المدارس الخاصة.. أسعار ملتهبة في "غياب" وزارة التعليم ومجلس المنافسة

المصطفى أزوكاح

مجلس المنافسة لاينكب على بحث المنافسة في قطاع التعليم الخصوصي، ووزارة التربية الوطنية لا تتدخل في سياسة الأسعار الخاصة بالمدارس الخاصة، لتبقى الأسر "وحدها" في مواجهة حمى الأسعار الملتهبة. فهل يتحرك مجلس إدريس الكراوي لبحث المنافسة في هذه السوق، التي لا يكف المستثمرون فيها عن رفع مطالب الزيادة في المكاسب الجبائية، في غياب أي تحفيز ضريبي لتشجيع المغاربة على تعليم أبنائهم في هذا القطاع الخاص.

"لاينكب مجلس المنافسة على بحث المنافسة في قطاع التعليم الخصوصي". هكذا كان جواب، رئيس مجلس المنافسة، إدريس الكراوي. جواب مقتضب على سؤال من "تيل كيل عربي"، حول ما إذا كانت المؤسسة الدستورية منشغلة بمسألة المنافسة في ذلك القطاع، عبر إحالة ذاتية أو طلب رأي من الجهات المخولة.

حدود تدخل المجلس

لن يتناول مجلس المنافسة، الذي عاد ليشتغل من جديد، وضعية المنافسة في سوق المدارس الخاصة، إلا في حال اختار القيام بذلك عبد عبر إحالة ذاتية أو طلب رأي يأتيه من الحكومة أو عبر جهة مخولة بذلك.

في حال اختار الانكباب علي ذلك، سيكون عليه النظر في ما إذا كانت قواعد المنافسة محترمة، وفي مدى وجود اتفاقات بين الفاعلين في القطاع، كأن يتفقوا على أسعار معينة أو يتوافقوا على رفعها أو تقاسم السوق في ما بينهم أو تحديد سقف ما للجودة.

يحيل عضو سابق بالمجلس على  الاختصاصات التي منحها له القانون، فقد أصبحت له سلطات تقريرية في مجال محاربة الممارسات التي تعاكس قواعد المنافسة ومراقبة عمليات التركيز الاقتصادي.

وتعد ممارسات معاكسة لقواعد المنافسة كل الأعمال والاتفاقات الرامية إلى المساس بسلاسة قواعد المنافسة واحتكار السوق وإلحاق أضرار بمقاولات أخرى.

وتدرج ضمن الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، تلك التي تعمد، عبرها مقاولة أو عدة مقاولات، إلى استغلال تعسفي لوضع مهيمن في السوق، كأن تعمد مقاولات إلى إقصاء منافسيها والحيلولة بينهم وبين ولوج السوق.

خارج كل ذلك، لن يكون المجلس مخولا للنظر في الأسعار، فهي متروكة لقانون العرض والطلب. هذا ما يؤكد عليه المصدر، الذي يرى أنه يمكن للمجلس مع ذلك، تقديم تحليل حول الأسعار في سلك دراسي معين، دون أن يخوض في مسألة حرية الأسعار.

أسعار لا تكف عن الارتفاع

تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون تلميذ يتابعون دراستهم بالمدارس الخاصة؛ ما يمثل 14 في المائة من التلاميذ الذين يستوعبهم النظام التربوي المغربي، ويرتقب أن يرتفع ذلك المعدل إلى 25 في المائة في أفق 2024.

لا تكف الأسر عن الشكوى من ارتفاعات الأسعار، تمثل تدعمه التقارير الرسمية، فقد لاحظ بنك المغرب في تقريره لعام 2017، الذي كشف عنه في غشت الماضي، أن حصة التعليم في نفقات استهلاك الأسر سجلت ارتفاعا قويا خلال العشرين عاما الأخيرة، منتقلة من 1,6 في المائة في 2001 إلى 3,4 في المائة في 2014، تلك زيادة تصل في المدن إلى 4,4 في المائة.

وتعزى تلك الزيادة، بشكل خاص، إلى زيادة أعداد الأطفال الذين يلتحقون بالتعليم الأولى، والتي تمثل 86,6 في المائة في 2017 و16,7 في المائة في التعليم الابتدائي، مقابل 4,4 في المائة في 2001.

ويفيد البحث الوطني حول الأسعار، أن هذه الأخيرة زادت في التعليم  بين 2007 و2017 بحوالي 44 في المائة؛ أي بوتيرة تمثل ثلاث مرات المستوى الذي بلغته زيادة أسعار الاستهلاك، التي وصلت إلي 15 في المائة.

وارتفعت الأسعار بـ53 في المائة في التعليم الأولى والابتدائي والثانوي، مقابل 27 في المائة في التعليم ما بعد الثانوي والعالي، حسب ما لاحظه التقرير السنوي للبنك المركزي.

وسجلت أعلى الارتفاعات في القطاع الخاص في مراكش بـ63,7 في المائة وفاس بـ61,9 في المائة، بينما لوحظت أدنى الزيادات بالقنيطرة بـ15,7 في المائة وآسفي بـ16,2 في المائة. 

حياد حكومي

هل تتدخل الحكومة لضبط جنون الأسعار؟ سبق لوزير التربية الوطنية والتعليم العالي والتكوين المهني السابق، محمد حصاد، أن اعتبر، عندما سئل حول الأسعار، بأن الوزارة لا تتدخل في سياسة الأسعار الخاصة بالمدارس الخاصة. فأمر ذلك يعود لهذه الأخيرة. تصريح قوبل بالكثير من الاستهجان من قبل أرباب أسر، الذين اعتبروا أن الوزير مال جهة انشغالات المستثمرين في القطاع.

يتجلى بحكم القواعد القانونية السارية، أنه لا سلطة لوزارة التربية الوطنية على المدارس في حال ارتأت الزيادة في الأسعار أو خفضها، فالقانون 00.06، الذي ينظم نشاط التعليم الخصوصي، ينص فقط في المادة 22 منه على أنه تخضع مؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي لمراقبة تربوية وإدارية تمارسها الأكاديمية الجهويهَ للتربية والتكوين، غير أنه يحدد أن تلك المراقبة تتعلق بشكل خاص بـ"استعمال الكتب والوسائل التربوية".

يستفاد من ذلك القانون أن الوزارة لا تراقب الأسعار، إلا في حالة واحدة، تشير إليها المادة 33 من النظام الأساسي، فالأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين، تضع مجانا، رهن إشارة التعليم الخاص، محلات ملائمة لحاجيات هذا النوع من التكوين، في المناطق القروية والحضرية الأكثر احتياجا، كما يمكن للأكاديمية أن تضع رهن إشارة تلك المؤسسات ولمدة معينة وقابلة وقابلة للتجديد، موظفين تربويين تتكفل بتأدية أجورهم. وتستفيد المؤسسات من تلك الامتيازات في إطار تعاقدي يحدد واجبات والتزامات الطرفين معا، وعلى الخصوص واجبات التمدرس التي يجب أن تتلاءم مع الوضعية الاجتماعية للتلاميذ. هذه هي الحالة الوحيدة التي لا تحدد فيها المدارس الخاصة الأسعار بقرار منفرد.

للحرية حدود

يقر مديح وديع، رئيس جمعية المستهلكين المتحدين، بسريان قانون حرية الأسعار والمنافسة، غير أنه يرى أن لجوء المدارس إلى الزيادة في المصاريف السنوية للتمدرس، غير مبرر بالنظر للمصاريف التي تتحملها الأسر من أجل الحصول على خدمة عمومية، فوضتها الدولة للمدارس الخاصة، مشيرا إلى أن الآباء لا يمكنهم أن يغيروا المؤسسات التعليمية، كلما بدت لهم الأسعار مرتفعة، على اعتبار أن ذلك سينعكس سلبا على تحصيل أبنائهم.

ويرى مديح، في تصريح لـ"تيل كيل عربي"، أن السلطات العمومية فتحت الباب أمام المدارس الخاصة، دون أن تعمد إلى وضع معايير تحدد بها تلك المؤسسات، حسب جودة التعليم الذي توفره، كما في التصنيف الذي تخضع له الفنادق. عدم وجود تصنيف للمدارس يجعل الأسر غير متوفرة على دليل تسترشد به في اختيار المدارس التي يمكن أن يتوافق ما تبذله من مال لتعليم أبنائها مع جودة التعليم الذي تتيحه.

هذا يدفع الاقتصادي المغربي، محمد الرهج، إلي التأكيد على أن الأمر يتعلق بخدمة عمومية، اتخذت بعدا تجاريا عندما فتح الباب أمام القطاع الخاص مع توفير امتيازات جبائية له، غير أنه يشدد على دور الضبط، من أجل الحد من الأرباح الفاحشة التي يمكن أن تحققها المدارس الخاصة، والتي تضر بالقدرة الشرائية للأسر المغربية.

ويتصور أن تدخل الدولة، يجب أن يتجلى أكثر في التعليم الابتدائي والإعداي والثانوي، حيث تكون الأسر مجبرة على بذل الكثير من المال من أجل تأمين تعليم ذي جودة لأبنائها، مشيرا إلى أنه في التعليم العالي يصبح الطلبة أكثر قدرة على الاختيار واتخاذ القرار حول المؤسسة التي يريدون مواصلة مسارهم الدراسي بها.

حرية أسعار وامتيازات

وفي الوقت الذي تشتكي الأسر من ارتفاع الأسعار، يحرص قطاع التعليم الخاص على تحصين الامتيازات الجبائية الممنوحة له، حيث يستفيد المستثمرون في القطاع من معدل ضريبة على الشركات في حدود 17,5 في المائة، عوض المعدل العام المحدد في 30 في المائة، حيث يسري المعدل المخفض على مدى خمسة أعوام التي تلي الشروع في الاستغلال.

ويحظون، كما يلاحظ ذلك الرهج، من معدل ضريبة على الدخل في حدود 20 في المائة بالنسبة للدخول الصافية المحققة، وإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، مع حق الخصم بالنسبة للتجهيزات الموجهة للقطاع، وذلك في إطار الامتيازات الجبائية التي تخولها يونيسكو (Franchise Unisco).

ورغم تلك الامتيازات، تعتبر الرابطة المغربية للتعلم الخاص، التي تسعى إلى تخيف العبء الجبائي عن الفاعلين في القطاع، أن المستثمرين في قطاع التعليم الخاص لا يستفيدون كفاية من من التحفيزات الجبائية، حيث تدفع بخصوصية الرسالة التي تؤديها، وهي ترى أن الدولة لم تف بالتزاماتها ذات الصلة بتمتيع القطاع بنظام جبائي يلائم البعد الاجتماعي للتعليم، والذي كان موضوع اتفاقية مبرمة بين خمس وزارات وتسع جمعيات ممثلة للفاعلين في القطاع.

تعويض جبائي؟

إذا كانت الحكومة تحتج بقانون حرية الأسعار والمنافسة، الذي يمنعها من التدخل في ضبط الأسعار التي تطبقها مؤسسات التعليم الخاص، فإن أصواتا ارتفعت، كي تدعو إلى تمكين الأسر من معاملة جبائية تستحضر التكاليف التي تتحملها الأسر من أجل تعليم أبنائها في التعليم الخاص.

فقد سبق لحزب الاستقلال أن اقترح خصم 45 في المائة من مصاريف تعليم الأبناء بالمدارس الخاصة، من الدخل الخاضع للضريبة على الدخل وردها للأسر. هذا مقترح لم ينفرد به ذلك الحزب، بل سبق أن عبر عنه خبراء وجاء ضمن المطالب التي عبر عنها في المنتدى الذي فتحته وزارة المالية قبل مناظرة 2013، عبر موقع مديرية الضرائب الإلكتروني، أمام المواطنين كي يعبروا عن انتظاراتهم من الإصلاح الجبائي آنذاك.

فقد نبه الكثيرون إلى  العبء الذي يلقى على الطبقة الوسطى، التي تتحمل مصاريف تمدرس أبنائها الذين يحرمون من المنحة في التعليم العالي. هذا ما دفع البعض إلى الدعوة إلى ضرورة التفكير في خفض معدل الضريبة على الدخل المفروض على هذه الشريحة

مسألة خصم المصاريف التي تتحملها الأسر من الضريبة على الدخل، والتي أيدتها رابطة المدارس الخاص، قابله رأي آخر، عبر عنه عمر بلافريج، النائب البرلماني، الممثل لفيدرالية اليسار الديمقراطي، الذي يعتقد أن تعويض الأسر عبر الضريبة عن المصاريف التي تتحملها، سيدفعها إلي الإقبال أكثر على التعليم الخصوصي، والابتعاد عن التعليم العمومي الذي يفترض تحسين جودته... فهل يجد هذا السجال صدى له في مناظرة الجباية التي ستعقد في ماي المقبل؟