التعليم عن بعد.. هل وفت المدارس الخصوصية بإلتزامتها؟

أحمد مدياني

أعلنت وزراة التربية الوطنية والتكوين المهني والبحث العلمي، يوم الأحد 10 ماي، عن اطلاق استطلاع للرأي، يستهدف الأساتذة وأولياء الأمور والأطر التربوية في التعليم، الهدف منه تقييم عملية التعليم عن بعد في المدرسة العمومية. لكن ماذا عن مدارس التعليم الخصوصية التي يتابع فيها أكثر من مليون 500 ألف تلميذ دراستهم؟ هل نجح التعليم عن بعد في تحقيق أهدافه؟ كيف تم ذلك؟ وإلى أي حد يمكن للوزارة تقييم أدائها؟ خاصة وأن امتحانات المستويات الإشهادية، يتساوى فيها العمومي مع الخصوصي.

هذه التساؤلات، تأتي بعد ما كشف "تيلكيل عربي" في مقال سابق، حصرياً، نتائج أول دراسة قامت بها الوزارة لتقييم عملية التعليم عن بعد، وهمت جهة سوس - ماسة. تساؤلات يطرحها "تيلكيل عربي" على ممثلي أرباب المدارس الخصوصية، خاصة وأن الأخير وجهت لها انتقادات حادة.

التعليم عن بعد والمدارس الخاصة

منذ تعليق الدراسة في المؤسسات التعليمية، تصاعدت وتيرة ملاحظات أولياء الأمور وعتابهم تجاه مؤسسات التعليم الخصوصية، مست مجموعة من الجوانب، من بنيها سير عملية التعليم عن بعد وربطها بأداء المستحقات الشهرية ونوعية الدروس التي يتم بثها ومن يتكلف بذلك.

"تلكيل عربي" طرق باب رابطة التعليم الخاص بالمغرب، للبحث عن أجوبة لأسئلة الأسر التي اختارات متابعة أبنائها لدراستهم في مؤسسات التعليم الخصوصي، وقدم كاتبها العام أحمد الحنصالي مجموعة من المعطيات، جلها يذهب في اتجاه الدفاع عن التعليم الخاص، مع بعد الملاحظات.

وقال الحنصالي في حديثه لـ"تيلكيل عربي" إن "الرابطة أصدرت خمس بلاغات، أكدت فيها الالتزام بالاستمرارية البيداغوجية، رغم الظروف الصعبة. وتعمل أطرنا التروبية والإدارية ليل نهار، من أجل أن تصل هذه الخدمة إلى التلاميذ. مؤسسات اقتنت منصات رقمية تزود هذه الخدمة عن بعد، رغم أنها لا يمكن أن تعوض الحضور الفعلي داخل المؤسسات".

وعن ملاحظات ومؤاخذات أولياء الأمور بخصوص جودة التعليم عن بعد في المؤسسات الخصوصية، اعتبر كاتب عام رابطة التعليم الخاص بالمغرب، أن "ما يعرفه الجميع هو أن التعليم عن بعد لم يكن له تحضير مسبق، ولم يكن منتظراً. التلاميذ يتعاملون مع تقنية جديدة، لكننا نحرص يوميا على التواصل مع أولياء الأمو، ونسجل حتى غياب أطفالهم عن الحصص الدراسية، كما وضعنا استعمال الزمن يتمشى مع الظروف الخاصة، لمجموعة من أولياء الأمور الذين يواصلون عمليهم خارج البيت رغم فرض حالة الطوارئ الصحية".

وأقر المتحدث ذاته، بأنه "هناك ملاحظات من طرف أولياء أمور التلاميذ، ولكنها لا تشمل توقف خدمة التعليم عن بعد، بل تعني فقط استعمال الزمن، أو غياب أحد الأستاذ".

نفس الرأي يذهب إليه المسؤول عن الرابطة بإقليم الرباط أحمد سليمان، لكنه سجل في الوقت ذاته، أن "نجاح عملية التعليم عن بعد في مؤسسات التعليم الخصوصية، مسألة تختلف من مؤسسة إلى أخرى. لم يكن هناك استعداد لهذه العملية، واعتبرنا أنها تكوين إجباري فرضته الظرفية. نعترف أننا سجلنا تعثرا في البداية، لكن تم تجازها".

واعتبر أحمد سليمان في حديثه مع "تيلكيل عربي"، أن "نسبة نجاح عملية التعليم عن بعد مرتبطة كذلك بالأسر، وليس بالمحتوى الذي تقدمه المؤسسات التعليمية"، وأن "التفاوتات التي تكون بطبيعة الحال مرتبطة بوضعية الأسر، تحول دون الوصول إلى نسبة 100 في المائة من استافدة التلاميذ. هناك حالة فيها عدم توفر الإمكانيات داخل الأسر، لأن التعليم الخاص لم يعد يستقطب الميسروين فقط، بل جميع الطبقات المجتمعية، ولدينا حالات لأسر فيها ثلاثة أطفال وأكثر، يجب أن يشتغلوا بهاتف واحد".

وأضاف: "كما أن استعمالات الزمن تتقارب أو تتشابه في التعليم عن بعد، وهذا اشكال أيضاً حاولنا تجاوزه، لأن الأساتذة عبروا لنا أن مجموعة من التلاميذ يخبرونهم بتعذر حضورهم للدرس بسبب استخدام أشقائهم للوسائل المتوفرة داخل البيت، وغالبا ما تمنح الأسر الأولية للأطفال المقبلين على إمتحانات آخر السنة".

وطرح المسؤول الإقليمي في رابطة التعليم الخاص بالمغرب، مسألة تكوين الأساتذة، وصرح بأن "مؤسسات التعليم الخصوصي تعتمد اليوم على موارده البشرية ذاتية فقط، وهي من تتكلف بتكوينها".

الواجب الشهري.. "مقابل" التعليم عن بعد!

ماذا عن فرض الواجب الشهري مقابل التعليم عن بعد؟ هذا الشق كان محط سخط من طرف عدد كبير من أولياء الأمور، خاصة الذين تضرروا من الجائحة، إما بفقدان العمل أو تحويلهم إلى صندوق الوطني للضمان الاجتماعي، للاستفادة من التعويضات التي رصدها صندوق تدبير جائحة "كوفيد 19".

هذا الأمر رد عليه الكاتب العام رابطة التعليم الخاص بالمغرب أحمد الحنصالي بالقول: "المؤسسات الخصوصية مقاولات صغرى أو متوسطة، اليوم الخدمة مازالت قائمة، والالتزام بيننا وبين الأسر لتوفير الخدمة في أي ظرف، أكيد يجب أن يكون بالمقابل، لأننا نؤدي مصاريف شهرية".

قبل أن يستدرك المتحدث ذاته بالقول: "من لم يفقدوا وظائفهم عليهم تأدية واجب تدريس التلاميذ بشكل تضامني".

هل وضعتم حلول وتسهيلات لمن انقطع رزقهم أو نقص بسبب الجائحة؟ سؤال وجهه "تيلكيل عربي" للكاتب العام لرابطة التعليم الخاص بالمغرب، وكان جوابه: "اعتمدنا ثلاث صيغ وهي: الأسر التي تواصل عملها ووظائفها سوف يؤدون نوع من الواجب التضامني. والأسر التي قل دخلها تستفيد من تخفيض. أما الأسر التي لها ما يثبت أن معيلها توقف عن العمل بشكل نهائي لا نطالبها بالأداء".

أحمد الحنصالي وصف ما تتعرض له مؤسسات التعليم الخصوصية بـ"تغليط الرأي العام"، وأضاف في السياق ذاته: "المؤسسات الخصوصية لم يسبق لها أن دعمت من المال العام. المورد الوحيد اليوم لاستمرارها هي الواجبات التي تؤديها الأسر شهرياً".

وشدد المتحدث ذاته، على أنه "يجب الأخذ بعين الاعتبار أن لدى مؤسسات التعليم الخصوصية مستخدمون في مرافق متوقفة عن العمل، وتشمل السائقين والمرافقات والمستخدمين في المطاعم المدرسية. هناك مؤسسات تقدمت بطلب استفادة هؤلاء مثل باق الأجراء من تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكن تم رفض هذا الطلب".

وذهب الحنصالي حد القول، إن "هذه الوضعية سوف تؤدي إلى افلاس مجموعة من المدارس الخصوصية، مع العلم أن هذا القطاع يضمن تمدرس أكثر من 1 مليون و500 ألف تلميذ ويشغل أكثر من 50 ألف أجير".

"يجب الإشارة إلى أن الوزارة سبق ووجهت الأكاديميات الجهوية بإحصاء المؤسسات التعليمية المتضررة من الجائحة، لكن هذه العملية توقف، وانقطع حبل التنسيق بيننا وبين الوزارة بخصوصها، حتى قبل صدور بلاغ رئاسة الحكومة الذي ينفي حصلونا على الدعم من صندوق تدبير جائحة فيروس (كورونا) المستجد". يضيف الكاتب العام لرابطة التعليم الخاص بالمغرب.

التعليم عن بعد الخصوص.. هل نجحت المهمة؟

هل تراقب الوزارة عملية التعليم عن بعد في مؤسسات التعليم الخصوصي؟ سؤال يجيب عنه مدير المناهج في وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي فؤاد شفيقي.

وكشف شفيقي في حديثه لـ"تيليكل عربي" أن "المديرية المكلفة بالتعليم الخصوصي، بصدد جمع المعطيات من المؤسسات، وخلال أسبوعين سوف نتوصل بالأجوبة للقيام بتقييم عن ما قدمته كل مؤسسة في ما يخص عملية التعليم عن بعد".

وأوضح المتحدث ذاته: "المؤسسات الخصوصية أنواع، هناك من وجدت نفسها مستعدة لهذا الوضوع، وعدد منها تقوم بالمواكبة اليومية للتلاميذ وتتوصل مع أولياء الأمور بشكل مستمر".

"بل هناك بعض المؤسسات الخصوصية، عدد ساعات الدروس التي تبث أكثر من ما قد يتحمله التلميذ". حسب مدير المناهج بالوزارة.

في المقابل، لم يخفي المسؤول بالوزارة، أن "هناك مؤسسات هشة، وأن عدد من تلاميذ التعليم الخصوصي لا يستفيدون من محتوى تعليمي عن بعد ذي جودة". وأضاف: "كما قلت في السابق، عندما نتوصل بعناصر الجواب من الأكاديميات حول سير عملية التعليم عن بعد في مؤسسات التعليم الخصوصية، سوف نصدر رأينا بشأنها، وأكيد سوف نبحث خلف كل ما تم التصريح به".

وعن أرقام ما وفرته مؤسسات التعليم الخصوصية من أقسام افتراضية للتلاميذ الذين يتابعون دراستهم فيها، صرح مدير المناج فؤاد شفيقي أن "عددها بلغ 108 و403 قسم افتراضي، أي بنسبة تفوق الـ70 في المائة من مجموع الأقسام الحضورية".

تحدي إجراء الإمتحانات

ماذا عن موقف أرباب المؤسسات الخاصة بشأن تنظيم الإمتحانات؟ الكاتب العام لرابطة التعليم الخاص بالمغرب محمد الحنصالي، اكتفى بالقول إن "المخول له بالإجابة عن هذا السؤال هي الوزارة، والمسألة تتعلق بتطور الحالة الوبائية ولا يمكن أن نجزم بأي شيء".

وأضاف: "الوزير سعيد أمزازي صرح في السابق، بأن 75 في المائة من دروس المقرر تم اتمامها قبل الجائحة، وبالتالي ما تبقى يدبر عن بعد، وهناك إمكانية للدعم والتقوية، وإن نجحت جهود محاصرة الوباء قريبا، نفضل أن تجرى دروس الدعم في المؤسسات التعليمية".

زميله في الرابطة، المسؤول بإقليم الرباط أحمد سليمان، رأى من وجهة نظره أن "الإمتحانات الإشهادية يتساوى فيها الخصوصي والعمومي. في نظري الشخصي ومن خلال التجربة محليا في إقليم الرباط، ومن خلال آراء من هم في القطاع، حبذا أن لا يكون هناك خروج مباشر للتلاميذ من المنازل قاعات المؤسسات التعليمية لإجراء الإمتحانات، ضروري أسبوعين يستأنس فيها التلاميذ بظروف رفع حالة الطوارئ الصحية بعد اتخاذ القرار من طرف السلطات".

ووصف أحمد سليمان إخراج التلاميذ في أي مستوى دراسي من المنازل إلى الأقسام مباشرة لإجتياز الإمتحانات بـ"المغامرة".