"MADE IN MOROCCO".. مصدر ثقة عند الموريتانيين وشريان حياة يحتاج "التطعيم"

أحمد مدياني

موريتانيا - أحمد مدياني

داخل مطعم قبالة الشارع الرئيسي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط. هنا شريان الربط ما بين الشمال والجنوب، ليس فقط عند بلاد المرابطين، بل داخل القارة، خاصة عمق الغرب والساحل الإفريقي.

داخل المطعم، تلحظ مئات الشحنات بترقيم مغربي تمر أمامك، بدون توقف، يفوق عددها، يوميا، المئات، محملة بمختلف السلع الموجهة للاستهلاك داخل موريتانيا وما بعدها من الدول نحو الجنوب، تحمل معها الثقة في كل ما يحمل شعار: "صنع بالمغرب".

وقبل الخوض في تفاصيل هذا التقرير، وجب الإشارة إلى أن تاريخ نشره تغير أكثر من مرة، بالنظر إلى التحولات التي طرأت، خلال الأيام الماضية، في ما هو مرتبط به.

لذلك، كان من الواجب أن يكون في سياق هذه التحولات وليس خارجها.

نثق في كل ما هو مغربي

كانت هذه العبارة تتردد على مسامع "تيلكيل عربي"، طيلة فترة المقام بموريتانيا، خلال الأسبوع الأول من العام الجديد.

داخل محل تجاري ممتاز يحمل اسم المغرب، تقول فاطمة، إحدى الموريتانيات اللاتي يأتين، يوميا، لاقتناء حاجياتها هنا، إن "المنتجات المغربية تعتبر مصدر ثقة لدى المستهلك الموريتاني والأجانب المقيمين عندنا".

وتتابع في حديثها للموقع: "كل المواد الاستهلاكية المغربية تستهلك، بكثرة، فوق تراب موريتانيا، ونبحث عنها قبل أي ماركات أخرى، مهما كان مصدرها من داخل إفريقيا أو خارجها".

لماذا كل هذه الثقة؟

الجواب هنا على لسان مستشار سابق في الرئاسة الموريتانية، والذي يؤكد في أكثر من لقاء مع "تيلكيل عربي" على أن "الروابط التاريخية والثقافية والاجتماعية في العمق ما بين المغرب وموريتانيا، أقوى مما هو ظاهر على المستوى السياسي".

ويضيف في هذا الصدد: "لاحظتم، خلال جلوسكم بالشارع الذي يربط شمال موريتانيا بجنوبها، العدد الكبير لشاحنات السلع المغربية، هذا ما نستورده من المملكة، وهناك منتجات أخرى، خاصة الفلاحية منها، أنتم من تنتجونها فوق تراب موريتانيا ونثق في استهلاكها"، مشددا على أن "عمق الروابط بين البلدين تنعكس أكثر على الجانب الاقتصادي".

بدوره، يؤكد الموريتاني محمدي شفير، رفيق رحلة "تيلكيل عربي"، طيلة المقام بموريتانيا، أن "المنتجات المغربية بمختلف أنواعها تعتبر مصدر ثقة، خاصة بالنظر إلى طبيعة المجتمع هنا".

سر إضافي يعزز الثقة

بالإضافة إلى وفرة المنتجات المغربية وجودتها، هل هناك عامل آخر يعزز هذه الثقة؟

سؤال طرحه "تيلكيل عربي" على رفيق الرحلة، السائق محمدي شفير، الذي يكشف عن عامل آخر مهم ومحدد داخل مجتمع موريتانيا: "هنا، هناك ارتباط وثيق للموريتانيين بتعاليم الدين وكل ما يفرضه من طقوس وضوابط ويؤطر حياتهم من الألف إلى الياء".

من هذا المنطلق، يقول شفير إن "الموريتانيين متأكون، دون شك، بأن ما يستهلكونه حلال؛ لأنه صنع في المغرب".

نفس هذا الجانب تؤكده للموقع مسيرة فندق "نواكشوط"؛ حيث كان يقيم "تيلكيل عربي"، وهي مغربية اسمها عائشة تنحدر من مدينة الدار البيضاء.

وتقول عائشة: "المجتمع هنا حريص على احترام معتقداته وعاداته وتقاليده، لذلك، هم يثقون في المنتجات المغربية، ولا يقبلون على ما هو قادم من دول أخرى، سواء كانت دول الشمال أو الجنوب".

الرفيق السائق محمد شفير يجيب عن سؤال: "ما هي المنتجات الأخرى التي يثق فيها الموريتانيون؟"، بنبرة تحمل المزاح أكثر من الجدية؛ حيث قال: "وحدها الأدوية التي نفضل أن نشتريها من صيدلية باريس وليس الرباط".

جواب ليس من وحي الخيال، بل واقع، لأن هنا "صيدلية باريس" تربح الكثير من تسويق أن كل الأدوية التي تبيع قادمة من فرنسا، وهذا جانب يظهر كيف تتأرجح أسهم الثقة من أعلى الهرم إلى أسفله.

فكروا في الاستثمار مع التصدير!

نعم هناك حضور قوي للسلع المغربية في موريتانيا. لكن هذا ليس كافيا لضمان الاستمرارية، رغم صعوبة وصول المنافسين، لكنهم سوف يصلون في المستقبل القريب.

خلاصة يصل إليه "تيلكيل عربي"، من خلال لقاءات كثيرة جمعته بمختلف الأطر وعامة الشعب، بالعاصمة نواكشوط.

وما يثير الانتباه في هذا الجانب، هو ما جاء على لسان أطر موريتانيين يجمعون على "ضرورة حضور الرأس المال المغربي خارج دائرة التجارة هنا؛ من بينهم إطار عال بوزارة الاقتصاد الموريتانية، وهو خريج الجامعات المغربية؛ حيث يكشف، بحكم خبرته في هذا الجانب، أن رؤوس الأموال الوطنية عندهم اختارت، منذ سنوات، توطين استثماراتها بدول في شرق آسيا، وأيضا تركيا".

كيف؟

يشرح المتحدث ذاته: "حين يخرج المستثمرون للبحث عن فرص للاستثمار خارج أرض الوطن، ما هو مؤكد أنهم يبدؤون في تطوير حلقات منافع متبادلة. هنا يمكن أن نستحضر تركيا، وكيف استطاعت توطين استهلاك منتجاتها في دول تعرف تواجد إنتاجية عالية، وهو الحال عندكم في المملكة المغربية. ماذا عن واقع الإنتاج عندنا؟! هناك عدد كبير من المستثمرين الموريتانيين تم إقناعهم بالاستثمار في تركيا، والأكيد، سيكون لهذا التطور انعكاسات على التنافسية مستقبلا".

ويشدد الإطار العالي في وزارة الاقتصاد الموريتانية على أن "استمرار قوة حضور المنتجات يجب أن يرافقه توطين الاستثمار، ليس في قطاع الخدمات فقط، كما هو الحال اليوم، بحضور أقوى للمغاربة في قطاع الاتصالات، والأبناك، وتوزيع المحروقات، وإلى حد ما الفلاحة".

امتحان استمراية الثقة

بداية الأسبوع الجاري، أثار قرار السلطات الموريتانية برفع التحصيلة الجمركية عن الخضروات المستوردة من المغرب قلقا كبيرا في أوساط المكاتب والهيئات المعنية بتغييرات أسعار المواد الغذائية في أسواق موريتانيا.

قلق يؤكد أن الثقة في المنتجات المغربية لا تؤطره فقط جودتها، بل أيضا تخفيف حضورها في الأسواق الموريتانية من تداعيات نقصها على الأسعار.

في سياق متصل، تؤكد مصادر محلية في السوق الكبير للخضروات بنواكشوط لموقع "تيلكيل عربي" أن "أسعار الخضروات شهدت ارتفاعا كبيرا، خلال الأيام الأخيرة؛ مما يعزز مخاوف المستهلكين من ارتفاع تكاليف المعيشة".

وفي تعليقه على القرار الذي لم يعلن رسميا، وتمت ترجمته على أرض الواقع عند "معبر الڭرڭرات"، صرح عبد السلام ولد محمد صالح، وزير الاقتصاد والتنمية المستدامة الموريتاني، أن "حماية الإنتاج المحلي أمر مهم وضروري، مع التأكيد على أن هناك حقا للبلاد في حماية إنتاجها المحلي، في ظل المنافسة القوية وخطر الخسارة".

ورغم ذلك، رد مندوب من لجنة حماية المستهلك في موريتانيا على تصريحات وزير الاقتصاد، معتبرا حجته "غير مقبولة ولا تتناسب مع الواقع الاقتصادي الحالي".

وفي السياق ذاته،  أوضح مصدر داخل شركة الصناعات الغذائية الرائدة في موريتانيا "FMPC"، أن "البلاد تعتمد بنسبة 10 في المائة فقط على إنتاجها المحلي من الخضروات؛ مما يجعلها تعتمد، بشكل كبير، على وارداتها من المغرب".

وأمام هذا الامتحان، قررت السلطات الموريتانية التراجع عن قرار رفع التحصيلة الجمركية على الخضروات ومجموعة من المواد الغذائية المستوردة من المغرب.

من جهته، كشف عضو في الجمعية الدولية لنقل البضائع، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أنه "تم التراجع عن التعريفة التي فرضتها السلطات الموريتانية على السلع المغربية، قبل أيام".

وأشار المتحدث ذاته إلى أنه "بعد فرض هذه التعرفة، في وقت سابق، تم الاتفاق من طرف تجار المغرب على وقف الصادرات والواردات مع موريتانيا، فضلا عن عدة دول إفريقيا جنوب الصحراء؛ ما أدى إلى أزمة اقتصادية في تلك البلدان".

وأوضح المتحدث ذاته أنه "بعد هذه الخطوة، تقرر التراجع عن هذه الرسوم الجمركية الجديدة، وعادت المياه إلى مجاريها؛ حيث استعادت الحركة التجارية سابق عافيتها"، مؤكدا أن "الشاحنات المغربية تعبر الآن الحدود، بكل انسيابية، لتنتهي بذلك الأزمة التجارية التي أثرت سلبا على الاقتصاد في هذه الدول".

الأرقام الرسمية تحتاج إلى الانتباه إلى التحولات

منطق الاقتصاد والاستثمار في سياق التحولات وما يفرضه واقعها المتسارع، يُلخصه المثل المغربي القائل: "غفل طارت عينك"، ويمكن تحويره بصحيح التعبير: "غفل طار موقعك المتقدم اقتصاديا، مهما كانت مكانتك سياسيا".

حسب الأرقام الرسمية بالمغرب، سجل حجم الصادرات المغربية نحو موريتانيا ارتفاعا ملحوظا، خلال السنوات الأخيرة؛ حيث ارتفع من 100 مليون دولار أمريكي، سنة 2010، إلى 180 مليون دولار أمريكي، سنة 2022، محققا بذلك نسبة نمو بلغت 80 في المائة.

وشكلت الصادرات المغربية نحو موريتانيا ما نسبته 60 في المائة من مجموع المبادلات التجارية بين البلدين، سنة 2022، مقابل 40 في المائة للواردات المغربية من موريتانيا.

وتمثلت أهم الصادرات المغربية إلى موريتانيا في المنتجات الفلاحية، خاصة الخضر، والفواكه الطازجة، والأسماك، والمنتجات المعدنية.

وساهم فتح "معبر الڭرڭرات" الحدودي بين المغرب وموريتانيا في تعزيز المبادلات التجارية بين البلدين؛ حيث سجلت الصادرات المغربية نحو موريتانيا ارتفاعا ملحوظا، خلال الأشهر الأولى من سنة 2023.

وتوقعت أرقام الجمارك المغربية أن يساهم فتح المعبر في زيادة حجم الصادرات المغربية نحو موريتانيا إلى ما بين 250 و300 مليون دولار أمريكي، خلال متم سنة 2023.

كل هذه الأرقام تبقى خاضعة لحجم فهم التحولات التي تطرأ، مع تجاوز لحظة الفهم بالانتقال إلى الفعل عوض رد الفعل، وأن لا يؤثر الظاهر في العلاقات بين بلدين يجمعهما التاريخ قبل الحدود، على ما هو أقوى في العمق.