منذ دخول ترامب إلى البيت الأبيض، والإدارة الأمريكية تتخذ القرارات الصادمة نذكر منها كمثال:
- القرارات المتعلقة بهجرة مواطني بعض الدول الإسلامية ،
- الانسحاب من اتفاقية باريس حول المناخ ،
- نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ،
- الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وفرض عقوبات عليها ،
- تهديد بفرض عقوبات على الدول والشركات التي لن تتماهى مع العقوبات الأمريكية على إيران ،
- فرض ضرائب على الصلب والأليمنيوم المستورد ، وفي هذا إعلان حرب اقتصادية على حلفاء أساسيين لأمريكا،
قرارات ترامب وفريقه تُنزَّل ببلطجة وتحامق غير عابئين بالتزامات أمريكا الدولية ولا بالنتائج وانعكاساتها على مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى من المفروض أن تكون النموذج في احترام القانون الدولي.
الاحتقار والحمق الذي تعامل ترامب مع بعض الحكام الخليجيين، لا يوازيه إلا الصلافة والحمق الذي عبر عنه مهندس السياسة الخارجية الأمريكية هنري كيسينجر في مقابلة له نشرت في 15فبراير 2013 مع الصحفي ألفريد هاينز من موقع www.Dailysquib.co.uk تحت عنوان:
Henry Kissinger: "If You Can't Hear the Drums of War You Must Be Deaf.
أورد ألفريد هاينز نقلا عن كسنجر قوله :
⁃ استعدوا، إسرائيل ستحرق الأخضر واليابس
⁃ لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الإستراتيجية لنا…ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتهما سيكون "الانفجار الكبير" والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي إسرائيل وأميركا وسيكون على إسرائيل القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب ،
⁃ طبول الحرب تدق الآن في الشرق الأوسط وبقوة ومن لا يسمعها فهو بكل تأكيد أصم،
⁃ إذا سارت الأمور كما ينبغي، فسيكون نصف الشرق الأوسط لإسرائيل،
⁃ إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهزه أمريكا وإسرائيل لكل من إيران وروسيا بعد أن تم منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد لنبني مجتمعا عالميا جديدا لن يكون إلا لقوة واحدة وحكومة واحدة هي الحكومة العالمية "السوبر باور" وقد حلمت كثيرا بهذه اللحظة التاريخية.
سيقول قائل بأن مثل هذا الكلام لا يصدر إلا عن مجنون. وأقول، كسنجر ليس أحمق بل يتحامق وهذا ليس جديدا عليه . فقد أورد الكاتب الصحفي الكندي مايكل ماكلير في كتابه "حرب العشرة آلاف يوم" خصصه للحرب الفيتنامية أن : " كسنجر كان يمارس "نظرية الرجل الأحمق " في سياق العملية التفاوضية مع الفريق الفيتنامي الشمالي في باريس، الذي كان يرأسه "لي دوك تو" . فعندما كانت المفاوضات تصل إلى نقطة يتصلب عندها الفريق الفيتنامي، كان كسنجر يطلب تعليق العملية... و يختلي مع "لي دوك تو"، ليقول له متقمصاً دور الرجل الطيب: أحب أن تعرف أن ذلك الرجل الجالس في البيت الأبيض (يعني الرئيس نيكسون ) مجنون!، ولولا أنني أقوم بتهدئته من حين لآخر لأمر بتسوية فيتنام كلها بالأرض!…الآن وقد أوصلتم التفاوض إلى طريق مسدود فإن هذا الرجل عندما يبلغه الخبر سوف يجن جنونه، إنه قطعاً سوف يأمر باستئناف القصف الجوي على مدنكم… إنني أنصحكم بالمرونة وإبداء قدر من التنازل حتى أتمكن من تهدئة ثائرة ذلك الرجل!".
فما هي "نظرية الرجل الأحمق " هذه ؟
لقد نسبها شومسكي، في كتابه " الدولة المارقة " للرئيس نيكسون الذي لخصها في ما يلي : "يجب أن يعرف أعداؤنا أن الجنون مسنا ، ولا يمكن التنبؤ بما سنفعله بقوة تدمير فائقة للعادة تحت إمرتنا ، وهكذا سوف يركعون لإرادتنا خائفين ."
هذه الدعوة إلى التحامق، يقول شومسكي، ستبرز في دراسة سرية قامت بها القيادة الاستراتيجية الأمريكية ، المسؤولة عن الترسانة النووية الاستراتيجية سنة 1995 وسميت ب" أساسيات الردع ما بعد الحرب الباردة " . وخلصت إلى:
" ضرورة استغلال الولايات المتحدة لترسانتها النووية كي تصور نفسها غير عقلانية ، وانتقامية ، إذا ما هوجمت مصالحها الحيوية . ينبغي أن يكون هذا جزءا من الشخصية القومية، التي نبرزها لجميع الخصوم وخاصة الدول المارقة ...من المؤلم أن نصور أنفسنا بأننا عقلانيون بشكل كامل، ومسالمون، ناهيك عن التزامنا بتلك السخافة التي تدعى القانون الدولي ، والتزام المعاهدات... إن الحقيقة أن بعض عناصر الحكومة الأمريكية يمكن أن يظهروا أنهم "خارج السيطرة " وسيكون هذا مفيذا لخلق وتدعيم مخاوف وشكوك ، في أذهان صانعي قرارات الأعداء."
من نيكسون إلى ريغن فبوش الأب و الإبن، إلى ترامب كنا دوما إزاء بلطجة وتحامق مارسها اليمين الأمريكي العنصري و الأصولي المتطرف المتشبع بالخرافات الصهيومسيحية والصهيويهودية. هؤلاء يعتبرون القوانين والاتفاقات الدولية سخافة ولا يرون داعي لمؤسسات دولية كالوكالة الدولية للطاقة النووية أو المحكمة الدولية أو اليونيسكو أو الأونروا أو حتى مجلس الأمن. فالشرعية الدولية بالنسبة لهم هي ما يرونه ويؤمنون به .
حينما تفصح الإدارة الأمريكية الحالية عن كل هذه الوقاحة والتحامق وتسعى إلى نشر الفوضى في العالم و تمارس إرهاب دولة و تعلن العصيان على الشرعية الدولية فمن الحمق بالنسبة لباقي دول العالم الوقوف متفرجين على هذه العربدة .
أمريكا تحاول جاهدة منع انهيار نظام عالمي وحيد القطبية الذي تترأسه و منع قيام نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. هي تحاول انقاذ نظامها الاقتصادي النيوليبرالي المأزوم الذي عولم الفقر والأزمات، بالحروب وزع الفتن والفوضى للهيمنة على مقدرات الشعوب وثرواتهم. ومن العبث ترك أمريكا ترامب تقرر مصير العالم ومستقبل البشرية كما تشاء .