الأشعري: المدرسة المغربية ضد القراءة

أحمد مدياني

لماذا لا يقرأ المغاربة؟ وما هو سبب خصامهم مع الكتب؟ من يتحمل المسؤولية؟ وما هي الوصفة التي يمكن أن تخرجنا من عقم الإنتاج الأدبي والفكري والمعرفي؟ أي دور للمعرض الدولي للكتاب في مصالحة المغاربة مع الحبر والورق؟ أسئلة مؤرقة، يطرحها "تيلكيل عربي" على وزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري، الذي قام بالبوح بكل ما قدمه في حقبة توليه للحقيبة الوزارية للنهوض بهذا القطاع، بمواطن قوته وضعفه.

الأشعري الذي عرف شاعراً وروائيا وأحد الذين فازوا بجائزة "البوكر العربية"، يرى أن التشجيع على القراءة والكتاب دور أكبر من وزارة الثقافة، في ظل ما يصفه بمنظومة متكاملة ضد القراءة. منظومة أول ركائزها، بحسبه، تعليم ينفر المغاربة من الكتب ويتعامل بانتقائية مع إدراج الإنتاجات في مختلف المسالك الدراسية.

في هذا الحوار، يعود وزير الثقافة الأسبق إلى الحرب التي شنها على "الكتب الظلامية" التي كانت تعرض بمعرض الكتاب الدولي في الدار البيضاء، والذي تتواصل أشغال دورته الـ26 خلال الأيام الجارية، كما يتطرق للمقترحات التي وضعها على طاولة الحكومات التي شارك فيها من أجل دعم القراءة والكتاب لكنها رفضت.

كل التقارير الدولية تتحدث عن أزمة القراءة في المغرب وضعفها، وتتحدث عن أن المغاربة لا يقبلون على شراء الكتب، وتحول الإقبال إلى موسمي كل ما حل موعد المعرض الدولي للكتاب.. أين الخلل بالنظر إلى تجربتك سواء على رأس وزارة الثقافة أو ككاتب؟ 

للأسف الشديد، أظن أنه ليست هناك دراسات مدققة حول وضعية القراءة في المغرب، وحول تطورها، وما هي اتجاهاتها، وما هو تأثيرها على اقتصاد الكتب، وهل نتوفر على هذا الأخير.

في غياب هذه الدراسات الدقيقة، لا يمكن الجزم هكذا والقول إن المغاربة لا يقرؤون، وأتمنى أن تبادر بعض الجهات، مثل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، للقيام بدراسة جدية في الموضوع، وليس دراسة سريعة، دراسة تتم بمشاركة الجامعيين والمؤسسات المختصة وبعض المؤسسات مثل المكتبة الوطنية، مع إشراك مكاتب مختصة مهنية تقوم بدراسات علمية عن القراءة.

للأسف، نحن نهتم بهذا الموضوع فقط عندما يحل موعد المعرض الدولي للكتاب بمدينة الدار البيضاء، ومع ذلك أقول إن مصطلح أزمة القراءة في المغرب لا يمكن الحسم فيه، لأننا لا نعرف هل هي أزمة مستحكمة أم أزمة عابرة، كما قلت في السابق ليست هناك دراسات علمية جدية ودقيقة.

لكن واقع الحال يفيد أن المغاربة فعلاً لا يقرؤون، بالنظر إلى أرقام مبيعات الكتب والغياب شبه التام للمكتبات ودور المطالعة في المدن وحتى داخل المؤسسات التعليمية...

لنفترض أنها أزمة فعلاً، هناك أسباب متداخلة، وأولها وضعية التعليم، لأن القراءة داخل أسلاك التعليم مهمة، بالإضافة إلى القراءة الحرة والحث عليها.

للأسف، هناك غياب لإدراج القراءة كعنصر أساسي في التعليم غائب، ويكفيك أن تعود للمقررات المدرسة وترى النصوص الأدبية أو الفكرية المقررة في هذه المراجع. شيء مخجل عندما تطالع بعض البرامج الخاصة بالأكاديميات أو مطبوعتها، تجد أنه ليس هناك أي كتاب مدرسي من بداية التعليم الثانوي إلى نهايته، غياب نصوص للمتنبي ونصوص للجاحظ ونصوص شعراء كبار مثل أدونيس ومحمود درويش.

كما لا نجد نصوصاً لشعرائنا المغاربة، وعندما قمت بالبحث في المراجع الدراسية، وجدت قصيدة واحد لأحمد المجاطي، وهي لا تعتبر من أهم القصائد. نشروا له قصيدة على القدس نظرا لطبيعتها القومية، ولكن لم ينشروا إحدى قصائده الرئيسية مثل "ملصقات على ظهر المهراز" أو "الخمارة"، وهذا يعني أنه هناك رقابة على إدراج النصوص في المراجع الدراسية.

في المسار التعليمي للمغاربة، لا يجدون النصوص الأساسية في الفلسفة والفكر والنقد. هل يمكن أن تتصور في النظام التعليمي البريطاني غياب شكسبير ونصوصه في مرحلة الثانوي؟ وفي النظام الفرنسي لا تجد موليير وفيكتور هيغو؟ وهذا يعني أن المدرسة المغربية هي ضد القراءة.

فضلاً عن ذلك، لا توجد أي مادة لها علاقة بالقراءة مفروضة في جميع أسلاك التعليم المغربي، وأنا شخصيا أطالب، منذ سنوات، أن يكون الأدب والفلسفة أساسيتان في جميع المسالك والمعاهد والمدارس العليا والكليات، سواء تعلق الأمر بالطب أو الهندسة، لأنه ما معنى أن يتخرج مهندس ولم يسبق له أن قرأ نصاً فلسفيا أو قصيدة شعرية، وهذا الطبيب الذي سوف نضعه في المستشفيات كيف سيكون إنسانيا بعيدا عن قراءة النصوص الأدبية والرواية.

هذا يعني أنك ترى أن المدخل الأساسي لتجاوز ما يوصف بأزمة القراءة في المغرب هو إدراجها مادة أساسية في جميع الأسلاك... 

نعم، المدرسة تعلب دوراً أسياسيا في تفقير القراءة في المغرب وإبعاد الناس عن الكتاب.

لكن المدرسة يجب أن تجد الإنتاجات الأدبية والفكرية التي يمكن أن تدرجها في المسالك الدراسية، وهناك من يدفع بضعف سلسلة إنتاج الكتب والخوف من الاستثمار فيها... 

بالفعل، كل سلسلة إنتاج الكتاب في المغرب تعيش أزمة، دور النشر فيها أزمة، شبكة الكتبيين فيها أزمة كبيرة جداً، وهذه الأخيرة تحتاج برنامجاً وطنياً للتكوين.

المقاولة التي تنتج الكتب يجب أن تعتبر أساسية، وتشجيعها على الاستثمار وعلى المستوى الضريبي، لأنه لا يمكن أن تضع في نفس التصنيف من يبيع الكتب مع من يبيع المواد الغذائية وباقي المواد الاستهلاكية. بيع الكتب له ظروف خاصة، لأنه مرتبط ببناء شخصية الإنسان.

عندما قلت إن هناك أزمة كبيرة جداً على مستوى الكتبيين، ومع احترامي لعدد منهم، قلت ذلك لأنهم فعلا في حاجة إلى التكوين وتعريفهم هم أنفسهم بالكتاب. جرب أن تتجه نحو أحد الكتبيين، واسأله عن عنوان معين، سيخبرك أنه لا يوجد، وحين تبحث عنده في المكتبة سوف تجده.

يعني أننا أمام منظومة في مجملها عدوة للقراءة في المغرب... 

للأسف، نعم، أين ما وليت وجهك سوف تجد أن كل شيء لا يشجع المغاربة على القراءة. مثلا، نحن لا نتوفر على موزعين للكتب في المغرب، ومسألة التوزيع حلقة مهمة جدا في ضمان انتشارها. من يقومون بهذه المهمة شركات مختصة في توزيع الجرائد وشركات أخرى مختصة في توزيع الكتب الأجنبية فقط، لديها زبناء معروفون، وتجلب ما يحتاجونه فقط.

أما الكتاب العربي والمغربي فليس هناك ولا شركة واحد تقوم بمهمة توزيعه، وتقوم دور النشر لوحدها بجولة بالعناوين التي أنتجت في المعارض، لذلك أرى ونحن في سياق تنظيم المعرض الدولي للكتاب، أن أهميته الوحيدة هو فرصة لعرض الكتب ليأتي المكتبيون لشرائه.

أنت كنت وزيراً للثقافة وأشرفت على تنظيم المعرض لسنوات، ومع ذلك ترى أن دوره لا يتجاوز أنه فضاء للعرض؟!

في الوقت الذي كنت وزيراً للثقافة أطلقت برنامجاً وطنيا لدعم الكتاب، من خلال دور النشر، وقمت بتحسين عدد من الجوانب المرتبطة بالمعرض، ليتحول إلى معرض مهني وحقيقي من أجل الكتب والنشر، وليس للكتب القديمة.

هل يعقل اليوم أن معرض الكتاب لا يفرق بين الكتب القديمة والجديد في الإنتاج المغربي والعالمي؟ في الوقت الذي توليت فيها وزارة الثقافة، فرضنا عدم عرض كتاب تجاوز إصدراه خمس سنوات.

لا أعرف ماذا يقع بالضبط في معرض الكتاب الآن، لكن هناك مجموعة من الإجراءات التي وضعنها في دفتر التحملات الخاص بالمعرض.

معرض الكتاب يجب أن يحافظ على مبدأ إعطاء الأولوية للقراء وليس للتجار، مثلا ليس من اللائق السماح لبيع الكتب بالجملة وسط أيام المعرض، هذا الأمر كنا نسمح به خلال الأيام الثلاثة الأخيرة.

على العموم المعرض الدولي للكتاب ما هو إلى حلقة صغيرة، ضمن حلقة القراءة في المغرب، ولا يمكن أن نجعله هو كل شيء.

لكن للأسف كل المؤسسات والفعاليات التي تدور في فلك الكتب في المغرب أصبح نشاطها موسمياً مع المعرض، وكأن القراءة تبدأ معه وتنتهي مع نهايته!

هذا معناه أنه يستعمل للتغطية على كل عيوب السنة، والمعرض لا يمكن له أن يقوم بهذا الدور، وإن كان جيداً جداً. من يشتغلون في المعرض يقومون بدورهم، لأنه يجب أن نقوم كلنا بجهد مركب، فيه الاستثمار في صناعة الكتاب وتوزيعه والمكتبات، دون أن ننسى أمراً مهماً وهو الصحافة الثقافية في المغرب، بالإضافة إلى ما تحدثنا عنه في السابق وهو التشجيع على القراءة داخل المدرسة والكليات والمعاهد.

لا يمكن أن ننتظر المعجزات من المعرض الدولي للكتاب، وأن يقبل الناس هكذا على القراءة.

ألا ترى أن دعم الدولة للكتب والقراءة ضعيف جدا لا يتجه نحو العناوين التي يمكن أن تحفز المغاربة على القراءة؟ وهناك مجموعة من الكتاب يشتكون من ما يصفونه بـ"الدعم غير المعقلن" لطباعة الكتب ونشرها من طرف وزارة الثقافة...

التفاصيل حول هذا الموضوع وكيف هي الأوضاع الآن لست مطلع عليها. لكن عندما كنت وزيراً للثقافة، أنا من أنشأت دعم الكتاب، وقمت بذلك بطريقة مختلفة عن ما كان سائداً من قبل.

عندما توليت الحقيبة الوزارية، وجدت أن الوزارة تدعم المؤلف مباشرة؛ أي تشتري من عنده بعض النسخ أو تمنحه مبلغاً ماليا، وكان الأمر أشبه بصدقة أو إحسان للمؤلف، وحينها قلت إذا كنا نريد أن نكون مؤثرين في قطاع الكتب، يجب أن ندعمه لدى المقاولة التي تنتجه، وقمنا بتشكيل لجنة وطنية للدعم تتقدم عندها دور النشر بالعناوين التي تقترح للدعم، ويتم اختيار التي سوف تستفيد، ثم نمنح قيمته للناشر، ونشرط عليه أن يخفض ثمن الكتاب ليكون متاحاً يأثمن مناسبة للمغاربة.

هذه المسألة تتغير وأصبح الدعم بطريقة أخرى، ولا أود أن أدخل في هذا النقاش لأني سوف أسقط في إصدار الأحكام عن ما كان من قبل وأصبح من بعد.

لكن عموماً، يجب أؤكد أن مسألة الدعم ليست هي المهمة، اليوم تجد مجموعة من العناوين تشير إلى دعم وزارة الثقافة، أو بدعم آخر، هل هذه الكتب لأنها مدعمة مقروءة، لذلك أقول إن الدعم ليس كافياً.

(مقاطعا) نعم الدعم ليس كافياً، وعدد من المؤلفين يشتكون من غياب الإشهار لكتبهم والتعريف بها، وشبه استقالة للإعلام العمومي في التشجيع على القراءة...

للأسف نحن في بلاد ليس فيها حتى ثلاثة برامج خاصة بالثقافة والدعاية للكتاب، الإعلام حول الأخير ضعيف جدا. عندنا برنامج واحد يبث الساعة الحادية عشر ليلا، بعدما نتأكد أن الجميع غط في النوم!

كما أننا لا نتوفر على فضاءات للقراءة. فضلاً عن ذلك، لا يمكن أن نقفز على القنبلة التي سقطت داخل البيوت، وهي التكنلوجيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت الملجأ لكل الفئات والشرائح داخل المجتمع، وأضعفت الرغبة في مطالعة الكتب والجرائد والمجلات الورقية.

لكن هذه التكنولوجيات الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي بدأت من الغرب ومستمرة فيه، ومع ذلك هناك إقبال دائم وكثيف على شراء الكتب والقراءة...

نعم، وعندهم المبيعات تصل أحياناً إلى مليون نسخة. أنا لا أبرر ولا ألصق سبب العزف عن القراءة بمواقع التواصل الاجتماعي، أنا أتحدث عن وضعنا، كنا أصلا غير مرتبطين بالكتاب والقراءة، وجاءت هذه الوسائل الحديثة لتعمق الأزمة.

دعنا نعود معك للفترة التي توليت فيها حقيبة وزارة الثقافة، وما هي الإجراءات التي اتخذتها بخصوص المعرض الدولي للكتاب، والجدل الذي أثير حينها حول ما وصف بالكتب الظلامية؟

عندما أرى الأرقام التي تنشرها الوزارة بخصوص المعرض الدولي للكتاب، والتي لا يمكن التشكيك فيها، وتتحدث عن وجود أكثر من 600 ناشر، وآلاف العناوين من الكتب، فالملاحظة التي كانت عندي على المعرض في بداية تحملي للمسؤولية الوزارية، هي أن هذا الفضاء ليست له أي علاقة بالمعارض المهنية للكتاب والنشر، لأنه خليط يمكن من التعرف على الكتب الأدبية والفكرية والفلسفية التي تنتجها بعض دور النشر المغربية أو العربية أو الأجنبية في حجم معين، ولكن الحجم الغالب هو الكتاب التقليدي والقديم، وخصوصاً ما سميناه حينها "الكتاب الظلامي".

وتتذكرون الحملة الشرسة الشعواء التي أطلقت ضدي، بدعوى أنني منعت بيع المصحف الشريف من العرض في المعرض، ورغم أنني قمت بزيارة رسمية للمعرض بحضور نواب برلمانيين وصحافيين ومثقفين ليروا بأعينهم أنه ليس المصحف هو الذي منع، بل منعت أعداد هائلة من الكتب الظلامية، والتي للأسف تأتي بها بعض البلدان الشقيقة أو تأتي بها بعض الجمعيات الأصولية، وتضعها في المعرض، وعندما لا تباع تمنح مجاناً للمغاربة أو لبعض الجمعيات الموالية لها، وتصبح هذه الكتب هي الأدبيات المدعمة للتطرف في المغرب.

المعركة ضد الكتب الظلامية وهيمنة هذا النوع من النشر كلفتنا كثيراً، ولكن في نهاية المطاف اتضح للفاعلين كلهم أن المكانة الأساسية  يجب أن تمنح في هذا المعرض للإنتاج الجديد، للابتكار والتطورات التي يعرفها المجال الأدبي والفكري في المغرب والعالم العربي والمغرب.

ومعركتنا أدت إلى تحسن نسبي في المعرض، وبشهادة مختلف الفاعلين الذين دعم عدد منهم هذا التوجه بالقطع مع الكتب الظلامية، وفكرة الاعتماد على المهنية في معرض الكتاب، ولكن كان يجب أن يتبع هذا العمل المزيد من المجهود.

ألا ترى أن التشجيع على القراءة  أكبر من أن يختزل في وزارة الثقافة؟

نعم هذا العمل كله أحياناً تجد أنه ليس من اختصاص وزارة الثقافة. أنا كنت أطالب مثلاً وزارة التعليم، حتى في الحكومات التي تقلدت فيها المسؤولية، دون استجابة، تطبيق فكرة المكتبة ذات البابين، باب مفتوح على فضاء المدرسة الداخلي، والثاني مفتوح على محيطها.

كما طرحت فكرة برمجة كتب من الأدب المغربي بانتقاء موضوعي، وليس بالانتقاء العشوائي الموجود إلى اليوم، وهو مصدر استفادة لبعض الجهات فقط، أما الكتاب الأدبي المغربي في تنوعه وتميزه فغائب.

وزارة التعليم مطروحة عليها مسألة القراءة، أكثر من ما هي مطروحة على وزارة الثقافة، هذه الأخيرة يمكن لها أن يكون عندها خيال جديد في جلب الناس للقراءة، وأن لا تعتمد على معرض الكتاب فقط، وتضع وسائل جديدة لاستقطاب المغاربة طيلة السنة.

هناك من يحمل مسؤولية عزوف المغاربة عن القراءة لمن ينتجها، أي أن الكتاب انفصلوا عن الواقع المغربي.

سياق الإنتاج الثقافي في المغرب سياق آخر، مثلا إذا جئت للنشر الأكاديمي لا يمكن أن تجده نشيطا في بلد البحث العلمي فيه مخصصة له ميزانية ضعيفة، ومجال تدخله أضعف.

الأشياء مرتبطة في ما بينها، والمجالات الأخرى التي لها علاقة بالفكر نجد أن أجيالا من المغاربة ساهمت إلى حد كبير في ترصيخ البحث الفلسفي في المغرب والبحث النقدي الأدبي، حتى أصبحنا مرجعا في الدول العربية لمثل هذه الأصناف من الإنتاج، وأيضاً في المجال الروائي، استطاع المغرب أن يحقق طفرة نوعية جعلته يصبح في موقع بعيد عن الدونية بالنسبة لدول الشرق، بل في موقع الندية والتدافع بل وحتى التفوق.

كل هذا بدأ ينحصر للأسف مع بداية انحصار الدور الذي كانت تلعبه الجامعة في المغرب، ومع الانحصار الذي عرفته كليات الآداب، والكل يعرف أنه خلال فترة الثمانينيات تم حظر الدرس الفلسفي وعلم الاجتماع في الجامعات، وفتح الباب على مصراعيه لشعب الدراسات الإسلامية، ونحن الآن نحصد نتائج هذا التوجه، وبعد 20 سنة نتابع ما أفرزه في الإنتاج الأدبي وضحالة ما ينشر أحياناً وجمود الفكر.

لكن أمام كل هذا، لاتزال بعض بؤر الضوء الموجودة، وهناك عدد من دور النشر تقوم بمجهود كبير واستثنائي رغم الظروف الصعبة التي تمر منها، وتنتج سنويا عشرات العناوين، وفي الأدب مثلاً هناك مثل جدير بالاهتمام، وهي الطفرة التي عرفها إنتاج الرواية، هذه الأخيرة خلال العشر سنوات الأخيرة كنا ننتج أقل من خمس روايات في السنة، الآن وصلنا لـ270 رواية في السنة.

أخيراً، هناك توجه في الغرب تستفيد منه الكتب وعناوينها وهو ترجمتها لأعمال درامية وسنيمائية تمنحها إشعاعاً قوياً، حتى أن مجوعة من العناوين حققت مبيعات قياسية بعد تحويلها إلى مسلسل أو فيلم.

طبعاً، هذا موضوع مهم ونقفز عليه للأسف. لدينا تجربة عربية قريبة وهي التجربة المصرية، هناك نجيب محفوظ الذي تحول إلى كاتب سيناريو، وهناك كتاب مهمين في مصر مثل صبري موسى، الذين تحولوا بصفة نهائية إلى كتاب سيناريو وابتعدوا عن كتابة الرواية.

للأسف هذه التجربة لا نتوفر عليها، بل عندنا كارثة في الدراما والسينما المغربية، نحن لا نتوفر على كتاب سيناريو، وترون أن الفيلم ينتجه ويكتبه ويخرج نفس الشخص، وهذا الشخص يمكن أن تجده ممثلاً في الفيلم.

من يعملون في السينما بالمغرب معظمهم لا يقرؤون الرواية المغربية بصفة نهائية، بل يكتبون السيناريو بالفرنسية، ويمكنكم أن تسألوا المشرفين على لجان الدعم في المركز السينمائي المغربي، السيناريو يوضع مفرنسا ثم يأتون بمترجمين يقومون بدور لا يفهمون فيه أصلا.

هل تعرفون لماذا لا يتابع المغاربة حوارات درامية وسينمائية تشبههم؟ لماذا هي من أغرب ما يمكن؟ لأن بعض المترجمين ينجزون عملهم عبر ترجمة "غوغل"، لذلك التلفزيون المغربي عمل بدور مخرب للقراءة.