يونس وازيد.. معطيات حصرية عن آخر الملتحقين بـ"ذئاب داعش" لتنفيذ جريم إمليل

يونس أحد المشتبه بهم في تنفيذ جريمة ذبح السائحتين بمنتج إمليل السياحي
أحمد مدياني

كان أكثرهم تردداً على بيت عبد الرحمان خيالي بدوار "الماغ" حيث صور فيديو مبايعة تنظيم "داعش"، بشهادة زوجة عبد الرحمان لـ"تيل كيل عربي". نشأ في نفس المنطقة التي ينحدر منها عبد الرحمان، وهي "شماعو العزوزية". ولد بتجزئة مبروكة دوار بوبكبر (رقم 1)، أحد الأحياء الهامشية لمدينة مراكش. إنه يونس وازيد أحد المشتبه بهم الأربعة في جريمة ذبح سائحتين بمنطقة إمليل السياحية يوم الاثنين الماضي.

حسب الشهادات التي حصل عليها "تيل كيل عربي"، يونس هو آخر الملتحقين بالخلية، وقد تغيرت حياته يوم قرر مشاركة أحد أفرادها، وهو عبد الصمد الجود، نقل أضاحي العيد من "الرحبة" إلى المنازل في العيد الأضحى الماضي. بعد هذا التاريخ، تغيرت حياته وسلوكاته جذرياً، وأصبح شخصاً آخراً، يقول شقيقة سعيد وازيد، في شهادته لـ"تيل كيل عربي"، فضلاً عن شهادات جيرانه.

لا يخفي شقيقه أن يونس "تغير، بل أصبح يرفض العمل لصالح الشركات، ويفضل مصاحبة عبد الصمد ورشيد وعبد الرحمان وشخص آخر لم تكشف هويته بعد، عوض أن يبحث عن قوت اليوم له ولأسرته".

من هو يونس؟ كيف كان مساره؟ ما هو مستواه الدراسي؟ من استقطبه لخلية جريمة إمليل؟ وماذا وقع معه ومع أسرته قبل تنفيذ العملية وبعدها؟ "تيل كيل عربي" يعيد رسم هوية شاب كان لعيد الأضحى الحُكم في تغيير مصيره.

من هو يونس؟

من مواليد 1993، يبلغ من العمر 25 سنة، "شهر ستة ولا خمسة تزاد لا أذكر بالضبط صراحة"، يقول شقيقه الأكبر سعيد، الذي تحدث لـ"تيل كيل عربي" داخل محل تجاري أسفل بيت الأسرة.

غادر يونس الدراسة باكراً، بعدما توقف مساره بالسنة الثالثة ابتدائي، وبعد سنوات، اختار تعلم حرفة النجارة، حرفة، حسب شقيقه، "أتقنها، وقادته للعمل داخل عدد من الشركات بمدينة  مراكش، قبل أن يتحول للعمل لحسابه الخاص".

تزوج سنة 2014، وبعدها بعام أنجب طفلة، تبلغ اليوم من العمر 3 سنوات. عمل يونس، استنادا إلى شهادة شقيقه وجيرانه بمنطقة العزوزية، بالموازاة مع حرفته كنجار، في بيع الخضر والفواكه، وكان يملك دراجة ثلاثية العجلات "تريبورتور"، وكان كل عيد أضحى يستغل هذه الأخيرة لنقل أضاحي العيد من "الرحبة" والمحلات إلى المنازل.

ولد يونس بدوار "بوبكر1" نواحي مراكش، ثم انتقل رفقة أسرته للعيش بمنطقة العزوزية في إطار إعادة إيواء أسر الأحياء الصفيحية. في المكان الذي يقطن فيه، صادف "تيل كيل عربي" العشرات من المغاربة باللباس الأفغاني، مظهرهم مثير، بالنسبة للغريب عن المنطقة، خاصة الأجانب من الصحافيين، الذين حلوا ببيت الأسرة.

في سن المراهقة، يقول شقيقه، "أدمن يونس تدخين السجائر والحشيش واحتساء الخمر من وقت إلى آخر. لم يكن له صلة بأي تنظيم أو جماعة. وأقلع عن التدخين قبل زواجه، وأصبح يصلي في الوقت، لكن حياته لم تتغير، وطباعه داخل البيت ظلت كما هي، إلى أن تعرف على عبد الرحمان خيالي، ثم أصبح عبد الصمد الجود لصيقاً به، يتصل به يومياً، بل يدفعه لترك كسب قوت يومه من أجل الذهاب معه إلى بيت عبد الرحمان أو قضاء الليل خارج البيت من أجل الصيد، كما كان يخبرنا بذلك".

استقطاب على "ظهر تريبورتور"

حسب مصدر أمني موثوق، المشتبه بهم الخمسة، يونس وعبد الرحمان ورشيد وعبد الصمد وشخص آخر اعتقل يوم  الجمعة، كانوا يداومون على الصلاة في مسجد بدوار "السواكن" بمنطقة أولاد حسون نواحي مراكش، وإمام هذا المسجد من بين المعتقلين الـ9 الذين أعلن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني عن اعتقالهم، ومن بينهم كذلك الشخص الخامس، الذي يقطن  بتجزئة "تاسلطانت" بمنطقة "سيدي يوسف بنعلي"، مع العلم، حسب المصدر ذاته، أن عبد الصمد الجود، حل للسكن بدوار "القايد" بمنطقة "حربيل" قادما إليها من منطقة "سيدي يوسف بنعلي".

سعيد، شقيق يونس، صرح، لـ"تيل كيل عربي"، أن أخاه "تغير منذ عيد الأضحى الماضي"، ونقل ما طرأ من تغيير على شخصيته وسلوكاته بالقول: "قبل عيد الأضحى كان شقيقي إنساناً طبيعياً، لم يكن ينطق بكلام الحرام والحلال. عندما تعرف على عبد الصمد الجود، بوساطة من عبد الرحمان خيالي، الذي كان جرانا قبل أن ينتقل للعيش بدوار 'الماغ'، تغير كل شيء".

"ماذا تغير؟"، سؤال طرحه "تيل كيل عربي" على سعيد شقيق يونس، وتابع هذا الأخير: "كان يعمل رفقة عبد الصمد على نقل أضاحي العيد إلى المنازل، وكان يملك دراجة ثلاثية العجلات يستعملها في هذه الحرفة، لكن بعد التعرف على عبد الصمد، وكما قلت لكم، بوساطة من عبد الرحمان، باع دراجته، ولم يعد يبحث عن قوت يومه كما في السابق".

هنا، يصيح سعيد شقيق يونس بلكنة مراكشية، "راه تفليبا لينا العزاوي. من بعد العيد الكبير، باع التريبورتور، شرا من فلوسو شوية الحويج لبنتو، وشي لاخر من الفلوس ما عرفناش فين صرفهم، ما كانش كيبات برا الدار من قبل، ولكن من بعد العيد يلا با يغبر شي ليلة، تنسولو، جوابو، راني غادي نصيد".

أحد جيران يونس الذي يملك محلا لبيع المأكولات، صرح بدوره لـ"تيل كيل عربي"، أن "عبد الصمد الجود كان الأكثر تردداً على زيارته في بيته، وكانا يجلسان من حين إلى آخر في الزقاق، وإن وقفت صدفة بالقرب منهما، يتحول حديثهما تجاه الصيد والحمام والحجل وخطط قضاء الليل في الخلاء للاصطياد".

نفس الشهادة تعززها رواية شقيقة سعيد، وأضاف بهذا الصدد: "كان عبد الصمد لاصقو، ومرة مرة عبد الرحمان، كنت أقصدهما أو أقصدهم حين أصادفهما جالسين أو جالسين بزقاق الحي، ألاحظ أن محور الحديث يتغير حين أسلم عليهما أو عليهم، ويتحولان أو يتحلون للحديث عن الصيد والحمام والحجل".

بعد عيد الأضحى، لم يعد يونس كما كان في السابق، يُقر شقيقة سعيد دون أن يخفي التغيرات التي طرأت على سلوكاته وتصرفاته، ويقول عن هذا التحول: "لم أعد أستطيع دخول بيته الكائن بمنزل الأسرة، أصبحت امرأته محرمة علي، بل حتى أمي لم أعد أقدر على رؤيتها دون الاتصال قبلاً في الهاتف، لأنها كانت تجلس معظم الوقت معه، وأطلب إذنه للقائها، ودائماً كانت أمي تصعد عندي إلى الطابق حيث أقطن، لأنه منذ أن تغير يونس، أصبحت مجالسة زوجته ممنوعة".

وبالعودة إلى التغيير الذي طرأ على يونس بخصوص مكان أداء شعائر الصلاة، كشف شقيقه أنه بعد عيد الأضحى، لم يعد يصلي في مسجد الحي، وروى لـ"تيل كيل عربي" أن شقيقه كان في وقت مضى "يرافق والده للصلاة دائماً لأدائها. في رمضان لا يتخلف عن التروايح، كل هذا تغير بعد عيد الأضحى. أقول لكم مرة أخرى، بعد عيد الأضحى، وعندما رافق 'هادوك مساخيط الوالدين' أصبح يفضل إما الصلاة في المنزل أو الانتقال معهم لأداء الصلاة في مسجد بعيد، وأصبح يبيت خارج البيت، يصرح دائما أنه ذاهب للصيد رفقتهم. هل كان غرضهم الصيد فقط عندما كانوا يقضون الليل كله في الخلاء أم شيء آخر؟ يجب على الأمن أن يُحقق في هذا الأمر. مع العلم أنه سلوكاته تغيرت بشكل ملوحظ جدا 11 يوماً قبل وقوع الجريمة في إمليل".

اختفاء يونس.. البحث عنه.. واعلان اعتقاله

"الساعة تشير إلى قرابة الـ11 من صباح يوم الأربعاء 12 دجنبر الجاري"، يتصل سعيد بشقيقه يونس، ويخبره بحصوله على فرصة للعمل في ورش، كانت هذه رواية سعيد عن ما دار بينه وبين شقيقه، في آخر يوم رأت فيه العائلة يونس، قبل أن يُعلن خبر القبض عليه صباح يوم الخميس 20 دجنبر الجاري على متن حافلة كانت متوجهة إلى أكادير بالمحطة الطرقية "باب دكالة" في مدينة مراكش.

وأضاف سعيد في شهادته: "قلت له يوم الأربعاء ضروري 'تمشي تخدم معايا'، وأخبرته أن 'البريكول فيه 200 درهم لليوم الواحد'، اتصلت به في الهاتف، قبل أن ألتحق به إلى الطابق حيث يقطن في بيت الأسرة، فقد استيقظ متأخراً هذا اليوم".

وتابع سيعد شهادته بالقول: "عندما التحقت به في بيته، وكنت أحاول اقناعه بالعمل الذي اقترحته عليه، لم يتوقف هاتفه عن الرنين، المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة... سألته من؟ أجاب عبد الصمد الجود، ولم يتوقف هذا الأخير عن الاتصال به طيلة محاولة اقناعه بالذهاب  للعمل".

"ماذا كان جواب شقيقك يونس على عرضك يوم الأربعاء الذي كان آخر يوم رأيته فيه قبل اعلان وقوع الجريمة ثم اعتقاله؟"، سؤال طرحه "تيل كيل عربي" على سعيد وكان جوابه بنبرة تحسر ظاهرة على ملامحه وهو يضرب على صدره: "سولتو واش كين شي حاجة أحسن من الخدمة اللي جبت ليك وفيها الرزق، قال ليا بالحرف: 'أه، أجر الخدمة اللي غادي ليها حسن بزاف". وتابع: "كون كنت عارف غادي وقع هاد الشي، كون ديكلاريت بيه، الحبس حسن ليه ولينا ولكل شي من الجريمة اللي وقعات".

وأضاف شقيق يونس: "مساء يوم الأربعاء عدت إلى المنزل، سألت عنه، قالوا 'راه تخاصم مع الوالد'، بعد علمه برفض العمل معي. وأخبره يونس بأنه وجد عملاً قاراً في مدينة الداخلة، وبعد ذلك أقفل هاتفه. اتصلت به، اتصلت به زوجته، اتصلت به أخته، طيلة أيام الأربعاء والخميس والجمعة والسبت والأحد والاثنين، حتى حلت قوات الأمن بالمنزل، وعلمنا أن يونس من بين المتهمين في جريمة إمليل".

وعن ظروف الاعتقال يحكي سعيد: "دخل العشرات من قوات الأمن المنزل، عدد منهم سلاحه ظاهر، سألونا عن يونس ومكانه ومتى غادر المنزل، الوالدة سقطت مغشيا عليها من هول الصدمة. أحدهم يبدو أنه رئيسهم تحدث معي بلطف، بعدما قال لي أحد العناصر إنه عندهم أمر باستعمال الرصاص إن قاوم أحدنا تفتيش المنزل. كسروا قفل بيته، فتشوه، ثم عادوا إلى البيت أكثر من مرة حتى إعلان خبر اعتقاله". وأكد شقيق يونس أن المشتبه بهم، كما أخبره أخوه، كانوا يداومون على زيارة بيت عبد الرحمان بدوار "الماغ" للتحضير لليالي الصيد. "أي صيد؟"، يتساءل سعيد باستغراب، ويخلص إلى أنه  "يجب أن يكشف الأمن من وراء دفعهم لاقتراف هذه الجريمة التي جعلتنا كأسرة نواجه أسئلة تحرجنا، أزمت حياتنا، وأنا كحرفي الصباغة، اتصل بي من أعمل معهم لإعادة مفاتيح منازلهم إليهم".