"كلما اقتربت إسرائيل ابتعدت الجزائر".. تقرير يرصد تداعيات العلاقة الجديدة بين الرباط وتل أبيب

بشرى الردادي

اعتبر تقرير حديث صادر عن "المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية"، تحت عنوان: "تطور تكتيكي: مسارات التحول النوعي في العلاقات الإسرائيلية-المغربية"، أن "مساحة التباعد الفعلية بين الجزائر والمغرب تتزايد، في ضوء توطيد الأخيرة شراكاتها مع إسرائيل؛ الأمر الذي استوجب معه تحرك جزائري لترسيخ شراكاتها وانفتاحها العسكري على إيران وروسيا والصين، على خلفية الشواغل الأمنية الجزائرية من التواجد الإسرائيلي بالقرب من الحدود الجزائرية".

وأضاف التقرير أن "هذا الأمر -في حد ذاته- يشكل تراكما لسياسات التباعد بين البلدين، واستبعاد القيام بخطوات إيجابية للعودة لما قبل عام 2021. من ناحية ثانية، يخلق مساحة للتنافس الإقليمي الشرق أوسطي بين إسرائيل وإيران".

وتابع أنه "في خضم الصراع الميداني، صعدت جبهة البوليساريو من عملياتها تجاه القوات الملكية المغربية؛ إذ إنها في مطلع غشت الجاري، نفذت عدة هجمات لاستهداف خنادق لعدد من تمركزات القوات المغربية في "حوزة"، مع التوسع العرضي للهجمات المسلحة في عدة مناطق أخرى؛ منها: المحبس، اكرارة الفرسيك، روس لكطيطيرة، روس ديرت".

وفي تقدير صاحب التقرير، فإن "الإعلان الرسمي بالاعتراف الإسرائيلي بالسيادة المغربية على الصحراء يشكل حلقة جديدة نحو تعميق العلاقات الثنائية بين البلدين، على مستويات إستراتيجية، خاصة العسكرية والاستخباراتية، بما يوجد حالة من التوتر غير المسبوق في دائرة شمال إفريقيا، ويفرض بدوره سباقا للتسلح إقليميا، خاصة بين قطبي المنطقة المغاربية: الجزائر والمغرب".

كما سجل أنه "منذ إعلان إعادة استئناف العلاقات بين المغرب وإسرائيل، تنامت العلاقات الثنائية، على كافة المستويات الاقتصادية والعسكرية"، مشيرا إلى أن "الموقف الأخير من جانب الحكومة الإسرائيلية لدعم السيادة المغربية على منطقة الصراع الجيوستراتيجي الجزائري المغربي، يأتي ليزيد من تعميق العلاقات الثنائية. وبقراءة سريعة لمسار التطور في الملفات الثنائية، يمكن ملاحظة التسارع الكبير في تنامي العلاقات الاقتصادية والعسكرية بين البلدين".

التمدد الناعم والتعاون الاقتصادي

وأوضح التقرير أن "جوانب العلاقات الثنائية بين المغرب وإسرائيل بدأت في صورة تعاون تجاري واقتصادي؛ إذ إنها أبرمت اتفاقية للتعاون الاقتصادي، في فبراير 2022، ليرتفع في ضوئها حجم التبادل التجاري بنحو أربع مرات، خلال أقل من عام، لتصل لنحو 500 مليون دولار، ليس هذا فحسب، بل تعمل إسرائيل على تعظيم مكاسبها الإستراتيجية مع المغرب في ملف الطاقة؛ حيث يأتي قطاع الغاز والطاقة المتجددة من بين أولويات التعاون، ترجمت في إبرام مذكرة تفاهم بين شركة "راسيو بتروليوم" الإسرائيلية مع المكتب الوطني للهيدروكربورات والمعادن، للتنقيب عن الغاز، في مدينة الداخلة، مطلع أكتوبر 2021، تبعها توقيع مذكرة تعاون بين كل من "نيوميد إنرجي – أداركو إنرجي" الإسرائيليتين مع وزارة الانتقال الطاقي المغربية، تشمل عمليات التنقيب وإنتاج الغاز، في إقليم بوجدور".

وأضاف أن "إسرائيل تستهدف توظيف قدراتها وخبراتها في مجال التكنولوجيا الزراعية، لتنمية القطاع الزراعي في المساحات الواقعة جنوب المملكة، ولعل هذا برز في قيام شركة "نطافيم كورب" الإسرائيلية، المتخصصة في صناعة معدات الزراعة والري، بافتتاح فرع لها، في مدينة القنيطرة (مارس 2023)، سبقها إعلان شركة "مهادرين"، إحدى الشركات الزراعية الإسرائيلية، بضخ نحو 9 ملايين دولار في زراعة فاكهة الأفوكادو، في غشت 2021".

التحول النوعي في التفاعلات العسكرية

وأفاد التقرير بأن "القطاع الاقتصادي لم يكن هو المسار الوحيد لتفعيل التقارب المغربي الإسرائيلي، بل شهدت العلاقات تحولا نوعيا وتطورا غير مسبوق في الملف العسكري، وبرز هذا الانتقال في ثلاثة مؤشرات؛ الأول منها تجلى في إبرام مذكرة تفاهم للتعاون الأمني والعسكري، في نونبر 2021. بينما يتمثل الثاني في الزيارات العسكرية المتبادلة؛ إذ أعقب تلك المذكرة تدشين الدولتين مرحلة جديدة للتعاون العسكري، عبر تبادل الزيارات العسكرية".

وتابع أن "بلخير الفاروق، المفتش العام للقوات المسلحة المغربية، شارك في المؤتمر الدولي حول الابتكار في المجال العسكري (مؤتمر الابتكار العملياتي)، الذي استضافته إسرائيل، في 12 شتنبر 2022، أعقبها محطات متلاحقة من تبادل الزيارات، مثلما هو الحال بالنسبة لزيارة أفيف كوخافي، رئيس الأركان الإسرائيلي، في يوليوز 2023، وسبقها زيارة محمد بنوالي، القائد الأعلى لسلاح المدفعية المغربي، إلى إسرائيل، منتصف فبراير 2023، فضلا عن إقامة التدريبات العسكرية المشتركة؛ وأبرزها مشاركة قوات من لواء جولاني الاستطلاعية الإسرائيلية في مناورات "الأسد الإفريقي 2023"، التي أقيمت بالمغرب، وسبقها استضافة تل أبيب وحدة من الكوماندوز المغربي، للاشتراك في تدريبات متعددة الجنسيات، في يوليوز 2021، إلى جانب صفقات الأسلحة لطائرات بدون طيار وأنظمة الدفاع الجوي. بينما تأتي ثالث تلك التطورات في خطوة تعيين العميد شارون إيتاح ملحقا عسكريا في المغرب، وذلك في منتصف يوليوز 2023، كمؤشر كاشف عن إيلاء أولوية للعلاقات الأمنية والعسكرية بين الجانبين، وانتقال مستوى التنسيق بينهما للمستوى الإستراتيجي".

ماذا سيستفيد كل طرف؟

وأوضح التقرير أن "مجالات التعاون سالفة الذكر الكاشفة لتطورات العلاقات الثنائية ناجمة عن حسابات متباينة للطرفين. وبالنظر إلى الحسابات الإسرائيلية في هذا الأمر، فإن ملف التطبيع مع الدول العربية والخليجية، واختراق تلك المساحة الجيوستراتيجية، هو بمثابة آلية تسويقية للحكومة الإسرائيلية لتخفيف الانتقادات الداخلية والأزمات المتكررة، سياسيا واقتصاديا".

وأضاف أنه "عامل مساعد لتعزيز دوائر التواجد الإسرائيلي، خاصة في الدول التي تحظى بثروات طبيعية، بما يجعلها تتطلع للاستحواذ على ذلك الملف، إقليميا، ناهيك عن الحسابات التي تتعلق بمساعي إسرائيل لتعظيم مكاسب تطبيعها مع بعض الدول الخليجية والمغرب، كبوابة نفاذ للعمق الإفريقي، بما يعزز من مساحة تفاعلاتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية".

أما على المستوى المغربي، فتأتي حسابات الرباط في عاملين رئيسين: الأول هو إحداث تفوق نسبي عسكريا على الجزائر، في إطار تطلع كل منهما للهيمنة الإقليمية، ويرتبط بذلك تعزيز قدراتها العسكرية، ومن ثم التحول لمركز الاهتمام الأمني الغربي، بالتنسيق الأمني والعسكري في شمال إفريقيا والساحل والصحراء، بل وتطلّعها لكي تكون الحليف الإستراتيجي الأول لحلف "الناتو"، في تلك المنطقة".

بينما يتعلق العامل الثاني، حسب نفس المصدر، بـ"الرغبة في إحداث نقلة نوعية في ملف الصحراء، واكتساب شرعية إقليمية ودولية في تصفية ذلك الملف، أولا، بصورة سياسية ودبلوماسية، عبر الاعترافات المتلاحقة بالسيادة المغربية على ذلك النطاق، وثانيا، بتفوقها العسكري، وتصفية الملف عسكريا، في مرحلة لاحقة، بتوجيه ضربات مكثفة على تمركزات جبهة البوليساريو، لتفكيكها وتدمير بنيتها التحتية، وذلك من خلال صفقات "الدرونز"، وتطوير التكنولوجيا العسكرية بها، عبر البوابة الإسرائيلية".

المغاربة غير راضون والرباط ترد

وسجل التقرير أن "التطورات السياسية والأمنية المغربية الإسرائيلية أوجدت مساحة انتقاد وتنافر داخلي؛ حيث تزايدت وتيرة الانتقادات الموجهة من جانب الرأي العام للحكومة المغربية، يقودها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، مستغلا حالة الاستمالة الشعبية لمناصرة القضية الفلسطينية".

وتابع أنه "لمعالجة هذا البعد، لطالما بينت الرباط أن تقاربها مع إسرائيل لن يكون على حساب حل القضية الفلسطينية، ولكن مع تنامي وتيرة العنف والاستيطان الممنهج من جانب إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، سيجعل معادلة التوازن بين شراكة المغرب وإسرائيل، والتزامات الرباط تجاه القضية الفلسطينية، صعبة التحقيق".