هل يقود التمديد لبنكيران إلى مواجهة مع القصر؟

الملك محمد السادس
أحمد مدياني

تبنت لجنة المساطر بحزب العدالة والتنمية بأغلبية 22 صوتا مقابل 10 أصوات، تعديلا على المادة 16 من القانون الداخلي الحزب، يقضي بفتح الباب أمام ولاية ثالثة للأمناء العامين للحزب، وهو التعديل الذي وضع على مقاس بنكيران ليبقى على رأس الحزب لولاية ثالثة. فهل تجر هذه الولاية إلى مواجهة مباشرة بين البجيدي والقصر، الذي أعفى بنكيران من رئاسة الحكومة بعد ستة أشهر  من البلوكاج، وسبق أن وجه انتقادات علنية للرجل دون أن يسمه بالاسم في خطاب موجه للأمة؟ خبراء ومهتمون، استقت أرائهم " تيل كيل عربي" يجمعون على أن مرحلة ما بعد التجديد لبنكيران لن تكون خلالها العلاقة سهلة بين الحزب  والقصر ومحيطه.

بعد أكثر من 7 أشهر على قرار الملك محمد السادس إعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، اختار أعضاء حزب عبد الكريم الخطيب، تعديل المادة 16 من القانون التنظيمي الأساسي،  التي كانت تحصر المسؤولية في ولايتين فقط، وتمهيد الطريق لأمينهم العام الحالي من أجل العبور مرة أخرى نحو ضفة الزعامة خلال المؤتمر الوطني القادم لحزب العدالة والتنمية، لكن ألا يخاطر الحزب الذي قطع الصحراء من أجل أن يجد مكانا تحت ظل المؤسسات، بالوضع الذي قال عنه الملك نفسه وهو يتحدث إلى العثماني " لن يكون مفيدا للبجيدي أن يكون في المعارضة".

من وجهة نظر الأستاذ الجامعي، محمد جبرون، منحُ أعضاء الحزب فرصة لبنكيران من أجل ولاية ثالثة، رسالة إلى الدولة مفادها "نحن لا نتقاسم معكم نفس الرؤية في صناعة القرار السياسي". ويربط جبرون في تصريحه لـ"تيل كيل عربي"، بين هذه الرسالة وقرار الملك بإعفاء بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، بل ذهب المتحدث ذاته حد القول إن تعديل المادة 16 "إشارة سيئة سوف تجر نحو مزيد من التوتر السياسي".

بدوره، يتفق أستاذ العلوم السياسية محمد زين الدين، مع الطرح الذي يحذر من بروز أزمة بين العدالة والتنمية والدولة إذا ما نجح بنكيران في الوصول إلى زعامة الحزب للمرة الثالثة.  من جهته، اعتبر المؤرخ المعطي منجب، أن التجديد لبنكيران، لن يغير من قناعات هذا الأخير تجاه الملكية، "لأنه مؤمن بأن تقوية مشروعيتها وإن جر عليه ذلك شنآن مع الملك، تستوجب إصلاحاً سياسياً عميقاً، بعيد عن تبعية الأحزاب للقصر".

التيه السياسي

يتوقع الأستاذ والقيادي السابق بحركة التوحيد والإصلاح، محمد جبرون، أنه إذا ما انتخب بنكيران لولاية ثالثة، سوف ينعكس ذلك بـ"شكل سلبي على حزب العدالة والتنمية، والذي سيدخل مرحلة التيه السياسي". ويشدد جبرون على أن "البيجيدي" في "غنى عن التجديد للأمين العام الحالي"، لأن هذا الاختيار سيغير من القناعات السياسية التي تأسس عليها الحزب، وسيجر عليه نوعاً مما أسماه "الانحياز السلبي والانغلاق في علاقته مع باقي الفاعلين السياسيين".

موقف آخر يعبر عنه المؤرخ المعطي منجب في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، بالقول: " هنا يجب التأكيد على أن بنكيران ملكي جداً. أي أنه يشبه في هذا المستوى عبد الكريم الخطيب، ويشتغل لصالح الملكية على المستوى الاستراتيجي، حتى ولو أدى به ذلك إلى شنآن مع الملك".

ويعرض منجب، مجموعة من المؤشرات، التي تقود إلى أن المواجهة بين بنكيران والقصر مستبعدة بحسبه، ويقدم مثلاً على ذلك أن "بنكيران يرى أنه لتقوية مشروعية الملكية، لابد من إصلاح سياسي عميق يجعل من الحكومة جهازاً تنفيذياً حقيقياً، وليس جماعة موظفين سامين ". ويلخص المتحدث ذاته رؤيته لسلوك الأمين العام لحزب العدالة والتنمية تجاه القصر بالقول: "بنكيران يعتقد في قرارة نفسه أنه ينبغي أن يحفظ للملك وقاره، وألا يتدخل في السياسة اليومية التي قد تجعله في مواجهة هاته الفئة أو تلك ".

جبرون يشدد في هذا الصدد، على أن العلاقة بين حزب العدالة والتنمية والقصر من خلال بنكيران، سوف "تتأزم"، ويعيد التذكير بأن "الرسالة واضحة. وهي أن أعضاء (البيجيدي) اختاروا عكس ما توجهت إليه الدولة من اختيارات سياسية، وذلك بعد فشل بنكيران في تشكيل الحكومة. وانطلاقاً من هذا المعطى، مع استحضار باقي المعطيات الإقليمية والدولية، الحزب سيجد نفسه في عزلة، ليس فقط مع الدولة، بل حتى مع باقي الفاعلين السياسيين".

هذا الطرح يستبعده منجب، بالقول إنه "يجب التذكير بأن بنكيران كان يعتبر حتى سنة 2016 من بين الخمسة الزعماء السياسيين الأقرب إلى القصر. ومنذ وصوله إلى الأمانة العامة لـ "البجيدي" سنة 2008 لقي ترحيبا من لدن ما يسمى بالجهات العليا بل الملك شخصياً ناداه هاتفياً ليهنئه".

أستاذ العلوم السياسية، محمد زين الدين، يتوقع بدوره أن "يصعب اختيار بنكيران للمرة الثالثة لقيادة الحزب، مأمورية الأخير في تدبير تحالفاته السياسية وعلاقته مع مؤسسات الدولة". واعتبر المتحدث ذاته، في تصريحه لـ"تيل كيل عربي"، أن تعديل المادة 16 يفهم منه أنه "تحد معلن للدولة، التي اختارت إعادة هيكلة المشهد السياسي في المغرب"، ويعطي زين الدين هنا، المثال بما وقع في مؤتمر حزب الاستقلال، إذ أنه رغم "تشبث حميد شباط بالترشح لتقلد منصب الأمين العام، تدخلت عوامل أخرى وضعت نزار بركة على رأس الحزب".

ويشدد زين الدين على أن اختيار الدولة لسعد الدين العثماني، من أجل قيادة الحكومة الحالية، كان إشارة إلى "البيجيدي" لمنحه مهمة الأمين العام، أو على الأقل منحها لأحد "صقور الحزب" وهما بالدرجة الأولى مصطفى الرميد أو عزيز الرباح.

خسارة أم وفاء لـ"انتصارات" بنكيران

ما بعد إعفاء عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة، برز نقاش حول دوره "المحوري" في تقدم حزب العدالة والتنمية انتخابياً وحضوره السياسي القوي اليوم في الساحة. وجرت نتائج حزبه خلال الانتخابات الجزئية الأخيرة، وما رافقها من فقدان عدد كبير من الأصوات بلغت الآلاف، نقاشاً حول تعلق الكتلة الناخبة المتعاطفة مع "البيجيدي" بصورة "بنكيران الزعيم"، والذي يرى فيه عدد من قيادات حزبه وقواعده، المحرك الرئيسي والأساسي لـ"انتصارات" انتخابات 2011 و2016 التشريعية و2015 الجماعية.

"سواء فاز بنكيران بالولاية الثالثة أو لم يفز. تعديل المادة 16 سيعمق ويكرس الأزمة التنظيمية لحزب العدالة والتنمية، والتي لم يمر مثلها من قبل". هكذا لخص الأستاذ زين دين رؤيته لواقع حزب الخطيب قبل وخلال وبعد مؤتمره الوطني القادم، ويفسر ذلك بـ"حتمية دخول تيار بنكيران وما أصبح يعرف بتيار الاستوزار في مواجهة مباشرة وصراع داخلي". ويضيف المتحدث ذاته، أن "بنكيران له قواعد قوية، ترى أن ما حققه الحزب من تقدم ونجاحات سياسية كانت بفضله، وهؤلاء يشكلون تقريباً ما يوفق 60 في المائة من أعضاء التنظيم".

ويرفض محمد جبرون ربط ما حققه حزب العدالة والتنمية بشخص عبد الإله بنكيران، ويوضح الأستاذ الجامعي موقفه هذا بالقول: "الحزب لم يحقق نجاحاته وانتصاراته بسبب كاريزما الأستاذ بنكيران، بل هو عمل جماعي، ساهمت فيه القيادات الحزبية، وإن كان التوجه المهيمن داخل الحزب هو ربط كل إنجاز ببنكيران. هنا أود أن أرد بمعطى محدد في تاريخه، وهو أنه منذ دخوله غمار أول انتخابات تشريعية، ظل "البيجيدي" يحقق التقدم سواء في عهد سعد الدين العثماني أو في عهد بنكيران". ويرى جبرون أن ربط كل نجاح "البيجيدي" ببنكيران "سوء فهم كبير جداً، وشخصنة سوف تقود الحزب إلى بداية الانحدار وليس الصعود".

المعطي منجب، يدفع بكون وصول بنكيران إلى الزعامة للمرة الثالثة، سوف يقوي الحزب، ويطرح بهذا الصدد، أن "العلاقات بين العدالة والتنمية والقصر ستصبح أشبه بعلاقات بين حزب في ملكية برلمانية والمؤسسة الملكية، أي أن هاته العلاقات ستكون مبنية على التعاون والمصالح المشتركة وليس على التبعية".

جبرون، يستبعد هذا الطرح الأخير، ويتوقع أن تعديل المادة 16 "سوف يؤدي إلى كسر حزب العدالة والتنمية، حتى من الداخل. وهذا الاختيار يقود مباشرة إلى إضعاف الحزب وليس تقويته".

نفس الرأي يذهب إليه زين الدين، بالقول إن "ما يقع اليوم داخل العدالة والتنمية تحول من صراع مؤسساتي إلى مواجهة شخصية". "الفاعل السياسي المغربي ينطلق دائماً من الشخصنة ولا يهتم بالصراع التنظيمي لحسم المواقف. هذا التوجه أصبح سائداً داخل (البيجيدي)، لأن الخلافات اليوم بدأت تتجاوز حد البحث عن المناصب، بل أصبحت حول من سوف يحافظ على استمراره داخل التنظيم أو مصيره الاندثار" حسب زين الدين.

ويختم زين الدين توقعاته لما بعد تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للعدالة والتنمية، بالحديث عن أن "الحزب يصعب عليه الخروج موحداً بعد محطة المؤتمر. سواء كسب بنكيران سباق الأمانة العامة أو خسرها، والطرحين معاً واردين بقوة، لأن تحديد مصير الأحزاب لم يعد شأناً داخلياً فقط، سوف تتصدع قوة التنظيم. الصراع اتخذ أبعاداً أخرى، لأن بنكيران يعتبر أن إخوانه خذلوه وذهبوا في مواقفهم حد الخروج بتصريحات متشنجة ضده".