البنك الدولي: حصيلة المغرب في الشغل مخيبة

المصطفى أزوكاح

يعيد تقرير جديد للبنك الدولي التذكير بحقيقة تؤكدها العديد من المؤسسات الدولية والمحلية، فقد خصص المغرب موارد مهمة من أجل تحقيق استثمارات وازنة في القطاعات الاقتصادية المعتبرة استراتيجية للنمو،ورفع الإنتاجية وخلق القيمة المضافة وتوفير فرص العمل، غير أن الحصيلة جاءت دون الانتظارات.

ويقوم تقرير البنك الدولي الجديد، بتشخيص للقطاع الخاص، حيث ينكب على تحليل السوق المغربية، وينصح بجيل جديد من الإصلاحات الرامية إلى  نمو القطاع الخاص، وإحداث فرص العمل وتحسين الكفاءات، وهو تقرير يندرج ضمن إطار الشراكة الثنائية الذي يغطي الفترة بين 2019 و2024.

ويسجل التقرير أن  قطاعات مثل الطيران والإلكترونيك والسيارات والطاقات المتجددة، استفادت من الموارد العمومية وتحفيزات مغرية، بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة،  كماعملت الحكومة على تحسين مناخ الأعمال الذي ربحت المملكة في التصنيف الخاص به تسع نقاط، كي تحتل المرتبة 60 بين 190 اقتصادا.

غير أن التقرير يسجل أنه رغم معدل الاستثمارات المرتفع، الذي يعتبر من بين الأعلى في العالم، حيث وصل إلى 34 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي في العام الواحد منذ منتصف سنوات 2000،  إلا أن الآثار على مستوى النمو الاقتصادي والتشغيل والإنتاجية، جاءت مخيبة.

ويلاحظ أن بلدانا مثل كولومبيا والفلبين وتركيا، بلغت معدلات نمو مشابهة أو أعلى، مع مستويات استثمار أقل من تلك التي بلغها المغرب، مؤكدا أن البلدان التي حققت إقلاعا اقتصاديا، هي تلك التي تمكنت من تحقق معدلات نمو تتجاوز 4 في المائة خلال عقود، مع توزيع ثمار ذلك بسرعة عبر خلق فرص عمل، مقابل 2,7 في المائة في المغرب بين 2000 و2017 وفقط 1,6 في المائة بين 1990 و2000.

وذهب التقرير إلى أن الاقتصاد المغربي حقق نتائج مخيبة على مستوى توفير فرص العمل، ففي الوقت الذي ارتفع صافي عدد الأشخاص الذين يوجدون في سن العمل بـ270 ألف شخص سنويا بين 2012 و2016، لم يتم خلق سوى 26400 فرص عمل سنويا، كما أن 17 في المائة فقط من الساكنة في سن العمل تتوفر على فرصة عمل رسمي، و10 في المائة يتوفرون على فرص عمل في القطاع الخاص.

ويعتبر  أن أرباح الإنتاجية كانت ضعيفة، فعلى المدى الطويل، بين 1970 و2011، لم يسجل الاقتصاد أي ربح على مستوى الإنتاجية الشاملة لعوامل الإنتاج.

ويبدو، حسب التقرير، أنه حدث تحسن في سنوات 2000، مع أرباح إنتاجية إيجابية، غير أنها لم تكن كافية من أجل دعم النمو الاقتصادي الحالي.

ويشير إلى أن مكونات الاستثمار، تكشف عن أسباب الأثر المحدود لمجهود الاستثمار الملحوظ الذي يبذله المغرب، فالقطاع العام الذي يستثمر عبر الشركات العمومية، يمثل نصف جميع الاستثمارات المنجزة بالمملكة، غير أنه يؤكد على أن تلك الاستثمارات، كانت جزئيا مكلفة، وقابلة للنقاش على مستوى العلاقة بين الجودة والسعر.

ويؤكد  على أنه بينما أنجزت العديد من الاستثمارات في البنيات التحتية، فإن المشاريع المختارة من أجل الاستفادة من التمويل العمومي لا تأخذ، بشكل كاف، مشاكل الفعالية ويمكن أن تنعكس على الإنتاجية وخلق فرص العمل.

ويشدد على أنه لا يمكن للمغرب التعويل  على تراكم الرأسمال Accumulation du capital من أجل تدارك الفارق مع البلدان ذات الدخل الأكثر ارتفاعا، لأن ذلك سيقتضي استثمارات مرتفعة دائما، ما يهدد التوازنات الماكرواقتصادية، ويؤكد على وجود وفارق في توزيع الرأسمال بين القطاعات، وكذلك الدور الذي تضطلع به المقاولات العمومية.

ويذهب إلى أن ضعف مساهمة اليد العاملة في النمو، رغم الديمغرافيا المساعدة لساكنة شابة ومتزايدة، يعكس الصعوبة التي يجدها الاقتصاد في تعبئة الرأسمال البشري المتوفر، خاصة الشباب والنساء.

وأكد على أن البلدان التي تمكنت من الحفاظ على معدلات نمو مرتفعة، هي تلك التي حققت أرباح إنتاجية مرتفعة في فترة طويلة، مشيرا إلى أن هذه الأرباح لا يمكن أن تتحقق، فقط بالاستثمارات المادية، بل بجهود منتجة تروم تراكم الرأسمال البشري والمؤسساتي.

يتصور البنك الدولي، في تقريره، أن قطاعا خاصا أكثر دينامية ضروري من أجل خلق فرص عمل أكثر، مشيرا إلى أن الثابت في العالم أن أغلب فرص العمل أحدثت من قبل شركات شابة عمرها أقل من خمسة أعوام، مؤكدا على أنه يتوجب على المملكة خلق بيئة مساعدة للمقاولات، كي تلج الأسواق وتتطور وتصدر.

وأشار إلى أن ذلك يستدعي شروط مواتية للمنافسة المنصفة، ورأسمالا بشريا، وكفاءات ذات جودة عالية، كي تستجيب لحاجيات اليد العاملة الحديثة، وتشجيع المبادرات الرامية إلى تشجيع مبادرات المقاولات، وتيسير الولوج لتمويل المقاولات الصغيرة والشركات الناشئة Start up.

ولاحظ أنه في القطاع الخاص، جرى دعم النمو الاقتصادي عبر الشركات  الراسخة Entreprises établies، وليس من قبل شركات شابة، مسجلا أن تلك المقاولات القائمة، تستثمر، بشكل خاص، في القطاعات التي لا تعرف منافسة كبيرة مثل العقار والبناء.

وشدد على أنه باستثناء الشركات، العاملة في المناطق الحرة عبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لم تنجح الشركات الشابة في منافسة تلك الراسخة أو خلق فرص عمل بمستويات مهمة، ملاحظا أن أغلب القطاعات الأكثر دينامية وذات القيمة المضافة المرتفعة لا تمثل سوى حصة ضعيفة في نمو التشغيل.