خديجة العلوي
قبل مائة عام، عاش المغاربة ظروفا مشابهة لما يمرون منه اليوم، حالة طوارئ صحية وتقييد للحركة وتدابير احترازية مشددة، لكن الوباء اختلف قبل قرن، فإذا كان فيروس كورونا المستجد خلط أوراق المغاربة الاجتماعية والاقتصادية، اليوم، فإن الطاعون كان اشد فتكا قبل قرن من الزمان.
تعرض "تيلكيل عربي" في إطار شراكة مع "أرشيف المغرب" وثائق تاريخية رسمية نادرة، حول مجموعة من الأحداث التاريخية المغربية، وتسلط الحلقة الأولى الضوء على كيفية مواجهة المغرب في بداية القرن العشرين، وتحديدا عام 1911، أي عاما قبل توقيع معاهدة الحماية، وهو العام الذي ضرب فيه وباء الطاعون المغرب.
وبفعل الظرفية الاستثنائية التي نعيشها والعالم بأسره جراء تفشي وباء كورونا ألمستجد، ارتأينا أن نستهل شراكتنا مع أرشيف المغرب، بنشر وثائق نادرة تعود إلى عهد الحماية والتي تتطرق لموضوع التدابير الاحترازية التي وضعت آنذاك من طرف سلطات الحماية للحد من انتشار وباء الطاعون (الذي ضرب المغرب لأول مرة عام 1911) والحفاظ على سلامة الفرنسيين المقيمين في المغرب .
الوثيقة الأولى وهي تقرير بتاريخ 18 ماي 1918 يحمل عبارة "مستعجل"، حول تداعيات التدابير الاحترازية، مرسل من طرف مكتب الاستخبارات بمدينة سلا والنواحي، إلى الكولونيل العقيد بالمنطقة في مكتب الصحة بقسم الرباط.
تظهر الوثيقة كيفية تدبير سلطات الاستعمار للوضع الوبائي في زمن الطاعون، تتحدث المراسلة عن اقتياد من سمتهم بـ"البؤساء" والأشخاص المتسخين، القادمين من خارج المدن، اقتيادهم إلى "محطات تنظيف"، بما أن الفرنسيين المقيمين بالمغرب آنذاك، كانوا مضطرين للتعايش مع المغاربة سواء كعمال، مستخدمين أو بائعي الفحم والفواكه وما إلى ذلك.
وإذا كان محتوى بعض الوثائق ينم عن نوع من العنصرية والتحقير تجاه المغاربة، فإن وثائق عديدة أخرى تدعو إلى ضبط النفس أثناء حملات التوعية والتحسيس وتجنب الإساءة أو جرح مشاعر المواطنين المغاربة، خوفا من انتفاضة شعبية قد يصل مداها إلى حد مسامع السلطان.
ففي الوثيقة ذاتها، تتحدث عن استياء المغاربة من تدابير العزل لمحاصرة الطاعون، وأن هناك استياء من المغاربة يمكن أن يؤدي إلى مسيرة احتجاجية إلى قصر السلطان.
بعض الخرائط والتصاميم تسلط الضوء على جانب من التدابير التي نهجتها سلطات الحماية آنذاك لتسير الأزمة، ويظهر أن مصطلح "حالة الطوارئ الصحية" ليس وليد اليوم.
أما الوثيقة الثانية فهي تصميم لمدينة مراكش منجز من طرف المكتب الجغرافي بالجيش في 1924 يبين الوسائل الدفاعية لمحاربة الأوبئة. التصميم يوضح أماكن مراكز إيواء جاهزة لاستقبال المرضى، ومراكز في طور التهيئة، ومحطات وأحزمة في طور الانتهاء.
الوثيقة الثالثة هي مراسلة من طرف الجنرال نوغ المقيم العام الفرنسي بالمغرب، إلى قياد مناطق فاس، مكناس، مراكش، الدار البيضاء، الرباط ووجدة، إلى رئيس القيادة بمنطقة أكادير والنواحي، بتاريخ 16 دجنبر 1940. الوثيقة تتضمن الاجراءات الوقائية للحد من تفشي وباء الطاعون بالمناطق المذكورة.