراجع الأنشطة الفلاحية واستقرار تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج.

وفي هذا السياق، ستسجل نفقات استهلاك الأسر نموا بوتيرة 3,3%، حيث ستصل مساهمتها في النمو الاقتصادي إلى حوالي نقطتين، حسب مندوبية الحليمي.

ومن جهته، سيعرف استهلاك الإدارات العمومية انتعاشا في وتيرة نموه لتصل إلى 3,5% بعد2,5%  المسجلة سنة 2018، نتيجة زيادة نفقات التسيير دون احتساب الأجور بـ10,3% سنة 2019. وهكذا، ستتحسن مساهمته في النمو لتبلغ 0,7 نقطة عوض 0,5 نقطة سنة 2018. وإجمالا، سيتعزز الاستهلاك النهائي الوطني ليتحسن بـ3,3% عوض3,1% سنة 2018، مساهما بذلك في النمو بحوالي 2,6 نقطة عوض 2,4 سنة 2018.

بالإضافة إلى ذلك، سيعرف حجم الاستثمار الإجمالي نموا لن يتجاوز0,5%  عوض 5,9% خلال السنة الماضية، حيث سيسجل مساهمة ضعيفة في النمو بـ0,2 نقطة عوض 1,9 نقطة سنة 2018.

وسيعرف حجم الطلب الداخلي بالنتيجة تباطؤا في وتيرة نموه، لتستقر في حدود 2,5% سنة 2019 عوض 3,9% سنة 2018، حيث ستتراجع مساهمته في نمو الناتج الداخلي الإجمالي إلى 2,7 نقطة عوض 4,3 نقطة سنة 2018.

تراجع صادرات السيارات والإلكترونيات

بخصوص المبادلات الخارجية، ستعزز صادرات أنشطة المهن العالمية للاقتصاد الوطني من وتيرة نموها، باستثناء تراجع صادرات أنشطة صناعة السيارات والصناعات الإلكترونية، حيث ستسجل صادرات أنشطة صناعة الطائرات وتلك المرتبطة بصناعة أجزاء السيارات نتائج جيدة. وبالمثل، ستستفيد صادرات زراعة الخضروات والفواكه من التأثير الإيجابي للنتائج الجيدة الذي يعرفها إنتاج أنشطتها. وبالمقابل، ستعرف الصادرات من الفوسفاط ومشتقاته تطوراً معتدلا، متأثرا بالأساس بتراجع صادرات الفوسفاط الخام نحو الزبناء الرئيسيين. كما ستتراجع صادرات أنشطة قطاع النسيج والجلد بشكل طفيف لتسجل نتائج غير ملائمة خلال سنة 2019.

بخصوص الواردات من السلع، سيؤدي تراجع إنتاج الحبوب سنة 2019 إلى مستوى لا يتجاوز الإنتاج المتوسط إلى زيادة حاجيات الاقتصاد الوطني من الحبوب، وبالتالي تفاقم الفاتورة الغذائية. بالإضافة إلى ذلك، ستساهم النتائج الجيدة للمهن العالمية ومجهودات الاستثمار في ارتفاع الواردات من سلع التجهيز وأنصاف المنتوجات التي ستعزز من وتيرة نموها التصاعدية. وبالمثل ستواصل واردات السلع الاستهلاكية منحاها التصاعدي، مدعمة بتطور الواردات من أجزاء السيارات.

الاقتراض الخارجي لتمويل عجز الميزانية

تعرف المالية العمومية سنة 2019 صعوبة في تقليص حاجيات الميزانية التي ستستقر بالنسبة المئوية من الناتج الداخلي الإجمالي في نفس المستوى المسجل خلال السنة الماضية. ويعزى ذلك أساسا، إلى توسع النفقات الجارية مقابل تحسن طفيف للمداخيل الجارية. وهكذا، ستسجل هذه الأخيرة زيادة بحوالي0,4  نقطة من الناتج الداخلي الإجمالي، لتصل إلى21,5%  من الناتج الداخلي الإجمالي. وستتعزز هذه المداخيل بالزيادة الملحوظة الذي ستعرفها المداخيل غير الجبائية، المدعمة بمداخيل الخوصصة التي ستصل إلى4,4  مليار درهم. وبالمقابل، ستتأثر المداخيل الجبائية بتراجع النشاط الاقتصادي، حيث ستسجل منحا تنازليا بالنسبة المئوية من الناتج الداخلي الإجمالي، لتبلغ 18,8% سنة 2019 عوض 18,9% سنة 2018 و19,9% كمتوسط سنوي للفترة 2007-2017.

في المقابل، ستعرف النفقات الجارية  زيادة مهمة، لتبلغ حصتها 19,6% من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 19,3% سنة 2018. ويشمل هذا الارتفاع مختلف مكونات هذه النفقات باستثناء نفقات دعم أسعار الاستهلاك، التي لم تتجاوز1,3%  من الناتج الداخلي الإجمالي عوض1,6%  سنة 2018، نتيجة انخفاض الأسعار العالمية للمواد الأولية. وستتفاقم نفقات التسيير نتيجة الارتفاع الذي ستعرفه نفقات الأجور في إطار الحوار الاجتماعي. هذه الأخيرة ستصل حصتها إلى9,7% من الناتج الداخلي الإجمالي. وبخصوص، نفقات السلع والخدمات الأخرى، فإنها ستستقر في حدود 6% من الناتج الداخلي الإجمالي؛ أي بزيادة تقارب نصف نقطة من الناتج الداخلي الإجمالي مقارنة بمتوسط الفترة 2013-2018. وبناء على مستوى نفقات الاستثمار التي ستصل إلى 6% من الناتج الداخلي الإجمالي، فإن عجز الميزانية سيستقر سنة 2019 في حدود 3,7%  من الناتج الداخلي الإجمالي.

وستتم، حسب المصدر ذاته، تغطية هذه الحاجيات عبر اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي. وبالتالي، ستتعزز حصة الدين الخارجي للخزينة في الدين الإجمالي للخزينة وفي الناتج الداخلي الإجمالي لتصل على التوالي إلى21,4%  و14,2% سنة 2019 عوض 20,5% و13,4% على التوالي سنة 2018. ويسيطر السوق الداخلي على الحصة الأكبر من الدين على الخزينة، رغم جاذبية الشروط التمويلية الخارجية، حيث سيصل معدل الدين الداخلي إلى حوالي %52 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2019 عوض 51,9% سنة 2018 و44% خلال الفترة 2008-2017. وهكذا، سيرتفع الدين الإجمالي للخزينة إلى حوالي 66,2% من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 65,3% سنة 2018 و57% خلال الفترة 2008-2017.

وبالموازاة مع ذلك، سيرتفع حجم الاقتراض الخارجي للمؤسسات والمقاولات العمومية سنة 2019، نتيجة الحاجيات المتزايدة الضرورية لتمويل استثماراتها. وفي هذا الإطار سيتجاوز حجم الدين الخارجي المضمون بأربعة أضعاف مستواه المسجل سنة 2005. وهكذا، سيستأنف الدين الخارجي العمومي منحاه التصاعدي سنة 2019، بعد أن انخفض خلال السنة الماضية بـ6,1 مليار درهم، لتنتقل حصته في الناتج الداخلي الإجمالي من 29,5% سنة 2018 إلى 30,3% سنة 2019. وفي ظل هذه الظروف، سيصل الدين العمومي الإجمالي إلى حوالي 82,3% من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 81,4% سنة 2018.