أستاذة الأمازيغية الموشحة من الملك في بوح لـ"تيل كيل عربي"

حصة تدريسية للأمازيغية (تصوير: رشيد تنيوني)
موسى متروف

قادها "فضولها" فقط إلى أن تدرس الأمازيغية، بعد أن كانت تدرّس الفرنسية والعربية، فوجدت خديجة بيادي نفسها أمام صعوبات كأداء لتعليم هذه اللغة التي أصبحت لغة رسمية إلى جانب لغة الضاد. تحدّت كل الصعاب، وفي الأخير تلقت مفاجأة سارة بتوشيحها من يد الملك محمد السادس بوسام. "تيل كيل عربي" تواصلت معها لترسم ملامح من مسار هذه الأستاذة المتميزة.

خديجة بيادي، أستاذة التعليم الابتدائي بمدرسة أبو الحسن القابسي بسلا، تتسلم وسام المكافأة الوطنية من درجة ضابط، من يد الملك محمد السادس يوم الاثنين 17 شتنبر بالقصر الملكي بالرباط. يسألها ملك البلاد "عن تجاوب التلاميذ مع الأمازيغية"، ترد، حسب ما أفادت به "تيل كيل عربي"، بأنهم "يتجاوبون معها ويجتهدون فيها، وخصوصا أنهم غير ناطقين"؛ أي أن أصولهم ليست أمازيغية، حسب توضيحها.

 وأكدت للملك أن هؤلاء التلاميذ في مدينة سلا يدرسون الأمازيغية جيدا، ويتجاوبون معها، هي الأستاذة، في القسم. وسألها "من أي منطقة" هي، في إشارة إلى فرع الأمازيغية، "قلتُ له بأنني من الأطلس المتوسط، وسألني عن سنة التحاقي بالتعليم فأجبت أن ذلك كان سنة 1992، فدعا معي وقال لي "الله يوفقك ويعاونك"".

الأستاذة تعرف أن والدة الملك محمد السادس أمازيغية، و"كان علي أن أفاجئه بشي كلمة من الأمازيغية أن أقول له "أزول" مثلا، ولكن في تلك اللحظة ما تاتعرفش آش كتخرّج من فمك. عندما تقف أمام الملك "الغالب الله".

خديجة بيادي عن يمين الأمير مولاي الحسن بعد توشيحها مع زملائها وزميلاتها من طرف الملك محمد السادس (و.م.ع)

في عمق البادية العربية

الوسام الملكي لم تكن تنتظره الأستاذة خديجة، هي التي ولدت يوم 18 فبراير 1967، بالحاجب، حيث درست، كما حكت لـ"تيل كيل عربي"، الابتدائي، ثم انتقلت إلى الخميسات، لتدرس الإعدادي والثانوي، فانتقلت للدراسة الجامعية في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، حيث حصلت على الإجازة في التاريخ، لتلتحق بمركز تكوين المعلمين بطنجة، وتتخرج منه سنة 1992.

فتاة أمازيغية من أبوين أمازيغيين تلتحق لأول مرة بمقر العمل في عمق البادية "العروبية"، في حدود إقليم بسطات، بمنطقة بني مسكين، وتحديدا في "لوكارفة". وهي منطقة شبه صحراوية، لاشك أنها عانت فيها كثيرا، قبل أن تنتقل إلى ابن احمد، وبعد الالتحاق بزوجها بسلا، كانت لها فرصة تعليم لغتها الأم، بعد أن كانت تدرّس العربية والفرنسية، لتكوينها المزدوج.

تدريس الأمازيغية

"لم أختر أن أدرس الأمازيغية، لكن توصلنا بمطبوع في المدرسة، يهمّ الأساتذة الناطقين باللغة الأمازيغية والذين يرغبون في التعليم بها. عبأت المطبوع من باب الفضول. ومرت حوالي أربع سنوات على ذلك المطبوع، وفي يوم من الأيام، بعثوا لنا التعيينات لتدريس الأمازيغية"، تقول خديجة بيادي لـ"تيل كيل عربي".

وتضيف أنها في ذلك الوقت لم تكن تعرف حروف "تيفيناغ" وتؤكد "أنا ناطقة بها لأن والدي ووالدتي أمازيغيان، وزوجي أمازيغي، وأتكلم بها بطلاقة، لكن لا أعرف تيفيناغ ولا ديداكتيك تعليم هذه اللغة، وكأنهم رمونا في بحر ونحن لا نتقن السباحة، خصوصا لم تكن هناك تكوينات، والتي لم يتم توفيرها إلا فيما بعد".

تدرّس في سلا، حيث يكون لديها في القسم حوالي أربعين تلميذا، وتؤكد أنه غالبا "ما يكون بينهم تلميذ أو تلميذان ناطقان، يفهمونها بدون صعوبة، والباقي غير ناطقين، أي أصولهم عربية، لكنهم يتجاوبون"، وشبّهت ذلك بتعليم اللغة الفرنسية، وقالت "عندما بدأنا ندرُسها أول مرة، لم تكن لغتنا ولم يكن والدينا يعرفونها". وأكدت أن التلاميذ يمكن أن يتعلموا أي لغة، بشرط أن "تقوم بالديداكتيك بشكل جيد معهم، فهم يفهمون ويتجاوبون". وأوضحت أن تلاميذها يكتبون بـ"تيفيناغ" وأقسمت: "والله كاين تلاميذ يكتبون بها أحسن مني"، مؤكدة أنها تفاجأت بتلاميذ لديهم خط رائع في دفاترهم، لتشدد: "تعليم اللغات كيفما كان هو نفس الشيء. يكون التلميذ ناطقا (بها) أو غير ناطق، ليس عندي مشكل".

رغبة متكررة في الانسحاب

تتذكر الأستاذة خديجة عامها الأول لتعليم الأمازيغية، في 2006، وتقول إنها قاست فيه رغم الاستفادة من أساتذة آخرين ومن مساعدة زوجها.

وتضيف أنه في السنوات الأولى، رغم تكوينات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (ليركام) "قاسينا، لأن القسم يحتاج إلى كثير من الأمور، ولكن الحمد لله عرفنا الديداكتيك. ولا أنسى الفضل لمفتش جهوي، هو الأستاذ عبد العزيز بوفوس، الذي سايرنا وساعدنا كثيرا بالتكوينات ولولاه لانسحبت من تدريس الأمازيغية التي قررت مرارا أن أنسحب منها للعودة لتدريس الفرنسية".

تقر الأستاذة بإشكالات كثيرة في تعليم الأمازيغية، وتوضح "الآن تغلبنا على حوالي 90 في المائة من المشاكل، وهناك الآن بيداغوجيا ومصطلحات أمازيغية، بعد معاناة، لأن "الشلحة" كانت، بالنسبة إلينا، لهجة فقط  وترجمة المصطلحات صعبة...".

الأستاذة الموشحة تدرّس كل تلاميذ سنوات الابتدائي، حيث يخصص المستوى الأول والثاني والثالث للفروع؛ أي أنها تدرّس بأمازيغية الوسط، وفي الرابع تأتي "المَعيْرة" (باللغة الأمازيغية المعيارية)، حيث يصبح هناك نص واحد في القراءة، والأستاذ يقدم الكلمات المترادفة للفروع الثلاثة...

مشاكل عالقة

"ليركام هزّ علينا يدّو من شحال هادي"، هذا ما قالته بيادي عن نموذج من بعض الإشكالات العالقة، وتوضح أن المعهد كان يقدم تكوينات، ولا تدري لِم وقع ما وصفته بـ"القطيعة". ونوهت إلى أن الأكاديمية الجهوية هي المكلفة الآن بالتكوين "ولكن هناك فرق كبير بين تكوين ليركام والأكاديمية، لأن المفتش فقط يجتهد"، على حد تعبيرها.

ومن بين ما طرحته من مشاكل مثال الصُّويرات، وأوضحت "لا يمكن تدريس الأمازيغية بصُويرات العربية، فشخصيات العربية هي كريم، نبيل، وفي الأمازيغية لدينا رابحة، وحمو، ولا يمكن أن أعلق صورة كريم وأقول للتلاميذ: هذا حمو".

مشكل آخر، لا يقل أهمية تطرحه أستاذة الأمازيغية، وهو المقررات، وهي لا تدري من يتكلف بالمطابع (وزارة الداخلية أو غيرها) والتي "تهمّش" الأمازيغية، ولا تدري إن كان ذلك عن قصد أو بشكل عفوي، مشددة على أنهم لم يتوصلوا بعد بكتب السنة الخامسة، ولا يتوفرون عليها من أجل القراءة مثلا، حيث تضطر إلى كتابة النص بكامله في السبورة، والمشكل أن  القسم تدرّس فيه كل المستويات، وإذا دخل فوجٌ تضطر إلى مسح النص!

أما الغصة الأكبر التي تحز في نفسها، وهي أنها "تضرب تَمارة كبيرة" حتى يصل التلميذ إلى السنة السادسة وعند الإعدادي "ماكاين حتى شي حاجة"، على حد تعبيرها. وتساءلت "علاش تنضربوا حْنا هاد تمارة؟ طبعا أٌقول إنه علي، من جانبي، أن أقوم بما علي القيام به ونْصفّي عْلى رقبتي. وأقول للتلاميذ: المهم عرفوا تكتبوها وتقراوها وماعرفتوش آش غادي يكون شي نهار"...