الخازن العام للمملكة يدعو إلى خفض الإعفاءات الجبائية وتقليص الفوارق في الإيرادات والممتلكات

المصطفى أزوكاح

ترتهن الجماعات الترابية بقوة للتحويلات المالية التي تأتيها من الدولة، غير أن ذلك ينطوي على مخاطر في ظل ندرة الموارد الجبائية على مستوى الدولة، في ظل نظام جبائي يمعن في منح الإعفاءات والتحفيزات، وسيادة الغش والتهرب الضريبيين، وتوسع مساحة القطاع غير المهيكل.

تلك حقيقة يرصدها المدير العام للخزينة العامة للمملكة، نورالدين بنسودة، الذي ينبه إلى ضرورة التزام الجماعات الترابية بقيم الشفافية في الصفقات العمومية والانخراط في تقديم الحساب، وعدم المجازفة بأموال الجماعات.

ارتهان ينطوي على مخاطر

ما هو التمويل الذي يفترض توفيره للجماعات الترابية، التي تبقى مواردها محدودة ومرتهنة للدولة؟ وماذا عن المسؤولية وربط المسؤولية بالمحاسبة التي تعتبر شرطا ضروريا من أجل مالية محلية في خدمة التنمية وتقليص الفوارق؟ سؤالان سعى الخازن العام إلى الإجابة عنهما، عندما تولى عملية تقديم أشغال الندوة الدولية حول مالية الجماعات الترابية التي عقدت في نهاية الأسبوع.

 يتصور بنسودة أن الجماعات المحلية ترتهن ماليا للدولية وتتأثر بآثار العولمة والتداخل بين لاقتصادية وتطور الاقتصاد الرقمي، كما أن تلك المالية تتأثر بتآكل الوعاء الجبائي وتحويل الأرباح.

يلاحظ عند الحديث عن ارتهان الجماعات المحلية لمالية الدولة أن 88 في المائة من الموارد الجبائية تحول إليها من قبل الدولة أو مدبرة من طرفها، فتحويلات تأتي من الضريبة على القيمة المضافة في حدود 30 في المائة والضريبة على الشركات في حدود 5 في المائة والضريبة على الدخل في حدود 5 في المائة، حيث تمثل تلك التحويلات حوالي ثلثي الموارد الجبائية في العام الماضي.

ويعتقد أن هذا الارتهان لمخصصات الدولة مفيدة للجماعات المحلية في ظل نظام جبائي وطني جيد، غير أنه يعرض المالية لمخاطر إذا لم يكن النظام الجبائي للدولة يوفر موارد كافية، معتبرا أن هذا الخطر يتجه إلى أن يصبح واقعا في الأعوام الأخيرة، في ظل انخفاض معدل نمو الموارد الجبائية.

إعفاءات جبائية وتهرب ضريبي

ويعتقد أن انخفاض تلك الموارد الجبائية يكون ناجما عن منح إعفاءات شاملة أو جزئية، وتخفيضات على مستوى القاعدة الجبائية، ومؤن معفية من الضريبة، وتقليصات في الضريبة، مشيرا إلى أن 57 في المائة من النفقات الجبائية مكونة من تحفيزات شاملة، ملاحظا أنه منذ 2012، ارتفعت تلك الاستثناءات الجبائية بطريقة كبيرة.

ويؤكد على أن التحفيزات الجبائية تفضي إلى تركيز الضغط الجبائي على عدد قليل من الملزمين، الذين يفون بالضريبة، معتبرا أن ذلك التركيز يجد تفسيره في وجود ملزمين كبار في ميزانية الدولة الذين يضمنون جزء كبيرا من موارد الضريبة على الدخل، زد على ذلك ثقل القطاع غير المهيكل والغش والتهرب الضريبي.

ويوضح بنسودة أن تركيز الضرائب، يأتي من قوة التركيز الاقتصادي والمالي بين يدي عدد قليل من المواطنين، الذين يتوفرون على تأثير قوي يجعل النظام الجبائي في صالحهم.

ويتصور أن الإصلاح الجبائي الذي أضحى ضروريا، يجب أن يتم في إطار تجديد نموذج التنمية، حيث يفترض في الضريبة أن تصبح متوازنة وأكثر إنصافا، بهدف تقليص الفوارق، مؤكدا على أن الإصلاح الجبائي، يجب أن يقوم على تقليص التحفيزات الجبائية وإطلاق توسيع حقيقي للوعاء الجبائي، مع خفض المعدلات الهامشية لفائدة الأشخاص الذاتيين والمعنويين، تحقيقا للقاعدة التي تقضي بتوسيع الوعاء واعتماد معدلات ضعيفة.

ويشدد على أنه يفترض أن يفضي النظام الجبائي إلى تحديد الاقتطاعات الإجبارية التي تصيب الطبقة المتوسطة والفقراء، تحقيقا لهدف إعادة التوزيع المنصف لثمار النمو الاقتصادي.

ويشير إلى أنه إذا كانت المالية المحلية مرتهنة لحسن تعبئة الموارد الجبائية، فإنه يجب أن تكون مدبرة بشكل جيد، بالاستناد على حكامة جيدة، بهدف توفير خدمات عمومية وذات جودة، وهي خدمات تعود مسؤوليتهما للجماعات والدولة.

 استثمارات ضعيفة

غير أنه يلاحظ أن النفقات الشاملة للجماعات الترابية في العام الماضي، لم تمثل سوى 10 في المائة من مجمل نفقات الدولة والجماعات الترابية، في الوقت نفسه، لا تمثل نفقات الاستثمارات للجماعات الترابية في العام نفسه، سوى 19,5 في المائة من نفقات الاستثمار العائدة للدولة والجماعات الترابية، بينما وصلت نفقات الجماعات الترابية بفرنسا حوالي 57 في المائة من الاستثمار العمومية في العام الماضي و70 في المائة في 2015

ويتصور أن هذه الوضعية تؤجج بفعل لاتمركز إداري وموازني غير كاف، مقارنة بانتظارات الجماعات الترابية، ففي العام الماضي، لم تتتجاوز المخصصات المحولة لفائدة المتصرفين الجهويين والأقليميين، سوى 7 في المائة من مخصصات موازنة الدولة، بل إن 25 في المائة من تلك المخصصات لم تنجز سوى في النصف الثاني من العام.

يستفاد من ذلك، حسب الخازن العام، أن الجماعات الترابية والمصالح غير المركزية للدولة لا تساهم، بشكل كاف، في مجهود التنمية الاقتصادية وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، ما يعني أنها كي تلعب ذلك الدور، يتوجب على الجماعات الترابية والدولة، إعادة النظر في مستوى التدخل، معتبر أن الدولة يجب أن تحصر تدخلها في الرهانات التي لا يمكن أن تنجز على المستوى المحلي، في الوقت نفسه، الذي يفترض فيها أن تكون ضامنة لتحقيق هدف الإنصاف والمساواة في توفير الخدمات العمومية في مجمل التراب المغربي. غير أنه يتوجب في تصوره وضع إطار لعلاقة الدولة مع الجماعات المحلية المدعوة بدورها إلى التقيد بقيم الإنجاز والنتيجة.

 مجازفة بأموال الجماعات

ويحيل بنسودة على تقارير المجلس الأعلى للحسابات التي لاحظت بين 2010 و2018، العديد من الاختلالات التي تنال من قواعد المنافسة والمساواة في الولوج للطلبيات العمومية، فعدم احترام القانون المنظم للصفقات العمومية من قبل بعض الجماعات عبر إقصاء غير المبرر لمشاركين في طلبات عروضها، يشكل فرصة لتعظيم موارد أشخاص على حساب أشخاص آخرين.

ويورد مثالا آخر يؤشر على عدم احترام القانون، حيث يشير إلى ممارسة تمس بممتلكات المواطنين، ففي مجال شراء العقارات من قبل القطاع العام بشكل عام والجماعات المحلية، يعمد بدل تطبيق أسعار تقترب من تلك المعمول بها في السوق وتتوافق مع قانون نزع الملكة، إلى سياسة الأمر الواقع، عبر تجريد المواطنين من ممتلكاتهم، ما يدفعهم إلى اللجوء إلى المحاكم.

ويلاحظ أن المحاكم تصدر أحكاما تجبر الجماعات المحلية بأداء مبالغ تتجاوز في بعض الأحيان، حيث تأمر بتنفيذ تلك الأحكام بحجز الحساب الجاري للخزينة المفتوح لدى بنك المغرب، مشيرا إلى أن مثل هذه الممارسات التي ما فتئت تتنامى يمكن أن تدفع الدولة إلى العجز عن تدبير التزاماتها بشكل جيد في  مجال أداء الأجور وأداء مستحقات الدين، كما يمكن أن للجماعات الترابية، التي تصادر أموالها عبر الحجز على الحساب الجاري للخزينة، أن تجد نفسها في وضعية إفلاس.

ويشدد على نزع العقارات بقيم تقل عن أسعار السوق وعدم تعويض أصحابها في حينه، ينعكس سلبا على ممتلكات الأشخاص المعنيين عبر خفضها بطريقة تعسفية، معتبرا أنه من أجل تفادي  مثل هذه الممارسات، يفترض في الدولة والجماعات المحلية أن تتوفر على المخصصات الكافية من أجل تعويض الأشخاص.

ويتصور أن الجماعات الترابية يجب أن تحترم المبادىء الدستورية للحكامة، مشددا على ضرورة إدماجها التدريجي للآليات التي تساعد على الافتحاص والمراقبة الداخلية، ووضع جميع المعلومات ذات الصلة بحياة الجماعة رهن إشارة المواطنين.

ويرى أن التحدي الحقيقي يتمثل في تقليص الفوارق في الدخول والممتلكات، وليس تقليص الفوارق الوجودية، معتبرا أن الأشخاص أحرار في اختيار المسارات التي يرونها ملائمة لهم، لكن يجب أن يكونوا متساويين عند انطلاق السباق، رغم اختلافاتهم الاجتماعية والمادية، مشددا على أن سياسات عمومية تقودها الدولة والجماعات المحلية وتستند على مالية جيدة، يمكن أن تقود إلى تقليص تلك الفوارق وتوفير نفس الفرق عند الانطلاقة لجميع المواطنين.