التأمين الإجباري عن المرض .. الاختلالات وحلول جطو

دريس جطو الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات
الشرقي الحرش

سجل إدريس جطو،  رئيس المجلس الأعلى للحسابات،  أن نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض استغرق آجال طويلة، بالإضافة إلى أن تدبيره  يعاني من مجموعة من الاختلالات المتعلقة بالحكامة وتغطية نفقات خدمات العلاج والتوازن المالي للنظام.

حكامة المنظومة

في هذا الصدد، لا حظ جطو أثناء الاستماع إليه بالبرلمان، الثلاثاء 28 يناير،  أن الاطار القانوني للنظام يبقى غير مكتمل، حيث لم يتم بعد اصدار مجموعة من النصوص التنظيمية اللازمة لتفعيل القانون المتعلق بمدونة التغطية الصحية الأساسية رغم مرور أزيد من 14 سنة على صدورها، وهو ما أثر سلبا على تدبير هذا النظام.

وبخصوص نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض، أوضح جطو أنه "يتبين أن ما يناهز 900 ألف شخص إلى حدود سنة 2017 لازالوا تابعين لأنظمة خاصة ولم يلتحقوا بمنظومة التأمين الاجباري الأساسي عن المرض منهم 640 ألف في القطاع الخاص والباقي يعملون في 32 ألف مؤسسة عمومية.

وعزا جطو هذا الوضع إلى كون بعض المقتضيات القانونية الانتقالية لاتزال قائمة في غياب أجل محدد لحذفها.

وبخصوص ضبط المنظومة، قال جطو "إن المشرع كان يهدف من خلال إحداث الوكالة الوطنية للتأمين الصحي وإخضاعها لوصاية الدولة إلى الرفع من صلاحيتها والحفاظ على استقلاليتها، غير أن تموقعها المؤسساتي تحت وصاية وزارة الصحة لا يمكنها حاليا من أداء دورها بشكل كامل في مجالات التحكم، وضبط النظام والزجر عند الاقتضاء، إزاء كافة الفاعلين في منظومة التغطية الصحية الأساسية، فضلا عن عدم توفر الوكالة على المعلومات اللازمة للاضطلاع بمهمتها المتعلقة بالتأطير المالي للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي.

في السياق ذاته، اعتبر جطو أن التعريفة المرجعية الوطنية لم تخضع لأي مراجعة منذ انطلاق نظام التأمين الاجباري الأساسي عن المرض سنة 2006، مضيفا أنها أصبحت متجاوزة وغير ملزمة بالنسبة لمنتجي الخدمات الطبية الذين يطبقون أسعارا تتجاوز بكثير التعريفة المرجعية.

تغطية النفقات الطبية

وسجل الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن التأمين الاجباري عن المرض في وضعه الحالي لا يتيح تسديد المصاريف المرتبطة بأهم المستجدات في مجال الخدمات والمستلزمات الطبية، نظرا لعدم مواكبة التطور المستمر للعلوم الطبية وعدم تحيين مصنفات الأعمال الطبية.

اختلال التوازن المالي

ورغم محافظة الوضعية المالية لنظام التأمين لفائدة أجراء القطاع الخاص على توازنها طيلة الفترة الممتدة ما بين سنة 2006 و2018، إلا أن هذا الوضع يمكن أن يتغير خلال السنوات المقبلة نتيجة تنامي استهلاك العلاجات والخدمات الطبية والرفع من المرجعية الوطنية
وعلى عكس ذلك، فإن النظام المتعلق بموظفي القطاع العام قد عرف تدهورا مستمرا خلال الفترة2009-2018 ،حيث سجلت سنة 2016 أول عجز تقني، والذي بلغ ما يناهز 273 مليون درهم في 2018 ، بحسب المجلس.
وتعزى هذه الوضعية، بحسب المجلس أساسا إلى ضعف تطور المداخيل وكذا إلى عدة عوامل، منها على وجه الخصوص عدم مراجعة نسب الاشتراكات منذ أزيد من 14 سنة ، حيث بقيت هذه النسبة في حدود 5 في المائة من الأجر الشهري للموظفين النشيطين تؤدى مناصفة بين الموظف والمشغل، ووضع سقف لمبلغ الاشتراك في حدود مبلغ 400 درهم شهريا كيفما كان مستوى الأجر، وحذف مساهمة المشغل عند إحالة الموظف على التقاعد لتستقر النسبة في حدود 2.5 في المائة، وتدهور المؤشر الديمغرافي لتغطية المنخرطين النشيطين بالمقارنة مع أصحاب المعاشات والذي تراجع خلال الفترة ما بين 2006 و2018 من 3.8 نشيط لكل متقاعد إلى 1.7، فضلا عن تزايد نفقات النظام فيما يخص علاج الأمراض المزمنة والمكلفة والتي تستحوذ على 50 في المائة من اجمالي نفقات النظام.

واعتبارا للمعطيات المذكورة، يرى جطو أن نظام التأمين الاجباري  الأساسي  عن المرض لموظفي القطاع العام لن يسترجع توازناته دون الرفع تدريجيا لنسب الاشتراكات، أخذا بعين الاعتبار الانعكاسات المالية الحالية والمرتقبة لمختلف عناصر التكاليف التي يتحملها اللنظام على المدى القصير والمتوسط.
ويرى المجلس أن توازن وديمومة النظام يستلزم الحفاظ على احتياطاته والحرص على تنميتها، الأمر الذي لن يتأتى الا عبر وضع آليات الضبط الضرورية، ومنها مراقبة النفقات المرتبطة بالعلاجات الطبية والرفع من مستوى الموارد وتمويلها، علما أن هذه الاختصاصات  تدخل ضمن صلاحيات الوكالة الوطنية للتأمين الصحي.
من جهة أخرى، أوصى المجلس بتطوير نظام الصحة الوقائية من أجل تقليص الاصابات بالأمراض المزمنة والمكلفة وتطوير العرض الصحي العمومي، وتحسين جاذبيتها عن طريق تجويد الخدمات الصحية المقدمة من طرف المستشفيات العمومية.

ويضيف التقرير، أننا تأخرنا كثيرا في أخذ المبادرة، إذ بعد مضي أكثر من 13 سنة على المراحل الأولى للاصلاح، لم يتم بعد انشاء هذا القطب "السمعي البصري العمومي"، الذي سيكون من بين وظائفه تحديث القطاع وإحداث نوع من التكامل والتنسيق خاصة في سياق المنافسة القوية للشبكات الفضائية الأجنبي