السكتاوي لـ"تيل كيل عربي" (3/3): وصف الرميد للمثليين جنسياً بـ"الأوساخ" فضيحة

أحمد مدياني

في الجزء الثالث والأخير من حواره مع "تيل كيل عربي"، يتطرق المدير العام لمنظمة العفو الدولية محمد السكتاوي، للتقارير التي يدافع بها المغرب عن أوضاع حقوق الإنسان في المملكة، ودور المؤسسات الرسمية التي تشتغل في هذا المجال، كما يكشف موقف أمنيستي من حقوق الأقليات، وردها على موقف وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد من المثليين جنسيا وحقوقوهم، ورد المنظمة على إعلان الحكومة تشكيل لجنة مهمتها الرد على تقاريرهم.

*يواجه المغرب اليوم التقارير التي تصدر عن أوضاع حقوق الإنسان فيه بالترافع أمام المؤسسات الدولية، كيف تقيمون حضوره ودفوعاته؟ وألا ترون أنه تقدم بشكل أفضل حين قبل بإخضاع سياسات المملكة للمسائلة أمام المنتظم الدولي؟

ما يقوم به المغرب شيء إيجابي، وجيد أن يكون له حوار مع الآليات الدولية لحقوق الإنسان، مثل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو آلية الاستعراض الدولي الشامل أو غيرها.

أعتقد فعلاً أن المغرب حقق تطوراً كبيراً في فتح باب الحوار مع هذه المؤسسات، وباب المغرب لدخول هذه الآليات ومراقبة الأوضاع عن كثب وعقد لقاءات مباشرة مع الضحايا والمواطنين والصحافة، وأكرر هذا أمر إيجابي لا جدال فيه.

في المقابل، ما زال ممثلو المغرب في مثل هذه المؤسسات والآليات، يتحدثون أحياناً بلغة الخشب، ولا يملكون الشجاعة اللازمة للاعتراف بالأخطاء وكيف يمكن تجاوزها، وتقديم ما أنجز بالدليل الملموس على مستوى احترام أوضاع حقوق الإنسان، لأنه لا يمكن لأي بلد أن يكون اليوم ولا غداً جنة لحقوق الإنسان، وإذا كانت هناك انتهاكات قد حصلت، نحن نعمل على أن لا تكون سياسة ممنهجة.

ما زال ممثلو المغرب في مثل هذه المؤسسات والآليات، يتحدثون أحياناً بلغة الخشب، ولا يملكون الشجاعة اللازمة للاعتراف بالأخطاء

يجب على المسؤولين المغاربة أن يتحدثوا بشفافية، وأن يطرحوا ما تحقق ويواجهوا ما يطرح أمامهم من تحديات وملاحظات ومؤاخذات بالعمل، لأن هذه الآليات في الأخير ليست عقابية، بل تبحث عن التقويم والمساعدة والدعم، لذلك على الحكومة أن تبتكر مقاربة أخرى في التعامل مع هذه الآليات.

وأود هنا أن أسوق مثالاً لتبسيط ما أقصده، وهو أن دولة مثل فرنسا عندما يسأل مسؤولها عن سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان، وهي تعرف بدورها انتهاكات لها، لا يتهربون من الاعتراف بذلك، ولا يخاطبون المجتمع الدولي بالقول: "نحن فعلنا ويجب أن تقدروا ما نقوم به وأن لا تنتقدوننا"، لأن هذا الحظاب أصبح متجاوزاً، والدولة التي تؤمن بحقوق الإنسان لا تحاول إخفاء أين أخطأت، بل تعترف بذلك، وتبحث عن تقويم سياسياتها.

اقرأ أيضاً: السكتاوي لـ"تيل كيل عربي" (3/1): "أمنستي أنترناسيونال" ليست مسؤولة عن توظيف تقاريرها سياسيا

*مؤخراً تحدث الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان محمد صبار عن أن كلفة العدالة الانتقالية في المغرب بلغت 220 مليون دولار. هل ترون أن هذا الرقم ضخم استثمر فعلاً في العدالة الانتقالية وجبر الضرر أم أنه لا يتجاوز كونه تعويضات مادية للأفراد؟

أتفق مع نقاش ما صرفه المغرب على العدالة الانتقالية من الزاوية التي طرحتها، لأن الأرقام دائماً خاضعة ولا تكشف ما تحقق بالفعل.

لا ننكر أن المغرب أخذ من ميزانيته قسطاً كبيراً لتعويض ضحايا سنوات الرصاص، ولا نجادل في ذلك، لكن ما نبحث عنه هو ما هو الأثر الملموس الذي تحقق بفعل الأموال التي صرفت وهذا الاستثمار الكبير، لأن ما نحتاجه فعلاً هو استثمار يحقق الإنصاف للإنسان والعدالة الإنسانية. يجب أن نستثمر في القطع نهائياً مع تجاوزات حقوق الإنسان وهذا ما لم يحصل في المغرب، رغم عدد من الأمور الإيجابية، من بينها هيئة الإنصاف والمصالحة، وكانت هذه الأخيرة تجربة رائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكنها في مستوى آخر أخلفت وعدها، خاصة أننا لم نقطع إلى اليوم مع مسألة الإفلات من العقاب.

لم نعرف الجناة ولم نسائلهم ولم نحاسبهم، وهذا الأمر سوف يجعل منتهكي حقوق الإنسان اليوم ومستقبلاً يشعرون بنوع من الحماية

كان هناك جبر للضرر، ولكن لم نعرف الجناة ولم نسائلهم ولم نحاسبهم، وهذا الأمر سوف يجعل منتهكي حقوق الإنسان اليوم ومستقبلاً يشعرون بنوع من الحماية، ومتأكدون أنهم لن يعرضوا على العدالة، ولن يحصل ضحاياهم على إنصاف على هذا المستوى، وليس فقط جبر ضررهم المادي، خاصة وأن عددا من الضحايا رفضوا الحصول على تعويضات مادية، ليس تبخيسا لهذه التجربة، ولكن إيمانا منهم بأن العدالة أقوى من المال.

كما نحتاج الاستثمار في الذاكرة المشتركة، لأننا نلاحظ أن هذه العملية تتم بشكل انتقائي، والكثير من معالم هذه الذاكرة يتم تدميرها وطمسها.

*في السياق ذاته، وعلاقة بحفظ الذاكرة والكشف عن مآل ملفات سنوات الرصاص. ألا ترون أن هذه الملفات تتجه نحو قتلها بيولوجيا، أي انتظار وفاة الشهود لطي الملف بشكل نهائي؟ وهل تملكون آليات لتدارك ما ضاع من وقت؟

نحن لا ندخر جهداً في هذا الاتجاه. وللأسف، إهمال الشهود والمتورطون في حالات الاختفاء والاختطاف، خاصة حالة المهدي بن بركة والحسين المانوزي، مسألة خطيرة، وأنا سميتها مرة "ننتظر تصفية الماضي بالموت البيولوجي للأشخاص".

اقرأ أيضاً: بشير بن بركة: والدي كان شوكة في قدم إسرائيل واحتمال تخطيطهم لاختطافه ممكن

وأنا أرى أننا بصدد تضييع فرصة تاريخية لإغلاق هذه الملفات، رغم ما لها من طابع رمزي، يعطي الثقة في أننا بالفعل أسدلنا الستار على كل ملفات الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وإن لم نقم بذلك، فإن الجناة الذين لا يزال عدد منهم على قيد الحياة، يشعرون بالآمان، ومنهم من يستهزيء بما نقوم به.

أحد المتورطين الأساسيين والشهود كذلك، وهو ما يزال على قيد الحياة، يحتفظ إلى اليوم بعلبته السوداء، لذلك نطرح السؤال حول من يحميه؟

في الكتاب الذي أصدره بودرقة وبنيوب وكان معاً في هيئة الإنصاف والمصالحة، ورد أن أحد المتورطين الأساسيين والشهود كذلك، وهو ما يزال على قيد الحياة، يحتفظ إلى اليوم بعلبته السوداء، لذلك نطرح السؤال حول من يحميه؟

وحين تحدث هذا الشخص أمام هيئة الانصاف والمصالحة لم يقل كل شيء، بل احتفظ بكل أسرار علبته السوداء.

اقرأ أيضاً: السكتاوي لـ"تيل كيل عربي" (2/3): لهذه الأسباب لا نرصد أوضاع حقوق الإنسان في مخيمات تندوف

*أمام كل التعثر الذي تتحدث عنه في مجال حقوق الإنسان، نجد أن المغرب يتوفر على المجلس الوطني لحقوق الإنسان والمندوبية السامية لحقوق الإنسان ووزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط، كل هذه المؤسسات تعمل في نفس المجال لكن ألا ترون أنها لا تحقق دائما نتائج ملموسة، أين الخلل إذن؟

بعض الدول تشتري الكثير من الأسلحة اعتقاداً منها أنها ستدافع عن حدودها ومصالحها، لكنها تنسى أو تتناسى تكوين الجندي الذي سوف يحمل السلاح.

أعتقد أن هذه الصورة تنطبق على حالنا، ونحن لا نحتاج إلى الكثير من الأسلحة في مجال حقوق الإنسان، بقدر ما نحتاج إلى الاستماع إليه، وهذه الترسانة الكبيرة من المؤسسات التي نصرف عليها من أموال دافعي الضرائب، لا نستفيد منها ولن نستفيد منها.

ما نحتاجه هو التقدم الفعلي في مجال حماية حقوق الإنسان واحترامها، ورأيي دائما كان رفقة عدد من الحقوقيين، هو أنه لا تكون الحاجة لوزارة لحقوق الإنسان إلا في البلدان التي لا تحترمها، كما أنه لا تكون الحاجة لوزارة للصحافة إلى في البلدان التي لا تحترم حريتها، وفكرة إنشاء وزارة للصحافة جاءت مع البلدان الشمولية من بينها الاتحاد السوفياتي، وانتقلت التجربة إلى بلدان عربية ومغاربية.

وأرى أننا نحتاج في المغرب فقط للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، وأن نحصنه جيداً طبقا لمعايير ومبادئ باريس، لننظم هذا المجال بواجباته وحقوقه.

*في سياق متصل، كيف تابعتم تصريحات وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد تجاه المثليين جنسياً، والذي وصفهم أكثر من مرة بأوصاف قدحية.

ما قاله الرميد في حق المثليين فضيحة في مجال حقوق الإنسان، ولا يمكن أن نصف إنسان بأنه "قاذورات أو أوساخ" مهما كانت هويته، وتكون الفضيحة أكثر حين يصدر هذا التوصيف من وزير وصي على حقوق الإنسان ومسؤول في الحكومة.

ما قاله الرميد في حق المثليين فضيحة في مجال حقوق الإنسان، ولا يمكن أن نصف إنسان بأنه "قاذورات أو أوساخ"

الإنسان مهما كانت هويته يجب احترامه، وفيما يتعلق بالمثليين والمتحولين جنسيا وثنائيي الجنس وغير ذلك، هم بشر قبل كل شيء، ولهؤلاء حقوق غير قابلة للتجزئة، والتمييز انتهاك كبير، لذلك المنظومة الدولية لحقوق الإنسان ونحن جزء منها، وضعت قواعد لحماية ما نسميه بحقوق الأقليات، ومن أسسها أن لا نعرضهم للسجن بسبب هويتهم الخاصة، وأن لا يتعرضوا للتعذيب، وأن لا يمنعوا من ممارسة خصوصياتهم والتعبير عنها بكل الأشكال.

اقرأ أيضاً: الرميد3/2: هذا موقفي من تغيير الدين والعلاقات الرضائية.. والمثلية ليست من حقوق الإنسان

هناك من سوف يتعلل ويواجه ما أقوله بما يسمى الهوية الوطنية، وهذه ذريعة فقط، وهي واهية، وتتوخى التهرب من تحمل المسؤولية، لأن المغرب في دستوره يقر بسمو المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ووضع بابا كاملا لهذه الحريات والحقوق، كما أنه منخرط في المسلسل الدولي لحماية حقوق الإنسان، وكل هذا يفرض عليه التزامات تجاه جميع المواطنين بدون تمييز.

نحتاج للشجاعة كي نقطع مع النفاق في التعامل مع قضايا الأقليات، ولماذا قلت نفاق، لأن البعض يستغل عدم تبصر الرأي العام الوطني بمثل هذه القضايا لتمرير سياسات تخدم أجندته فقط وهويته هو وليس الهوية المشتركة بين جميع البشر، إذا لم نفهم هذه المعادلة سوف نجد أنفسنا غدا تحت رحمة سلطة مستبدة ليس للإنسان فيها قيمة، الجرائم التي ترتكب اليوم خاصة في منطقة الشرق الأوسط، تتم بحجة حماية الهوية الوطنية، ولكن الواقع هو ضرب هوية وحرية الأفراد.

*أنتم من المدافعين الشرسين عن إلغاء عقوبة الإعدام، في المقابل نعيش يومياً جرائم ترتكب في حق الإنسان الذي تبحثون عن حمايته ويجد الضحايا والأقارب عزاءهم في الحكم بالإعدام وتطبيقه، وهناك دول تعتبر "رائدة" في مجال حقوق الإنسان لاتزال تحتفظ بهذه العقوبة في قوانينها.

أولاً سأنطلق من القول إن هناك دول رائدة في مجال حقوق الإنسان لاتزال تقر عقوبة الإعدام في قوانينها. يجب أن ننتبه إلى أنه أكثر من ثلثي دول العالم ألغت هذه العقوبة في القانون والممارسة أو ألغتها في الممارسة فقط.

وهناك بعض الدول التي تدعي أنها تحترم حقوق الإنسان تحتفظ بعقوبة الإعدام، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين، لكن كل دول أوروبا ألغت هذه العقوبة باستثناء دولة واحدة، بل في إفريقيا نجد أكثر من 50 دولة ألغت عقوبة الإعدام، الكثير من الدول الإسلامية قامت بنفس الخطوة ومن بينها السينغال وتركيا ودول منطقة شرق آسيا.

النقطة الثانية، من خلال الدراسات المسحية التي قامت بها الأمم المتحدة، لمراقبة منسوب الجريمة في العالم، وصلت بالأرقام إلى أن الدول التي ألغت عقوبة الإعدام تراجعت فيها معدلات الجريمة، وأن الدول التي تحتفظ بالعقوبة ترتفع فيها معدلاتها، بمعنى أن هذه العقوبة ليست رادعة.

وأود أن أعطي مثالا واضحاً بدولة العراق، التي تسجل فيها أكبر نسبة لتطبيق عقوبة الإعدام، لكن ما نشهده يومياً هو استمرار جرائم القتل والدماء تسيل في شوارع العراق دون انقطاع. إذن هل أنقذت عقوبة الإعدام الأبرياء من شلال الدم؟ الجواب: لا.

من يبررون الإبقاء على عقوبة الإعدام، وهم المدافعون عن حرمان الأقليات من حقوقهم، يستثمرون الدين الإسلامي فقط

ومن يبررون الإبقاء على عقوبة الإعدام، وهم المدافعون عن حرمان الأقليات من حقوقهم، يستثمرون الدين الإسلامي فقط، ويقولون إن هناك نصوص قطعية لا يجب أن نخالفها، لكن عندما نعود إلى هذا النص القرآني، نجد أن المصطلح لا يوجد فيه، بل هناك لفظ القصاص، وهذا الأخير أعطته الشريعة الإسلامية لأصحاب الدم، أي أقارب المقتول، وخيرتهم بين العفو والدية وأخيراً القتل، يعني أن الإسلام لم يحسم التعامل مع القاتل، بل قدم العفو والدية على القصاص بإسالة الدماء.

 المغرب أوقف منذ 1993 تنفيذ عقوبة الإعدام، وهذا لا يعني أن المجرم القاتل لا يعاقب، بل يعني أن  امملكة تحول  حكم الإعدام إلى حكم مؤبد، وهناك العشرات من المحكومين بهذه العقوبة لا تنفذ في حقهم، واليوم نحن في حاجة إلى اقرار هذا الاختيار قانونياً.

*أخيراً، الحكومة أعلنت منذ فترة إنشاء آلية لمواجهة تقارير المنظمة الدولية لحقوق الإنسان، ومن بينها تقارير منظمة العفو الدولية، كيف تنظرون إلى هذه الخطوة؟

الحكومة سوف تقوم بمأسسة شيء أصلا هو قائم. وهي تقوم دائما بالرد على التقارير حول أوضاع حقوق الإنسان بإصدار تقارير مضادة وبيانات بهذا الصدد.

أنا أرى أن تشكيل هذا الجهاز هو جزء من تضخيم الترسانة المؤسساتية الضخمة لحقوق الإنسان في المغرب، وسوف نضيف عبئا مالياً جديداً من جيوب دافعي الضرائب، عوض أن نكتفي كما قلت سلفاً بالمجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عنده مهام وآليات إنجاز تقارير موازية والرد على منظمات حقوق الإنسان. بمعنى آخر، في الحقيقة أعتقد أن هذا الجهاز الذي تم الإعلان عنه، سوق يكون مقبرة بطقوس جميلة لقضايا حقوق الإنسان في المغرب.