الاقتصادي نجيب ميكو: لا يجب أن يعمل المغاربة من أجل إغناء وسطاء التجارة

المصطفى أزوكاح

يضع نجيب ميكو، الاقتصادي المغربي، عضو رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين، بمناسبة انعقاد المناظرة الوطنية للتجارة بمراكش، اليوم الأربعاء وغدا الخميس، في هذا الحوار مداخل تطوير التجارة بالمغرب. ويوضح ميكو الذي سبق له أن تولى أمر مكتب " مغرب تسويق" كيفية التدخل على عدة مستويات من أجل النهوض بالتجارة في بعديها الداخلي والخارجي.

كيف تحددون السياق الذي تنظم فيه المناظرة الوطنية حول التجارة بمراكش؟

هناك مشكل مبدئي، مطروح بالنسبة لجميع المناظرات، خاصة مناظرتي التجارة والضرائب، ويتمثل في أنه يفترض  في المناظرات المساهمة في توضيح أبعاد من النموذج التنموي، الذي دعا إليه جلالة الملك قبل عام ونصف، لأن هذه المناظرات ذات طبيعة تقنية تترجم التوجهات العامة والرؤية الشمولية للدولة. من هذا المنطلق، أتصور أنه إما أن هاتين المناظرتين، الخاصتين بالتجارة والضرائب، جاءت سابقتين لأوانهما أو أن الكشف عن نموذج التنمية تأخرت بلورته.

لايجب أن يعمل الشعب المغربي من أجل إغناء الوسطاء في التجارة

وأنا أن أتصور أن مناظرة التجارة يفترض أن تتناول إشكاليات ومحاور حاسمة وتجيب عليها أو أنها ستكون خارج الزمن المغربي الحالي، ولن تستجيب للانتظارات الحقيقية للبلد. فالطموحات كبيرة، وهي طموحات عبر عنها وزير الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي نفسه، الذي أكد على أن المناظرة ستأتي بمخطط استراتيجي ورؤية واضحة للقطاع، وبالتالي لا يمكن القبول بأقل من ذلك. 

وسبق للوزير أن شدد على أن المناظرة ستتناول التجارة، في بعديها الداخلي والخارجي، وهو محق في هذا الكلام، لأنه في ظل الانفتاح، الذي يعرفه العالم، لم يعد هناك أي حاجز بين السوق الداخلي والسوق الخارجي.

ما هي أهم القضايا التي يفترض الانكباب عليها في المناظرة الوطنية للتجارة؟

يفترض في المناظرة أن تنكب على العديد من المحاور، لعل أهمها مسألة تنظيم التوزيع الداخلي، حيث يجب معالجة قضية تعدد الوساطات، التي تجعل السعر على مستوى الإنتاج والاستهلاك يتضاعف بأربع وسبع مرات في بلد القدرة الشرائية فيه ضعيفة، هذا في الوقت الذي يجب أن يكون المستفيد من عملية التسويق هما المنتج والمستهلك وليس الوسيط الذي لايجب أن يعيش الشعب المغربي من أجل إغنائه.

يجب أن يتخصص الموزعون الكبار في تجارة الجملة عوض أن ينافسوا التاجر الصغير

أنا لا أقول بإلغاء الوسطاء، غير أنني أشدد على ضرورة تقليص المسافات بين المنتج والمستهلك، ليس لاعتبارات أخلاقية أو اجتماعية، بل لدوافع اقتصادية، فكلما تراجع الوسطاء، تحسن دخل المنتج، ما سيشجعه على الإنتاج أكثر، في الوقت نفسه، عندما سيبذل المستهلك سعرا أقل، سيتوجه أكثر نحو الاستهلاك، ما سيضفي سلاسة أكثر على الدورة الاقتصادية.

كيف يمكن حماية البائع الصغير أو "البقال" في الأحياء أمام زحف الفضاءات التجارية الكبرى؟

يقتضي تنظيم التوزيع كذلك، العمل على المحافظة على تقليد يمكن أن يعتبر من الثقافات الإنسانية، والذي يتمثل في تجارة القرب؛ أي البائع الذي يلازم الناس في الزقاق والحي الذي عاش مع المغاربة لقرون، والذي يخلق فرص الشغل والذي يعتبر بمثابة بنك في الأحياء، فدوره يكتسي أبعادا اقتصادية واجتماعية وثقافية وحتى حضارية، لذلك يجب اتخاذ جميع التدابير من أجل حماية البائع الصغير.

لكن العديد من التجار الصغار يشتكون من منافسة المساحات الكبرى لهم، أليس كذلك؟

يجب تحديد أدوار الموزعين الكبار، الذين تمثلهم الفضاءات التجارية الكبرى. لا يمكن رفض هذا التحول المرتبط بالفضاءات التجارية الكبرى في سياقنا التجاري، غير أنه يجب أن يتخصص الموزعون الكبار في تجارة الجملة عوض أن ينافسوا التاجر الصغير، فلا يعقل أن يفتحوا فضاءاتهم التجارية في الأزقة والأحياء التي تعتمد على الباعة الصغار.

يجب اتخاذ جميع التدابير من أجل حماية البائع الصغير

بالمقابل، يفترض في المساحات الكبرى أن تلائم مشترياتها لطبيعة العرض المغربي، فهذا العرض مشثت Atomisée، والمساحات الكبرى لا تشتري من المنتج الصغير والتعاونيات الصغرى، إلا إذا كان ذلك في إطار مبادرة ذات بعد اجتماعي، بينما الطبيعي أن تلائم المساحات الكبرى طريقة تموينها الداخلي مع حجم وطبيعة العرض المغربي، وإلا ستجد نفسها مضطرة للتزود من الخارج.

هل المقاولات الصغرى والمتوسطة والتعاونيات والمقاولون الذاتيون يتوفرون على رؤية واضحة لتسويق منتجاتهم في السوق التجارية المغربية؟

أتصور أن هؤلاء جميعهم لن ينجحوا، لأن عرضهم مشثت وكلفتهم مرتفعة، عندما يشتغلون بطريقة منفردة، فهم لا يحظون بامتيازات في الشراء لأن مقتنياتهم قليلة وبالسعر الذي يوافق انتظاراتهم.

ما الحل إذن لهذه الفئة التي تمثل 95 في المائة من النسيج المقاولاتي الوطني؟

لايمكن تجاهل هذه الفئة الحاضنة للطبقة المتوسطة والموفرة لفرص العمل، ما يدعو إلى خلق شركات للتعاضد والتسوق، التي سبق لليابانيين أن بلوروها في القرن الماضي، والتي استلهمتها بلدان أخرى.

كيف ستشتغل تلك الشركات؟

تلك الشركات تكون في ملكية المقاولات الصغيرة والمتوسطة، حيث تحوز على الأقل 50 في المائة من الرأسمال، حيث عوض أن تتولى كل شركة الشراء لتلبية حاجياتها، تقوم تلك الشركات بالشراء لجميع المنتجين ومقدمي الخدمات، فهي مركزية للتزود من أجل تعاضد المشتريات، ما يوفر لها قدرة تفاوضية كبيرة في علاقتها بالمزودين، على مستوى الأسعار والجودة وطريقة الأداء وجميع المعايير التجارية. في الوقت نفسه، تضطلع تلك الشركات بدور تسويقي، حيث يتكثل المنخرطون فيها من أجل الاستجابة للطبيات الكبرى، حيث يمكن لها أن تخاطب الأسواق الخارجية.

كي نتجاوز عوائق التصدير، يجب ان نتحكم في الجودة والتنافسية

ما يبرر ضرورة تبني نموذج شركات التعاضد، كون الأسواق التي يتعامل معها المغرب، خاصة في أوروبا وأمريكا، تعرف تشكيل تكثلات على مستوى الطلب بمعدل 85 و95 في المائة، أي لا وجود للعرض الصغير من أجل التعامل التجاري مع تلك الأسواق. لذلك كي نلج الأسواق الدولية ونتجاوز عوائق التصدير، يجب ان نتحكم في الجودة والتنافسية ونوفر عرضا لا يمكن أن توفره سوى شركات التعاضد التي لن تكون استلابا للعرض الصغير في المغرب، بل ستكون ملكا له.

كيف يمكن التعاطي مع الباعة الجائلين الذي يرى التجار أنهم يشكلون منافسة لهم؟

لا يمكن أن يغفل الاقتصاد هذا الجانب، ولايمكن لمناظرة التجارة أن تتجاهل القطاع غير المهيكل الذي يشكل 65 في المائة من العرض المغربي، والذي لا يمكن اختزاله في الباعة الجائلين فقط، بل يجب الاهتمام بالقطاع غير المهيكل الذي ينشطه التجار الكبار في أسواق كبيرة بمدن مثل الدار البيضاء، فهو يمثل الملايير بسوق "درب عمر" مثلا. لا يمكن للمغرب أن يصبح بلدا صاعدا إذا لم يتخذ تدابير يمكن أن تعالج مشكلة القطاع غير المهيكل.

ماذا عن الاتفاقيات التجارية للمغرب، والتي يشتكي منها العديدون؟

أنا أتصور أن مصيرنا مرتبط بطبيعة الحال بإفريقيا، ولكنه متصل بشكل أساسي بأوروبا وأمريكا، فالمغرب يمكن أن يلعب دور منصة مالية ولوجستيكية وتجارية نحو القارة السمراء، التي ستصل ساكنتها إلى ثلاثة ملايين نسمة في 2050، ما يعني أن القارة سترتفع حاجياتها على مستوى المعرفة والإنتاج.

يجب الاهتمام بالقطاع غير المهيكل الذي ينشطه التجار الكبار في أسواق كبيرة

وتلك الحاجيات ستتوفر  من آسيا وأمريكا وأوروبا، ما يعطي معنى للدور الذي يمكن أن يلعبه المغرب كمنصة مالية وتجارية ولوجستكية. وهذا يدفعني إلى القول  إنه يتوجب على المغرب أن يصبح عضوا تاريخيا في الاتحاد الأوروبي.

ماذا تعني بذلك؟

صحيح أن العضوية في الاتحاد الأوروبي يمليها الانتماء الجغرافي، كما هو الحال لإسبانيا وإيطاليا مثلا، غير أنه يجب على الاتحاد أن يفتح أبوابه أمام العضوية التاريخية للبلدان التي تربطها به علاقات تاريخية، حيث يفترض أن تمنح العضوية التاريخية جميع الامتيازات التي توفر لمن لهم العضوية بحكم الجغرافيا.

هذا تصور قد يبدو غريبا في الوقت الحالي في ظل صعود الشعبوية في بلدان أوروبية؟

 أتصور أنه من حق للمغرب كشريك تاريخي أن يحظى بالعضوية التاريخية عوض الاكتفاء بالتبادل الحر، فلا يمكن أن نتفاوض مع الاتحاد الأوروبي خارج هذا الإطار الذي يفترض أن يعطينا نفس الوسائل التي منحت للبلدان الأوروبية، ما سيساعدنا على تطوير عرضنا التجاري والاقتصادي.

ماذا عن العلاقات التجارية الولايات المتحدة التي يرتبط معها المغرب باتفاق للتبادل الحر؟

يجب أن ننخرط مع الولايات المتحدة في علاقات تقوم على قاعدة رابح رابح، فإذا طلبوا منا تضحيات، يجب أن يوفروا لنا الوسائل المالية، من أجل تأهيل اقتصادنا كي يرقى إلى مستوى مواكبة متطلباتهم. فنحن لم نستطع تأهيل عرضنا كي يواكب انتظاراتهم.

يتوجب على المغرب أن يصبح عضوا تاريخيا في الاتحاد الأوروبي

وأنا أتصور أنه لا يمكن أن نلج السوق الدولية، سوى في إطار مقاربة التنافسية، فلا يمكن أن يطلب من الفاعلين أن ينافسوا في أسواق أخرى، إذا كان النظام الضريبي لا يساعد على ذلك، ناهيك عن الدعم الذي يوفر لمنافسينا، فلا بد من سلاح في نفس مستوى المنافسين.

كيف يمكن استثمار الفرص التي توفرها إفريقيا؟

لابد من تسريع وتيرة دخول المغرب لـ"سيدياو"، ومواكبة عملية فتح مسارات جديدة في العلاقات في القارة. وإذا كان جلالة الملك قد دعم العلاقات مع الدول الفرنكفونية، فإنه سعى إلى تسريع وتيرة تطوير العلاقات مع البلدان الأنغلوساكسونية، فهذه البلدان تحقق نموا اقتصاديا كبيرا، ما يرفع الطلب الداخلي فيها، ونحن عندما نطور العلاقات معها نعزز إمكانيات التبادل الحر مع القارة. ويجب أن ندرك أن إفريقيا لن تتطور بالأفارقة فقط، بل لا بد لها من السعي لجذب استثمارات دولية ووساطات إيجابية، هذا ما يبرر الدور الذي أريده للمغرب كمنصة مالية ولوجستيكية وتجارية.

بعد كل ما سبق، مازالت تطرح في المغرب مسألة جودة المنتجات المطروحة في السوق المحلية؟

صحيح، عندما نتحدث عن التنظيم وحتى شركات التعاضد و العلاقات مع الشركاء، يجب أن نستحضر مسألة جودة المنتجات التي تعرض على المستهلكين المغاربة، الذي يفترض الحرص على صحتهم، هذا يستدعي تحصين السوق الداخلي من المتلاعبين بصحة والقدرة الشرائية للمغاربة، بالمقابل، يفترض التشدد في مسألة الاستيراد، حيث لا يمكن أن يبقى السوق المغربي، يتلقى سلعا من الخارج دون مراقبة، ما يستدعي وضع حواجز تقنية من أجل تفادي دخول سلع بدون حسيب او رقيب، بما لذلك من تأثير على المنتجين المحلين والمستهلك على حد سواء.