"تيل كيل" في تارميلات.. القرية الفقيرة التي تنتج مياه "سيدي علي"

بجوار شركة أولماس - تصوير.ياسين التومي
تيل كيل عربي

رغم غنى أرضها بالذهب الأزرق، المتمثل في المياه المعدنية، فإن جماعة أولماس، وبالخصوص بلدة ترميلات تعاني من الفقر والتهميش، بينما تحقق الشركة التي تستغل ثروتها أرباحا كبيرة.

"لسنا ضد ابنة فرانكو، ولكن عليها مساعدتنا للتغلب على هذا البؤس"، قال محمد أوندير، بلهجته الأمازيغية، موجها كلامه إلى مريم بنصالح. فهي من يقصد بـ"ابنة فرانكو"، فهذا اللقب كان يطلق على الراحل الحاج عبد القادر بنصالح. وهو مدين بهذه المقارنة بالجنرال الإسباني لتعامله الصارم مع الاحتلال الفرنسي، حسب ما قالت لنا مريم بنصالح في 2012.

بنى عبد القادر بنصالح، الذي أنشأ شركة "هولماركوم"، امبراطوريته على عين أولماس، التي حصل على رخصة استغلالها منذ بداية السبعينيات، وتم تجديد هذا الترخيص مرة أولى سنة 1983، لمدة 25 سنة، ثم لربع قرن آخر في 2010، لتصبح هذه العين هي الجوهرة الثمينة لـ"آل بنصالح".

ومحمد أوندير يعرف هذه القصة جيدا، فهو يعيش في بلدة "تارميلات"، على بعد بضعة كيلومترات من عين سيدي علي الشريف، التي يتم تسويقها تحت علامة "سيدي علي". ويقع قرب بيته بهذه البلدة التي يقطنها 7 آلاف نسمة، معمل التعبئة التابع لشركة "المياه المعدنية بأولماس". وهذا البيت واحد من البيوت التي يتشكل منها الحي العشوائي بتارميلات، الذي لا يتوفر على الصرف الصحي، وحيث يجاهد الأطفال أثناء لعبهم لتفادي مجاري الوادي الحار التي تجري بين البيوت.

وتعتبر أسرة محمد، وهو في الثلاثينات من عمره وله طفلين، واحدة من الأسر الـ320 التي تنتظر إعادة إسكانها. "ننتظر منذ عدة سنوات، فقد  أكدوا لنا أن الأمر سيتم قريبا"، قالت فتيحة، ربة بيت في الخمسينات من عمرها، وهي تراقب خبزها يطهى على نار هادئة في الفرن الطيني(...).

يقع مصنع التعبئة لشركة المياه المعدينية بأولماس في هضبة تطل على تارميلات، ويضم مساكن وظيفية يقطنها حوالي 147 أجيرا، فضلا عن مدرسة، يرتادها حتى "أبناء غير العاملين"، يوضح مدير المصنع، فتاح الهاني. يتوفر كذلك على جناح للألعاب، وملعب لكرة القدم، ومسار صغير للغولف، وفندق ومطعم. باختصار، هو عبارة عن حي مجهز وعصري. إنه جزيرة صغيرة وسط هذه القرية التي تتوسع بشكل عشوائي.

مياه عكرة

"لسنا مسؤولين عن هذا الحي العشوائي، الذي ينتظر سكانه إعادة إسكانهم منذ 2009"، يقول فتاح الهاني. وكشف لنا مسؤول بمؤسسة "هولماركوم"، الشركة الأم لـ"المياه المعدنية لأولماس"، فضل عدم الكشف عن هويته، أن هذا التجمع من المساكن غير اللائقة، التي توجد على بعد بضعة كيلومترات من المصنع، يعتبر نتيجة طبيعية لسنوات من الجمود التي ركن إليها المنتخبون المحليون.

ويقول مستشار سابق من الحركة الشعبية، التي كانت منطقة أولماس معقلها لسنوت طويلة، "إن جماعة أولماس والبلدات المرتبطة بها عانت من التسيير الكارثي لسنين طويلة". وقد سبق لوزارة الداخلية أن حركت المتابعة سنة 2009 في حق الرئيس السابق للجماعة، محمد المقدمي، وكان ينتمي لحزب السنبلة قبل أن يلتحق بحزب الأصالة والمعاصرة. وتم الحكم عليه بأربع سنوات، كما صدرت أحكام تتراوح بين 6 و18 شهرا في حق أربعة مستشارين جماعيين بتهم الاختلاس، وتبذير ممتلكات عمومية، وتزوير وثائق إدارية.

هذه الأموال والممتلكات العمومية التي تم تبذيرها مصدرها هو الرسم الذي تدفعه شركة "المياه المعدنية لأولماس" مقابل استغلال العيون المائية التابعة للجماعة. ويخلي مدير المصنع مؤسسته من أي مسؤولية بالقول إن "الشركة ليس لها حق متابعة الكيفية التي تصرف بها الجماعة الأموال التي تدفعها لها سنويا". ونفس الجواب تقريبا حصلنا عليه من المقر المركزي لـ"هولماركوم" بالدار البيضاء: "ليس من حق مقاولتنا إعطاء حكم حول التدبير المالي لمؤسسة منتخبة". والحال أن ما تدفعه مقاولة آل بنصالح يشكل 90%  من موارد الجماعة، أما الباقي فمصدره الموارد الغابوية الهزيلة.

ويتم احتساب المبلغ السنوي الذي تدفعه الشركة بناء على عدد القنينات التي تخرج من المصنع، وحسب عدد اللترات المستغلة، كما يبقى بطبيعة الحال رهينا بالنتائج السنوية لهذه المقاولة. ووصل هذا المبلغ في 2017 إلى 100 مليون درهم؛ أي أربعة أضعاف ما تم دفعه في 2009. فقد كانت السنة الماضية ممتازة بالنسبة للشركة التي سوقت أكثر من 740 مليون قنينة من مياه "سيدي علي"، و"أولماس"، و"عين أطلس".

المقاطعة المخيفة

"إن الشعبوية ستقتلنا"، يقول محمد شرورو، رئيس جماعة أولماس، بلهجة طافحة بالقلق من أثر المقاطعة على الميزانية السنوية لجماعته. وقد أخذت أثرها تظهر فعلا على نشاط مصنع تارميلات. فوسط ضوضاء الآلات، تنتظر مجموعة صغيرة من الشاحنات دورها لشحن قنينات المياه المعدنية. "من قبل، كانت تصطف هنا حوالي 100 شاحنة. وكنا نقضي اليوم بكامله أو أكثر ليصل دورنا لشحن البضاعة"، يقول أحمد، سائق إحدى الشاحنات وهو يدخن سيجارته. من جانبه، يعترف مدير المصنع بأن آثار المقاطعة أخذت تظهر بعد أسبوعين فقط من انطلاق الحملة على شبكات التواصل الاجتماعي، ويقول "نملك مخازننا الخاصة، ولكن المخازن التي تملكها أطراف أخرى أخذت تقلص من حجم طلبياتها"(...).

حراك في العين

تعرف المنطقة حركة احتجاجية محلية صارت جزءا ثابتا في المشهد الحضري لبلدة "أولماس".  فمنذ ثلاثة أشهر، دخل مجموعة من الغاضبين في اعتصام أمام مقر الجماعة تحت اسم "حراك أيت اعمر" (نسبة إلى قبيلة محلية). كانوا في الأول يطالبون بالبنيات التحتية الصحية والتعليمية، فضلا عن الحصول على الماء الشروب والكهرباء. ولكن في مرحلة ثانية، طالب أعضاء هذا الحراك المحلي بإعادة النظر في قواعد استغلال عيون المنطقة من طرف شركة "المياه المعدنية لإولماس"، معتبرين شروط الاستغلال الحالية مجحفة في حق السكان.

ويوضح كريم حمي، أحد قادرة هذا الحراك، قائلا "إننا نشجع السكان على الاتفاق على دفتر مطلبي لتقديمه إلى السلطات وإلى الشركة". وإذا لم يكن هذا الناشط يجادل في حق آل بنصالح في استغلال العيون المحلية، فإنه يطالب بـ"قوانين تسمح بتقاسم أكثر إنصافا لأرباح الاستغلال"، خاصة أن الشركة تحقق نتائج مالية جيدة بفضل هذا الاستغلال. ففي 2017، حقق فرع "هولماركوم" رقم معاملات بلغ 1.87 مليار درهم، بزيادة 13.4% مقارنة مع 2016. وزعت على مساهميها 84 درهما عن كل سهم، أي بزائد 9 دراهم عن 2016(...).

بتصرف عن  مجلة "تيل كيل"