الطاهر بن جلون: هذه علاقتي بمحمد السادس.. ومعتقلو الريف سجناء سياسيون

بلال مسجد

في هذا الحوار يبسط الطاهر بن جلون، الكاتب المغربي الفرنسي، مواقفه من بعض القضايا الحساسة بالمغرب اليوم، كما يتحدث عن علاقته بالملك محمد السادس.

سيمت باك؟

حسن بن جلون

سميت أمك؟

فاطمة بدراوي

نميرو ديال لا كارت؟

C80202

هناك أسبوعية وصفتك بـ"عدو المغرب" بسبب موقفك من الحراك.. ياله من عالم يمشي على رأسه، أليس كذلك؟

لم أقرأ هذا (يضحك).. كيف أتصرف إزاه؟ لنكن جديين قليلا.. إنه قذف بغيض، لا أريد حتى الرد عليه. فأنشطتي وكتبي هي الكفيلة بالرد،  نقطة إلى السطر. ولسنا هنا للحديث عن هؤلاء.

كتبت مؤخرا في مقال أن "الأحكام الصادرة على نشطاء الحراك، قاسية بشكل غير مقبول البتة، وهذا يعيدنا إلى سنوات الرصاص حين كان يتم قمع أي تعبير عن الحرية". ولكن تجنبت بعناية الإشارة إلى المسؤولين...

أساءت الحكومة تدبير الحركة الاحتجاجية بالريف. بالطبع كانت هناك استفزازات من طرف بعض المتظاهرين، ولكنها لا تساوي 20 أو 15 سنة سجنا نافذا. على كل حال، فالتظاهر اليوم حق لكل المواطنين. وإذا تحولت المظاهرات إلى أعمال نهب، مثلا، فيجب إذاك القيام بشيء ما طبعا. في حالة الريف، يتعلق الأمر بمظاهرات مشروعة لمواطنين يسعون إلى العيش بكرامة، من خلال الحصول على عمل، والتوفر على مدرسة لأبنائهم، والاستفادة من نظام صحي جيد.

كانت هناك استفزازات من طرف بعض المتظاهرين، ولكنها لا تساوي 20 أو 15 سنة سجنا نافذا. على كل حال، فالتظاهر اليوم حق لكل المواطنين

بدون لف ودوران، هل يتعلق الأمر في نظركم بمعتقلين سياسيين؟

بالنسبة إلي، الأحكام سياسية، والذين يوجدون في السجن معتقلون سياسيون. هم ليسوا مجرمين هاجموا بنكا، بل مواطنين مغاربة عبروا عن غضبهم على الظلم، على واقع قائم منذ زمن طويل جدا. وهذا طبعا لا يستحق بتاتا هذه الأحكام.

يعيش المغرب أزمة اجتماعية غير مسبوقة منذ انطلاق العهد الجديد. فالفوارق الاجتماعية تتفاقم، هناك غضب اجتماعي، تعليم يحتضر، أحزاب سياسية منهارة... البعض يقولون إن المغرب وصل الباب المسدود، أنت لست منهم؟

لن أذهب إلى حد استعمال تعبير "الباب المسدود". أعتقد أن المغرب يعيش وضعا صعبا تضخم بسبب عنصر لم يكن في زمني، لما كنت مناضلا، وهذا العنصر هو الشبكات الاجتماعية. هذا التضخيم جعل المعلومة تنتشر بسرعة استثنائية، هذه المعلومة التي أصبح في متناول الجميع التعليق عليها. وهذا طبعا له جانبه الإيجابي ولكن كذلك له جانب يصعب التحكم فيه. نعم، للشبكات الاجتماعية اليوم قوة تبدو لي مقلقة. واعتبر مثلا قضية المقاطعة- التي لا نعرف من يقف وراءها- خطيرة جدا، لأن نتيجتها هي إصابة عدد من المواطنين بالعطالة. باختصار، أضفنا الفقر إلى الفقر.

أعتبر قضية المقاطعة- التي لا نعرف من يقف وراءها- خطيرة جدا، لأن نتيجتها هي إصابة عدد من المواطنين بالعطالة. باختصار، أضفنا الفقر إلى الفقر.

ولكن آخرين يرون فيها تعبيرا عن السخط الشديد لدى أناس لم يكن له أي صوت..

تحدثت قبل قليل عن الجانب  الإيجابي.. ولكن هناك كذلك ذلك الجانب المتمثل في صعوبة تلمس عواقب مثل هذه القرارات التي تتخذ على الشبكات الاجتماعية. فحينما تقاطع الحليب فأنت تضر بالمنتجين الصغار الذين يجدون أنفسهم اليوم عرضة للبطالة. كنت أود لو قاطعنا الفساد، قاطعنا العنف، التحرش الذي تتعرض له النساء، وحتى الرجال.

هل يملك الطاهر بن جلون وصفة سحرية تخرج البلاد من الأزمة؟

يتعين أولا الحديث عن كل شيء. للأسف، نرى اليوم إلى أي مدى صارت الأحزاب السياسية متجاوزة. فالحزب السياسي، تماما مثل النقابة، يؤطر القضايا التي يتعين معالجتها. ولكن الهيآت السياسة لا تقوم بأي شيء اليوم للرد على هذا الغضب، لإيجاد مخرج لهذا الوضع الصعب.

ألا تعتقد أن بعض الأحزاب تم إضعافها من طرف القصر؟

هذا أمر يجب البرهنة عليه. ولكن الأهم أن المواطن المغربي فقد كل الاهتمام بالسياسة، لأنها اتسخت بسبب ممارسات بغيضة. والنتيجة: الناس الذين في المستوى لا يترشحون في الانتخابات، وهذا مؤسف حقا. لقد تركت السياسة لأناس يسعون إلى تحقيق مصالح أخرى غير المصلحة الوطنية. ما العمل إذن؟ كيف السبيل إلى إعادة الشباب إلى العمل السياسي؟ كيف يمكن إثارة اهتمامهم من جديد؟ هذا هو السؤال.

لنعد قليلا إلى سنوات الرصاص. في يوليوز 1966، تم إرسالك إلى معسكر تأديبي تابع للجيش في الحاجب وفي هرمومو مع طلبة آخرين شاركوا في مظاهرات مارس 1965. هذه التجربة تتناولها في كتابك الأخير "العقاب" (الصادر عن دار "غاليمار"). ولكن في مؤلفاتك السابقة حول هذه المرحلة، والتي نشرت بعد وفاة الحسن الثاني، لا نلمس أي غضب على الملك الراحل...

اليوم لم أعد أشعر بأي غضب. وأعتقد أنني عبرت عن غضبي في روايتي "موحا المجنون، موحا الحكيم"، التي صدرت في سنة 1978، والتي كانت ضحية للرقابة طيلة ستة أشهر. فالرواية تبتدئ بمشهد يصف التعذيب. وقد ظل  موحا هذا تلك الشخصية المقربة التي تعبر عني في غالب الأحيان.

أنا لا أنظر إلى الماضي، ولكن أخشى فقط أن يطغى التراجع على التعامل مع الناس الذين لا يفكرون بالطريقة التي نريد.  بالنسبة إلى ما جرى مع الحراك، فأنا أعتبره بداية لأمر لا يجب أن يتكرر. يقولون إن القضاء مستقل. طيب، ولكن ليس لدي دليل ملموس على هذه الاستقلالية. وبالنسبة إلي، فالأحكام الصادرة على نشطاء الريف سياسية أكثر مما هي قضائية. ولكن طبعا ليس لدي دليل على هذا أيضا.

في سنة 1971، التقيت صدفة بفاس مع الكومندان اعبابو، الذي قال لك إنه يحتفظ لك بمفاجأة كبيرة. ثم تبين أن هذه المفاجأة هي الانقلاب الفاشل على الحسن الثاني. كان يمكن أن تكون مشاركا في هذا الانقلاب؟

هذا هو الخوف الرهيب الذي اعتراني صبيحة العاشر من يوليوز 1971، لما وصلني خبر الانقلاب وسمعت اسم اعبابو في الراديو. كان يمكنه- للتذرع باليسار- أن يجندنا في الانقلاب ويرسلنا إلى الصخيرات للقيام بالمهمة القذرة. ولكن في الآن نفسه كنا نعلم كيف سيكون مغرب هذا العسكر: مغرب على النموذج السوري أو العراقي، أي نظام عسكري كان سيدمر هذه البلاد. لهذا، وأكثر من أي وقت مضى، أدعم الملكية بكل قواي. أعرف تماما ماذا كان سيقوم به هؤلاء الناس.

... مع غض الطرف عن بعض عيوب هذه الملكية؟

اعبابو ومن معه كانوا فاشيستيين. وقد عانينا (أنا وآخرون) الأمرين من العسكر طيلة 19 شهرا، وأنا متأكد أنهم كانوا سيتعاملون مع كل المواطنين المغاربة بنفس الطريقة.

في عام 1968 أصبحت مدرسا للفلسفة، وأول موضوع طرحته في الامتحان على التلاميذ هو "التفكير، يعني قول لا"، وهو استشهاد مقتبس من الفيلسوف الفرنسي آلان، لِمَ تقول "لا" اليوم؟

"لا" لكل ما يصلنا كأخبار، فليس كل ما ينشر صحيحا ودقيقا. يجب التحلي بدرجة عالية جدا من اليقظة. فنحن نتابع كيف يتم نشر العديد من الأخبار الزائقة لهذا السبب أو ذاك. والواقع، ليست لدي ثقة عمياء في كل ما ينشر، فأنا متوجس جدا.

في عام 1971،  وبما أنك لم تكن معربا، اضطررت إلى مغادرة التعليم الذي تم للتو تعريبه. وقد تساءل كاتب من جيلك بنوع من السذاجة طبعا: "كيف يعقل أن تترجم كتاب محمد شكري، 'الخبز الحافي'، بعد عامين بينما لم تكن تتقن اللغة العربية؟".. الكلمة لك للدفاع عن نفسك..

صحيح أنني لست معربا بشكل جيد. صحيح أنني لا أتقن اللغة العربية. ولكن لدي ثقافة مزدوجة، كما تجب الإشارة هنا إلى أن كتابة محمد شكري، بسيطة. وقد اكتشفت شيئا لما قررت كتابة سيرة حياته "الخبز الحافي": لم يكن هناك كتاب بالمعنى المتعارف عليه. فشكري كان يكتب مؤلفه شيئا فشيئا، وكنا نلتقي كل صباح في أحد المقاهي حيت كان يأتيني بثلاثة أو أربعة أوراق. وكنت أعكف على ترجمتها مع سؤاله عن بعض الكلمات والألفاظ. وقد ولد الكتاب هكذا.

في مقال منشور بصحيفة "لوموند" عام 1972،  اتهمت الكاتب الأمريكي بول بولز باستغلال "محليين في خدمته" لنشر استيهاماته. واليوم أنت متهم بكونك "عربي في الخدمة" بفرنسا...

لست في خدمة أحد، أو ربما أنا في خدمة بلادي لأنني أحبها، وأدافع عنها بوسائلي، ولكن لست في خدمة أي مؤسسة باستثناء "أكاديمية غونكور" لأنني انتخبت عضوا فيها. أنا لست في خدمة أي هيأة، سواء اقتصادية، أو سياسية، أو دينية. والذين ينتقدونني هم في الغالب الأعم أناس لم يطلعوا على أي من مؤلفاتي. والانتقادات الأكثر قسوة تصدر عن الذين لم يسبق لهم أن فتحوا دفتي كتاب. أنا لن أبدد وقتي في القول إنني شخص خير.  بل أقوم بعملي، وهو معرض للانتقاد تماما مثل كل كتبي، ولكل شخص الحرية التامة، قد يستسيغها وقد لا يحبها.

بعيدا عن الأدب، اكتشفت مؤخرا ميلا إلى الرسم، وهو أمر تلخصه في جملة واحدة "أرسم كما أكتب". فهل كان الهدف طمأنتنا؟

(يضحك)، أولا، كنت دائما أرسم وأخربش .. وقد شرعت، وأنا طفل صغير، في الرسم حتى قبل أن أتعلم الكتابة. وماحدث أنه منذ حوالي عشر سنوات، ساعدني صديق إيطالي على الانخراط في هذه المغامرة. إنها مغامرة لا يشوبها أي ادعاء. وأنا أتوخى الصدق، وأرسم وفقا لما يمليه علي حدسي. ويعجبني رسم ما هو مرح ومضيء لأن كتاباتي ليس دوما مرحة. فإن أعجبت هذه الرسوم بعض الناس فَبِهَا ونعم، وإن لم تعجب الآخرين فهذا حقهم. لست مدعيا في هذا المجال، ولست رساما جاء ليسرق إبداعات فنان آخر.

كيف يمكن وصف علاقتك بمحمد السادس؟

علاقة إعجاب واحترام.

هل قرأ مؤلفاتك؟

كلما أرسلت له كتابا أو أخبرته بأمر ما، كان يجيبني دوما كتابة.. يبعث لي رسالة جميلة بخط اليد، مكتوبة بعناية كبيرة. وهذا الأمر يسرني كثيرا وأعتبره شرفا. أعلم أنه يقرأ. مثلا، بعث لي، بعدما أرسلت له كتابي "العقاب"، رسالة جميلة يشكرني فيها. وقد قال لي محمد السادس إنه يكتب بنفسه، وكتابته جميلة. لدي ثلاثة رسائل وصلتني منه، وهي كلها جميلة.

بما أنك مزدوج الجنسية، فرنسي- مغربي، فلا شك أنك مهتم بقضية ألكسندر بنعلا. ما رأيك فيها؟

هذا مجرد هراء. لم أهتم بالأمر ولم أفهم تماما كل هذا الجدل. أحس بأن الصحافة لا شغل لها في الصيف.

إذن هو جدل لا يقوم على أساس في نظرك؟

طبعا، أن يقوم حارس شخصي بالاعتداء على متظاهر هذا ليس مقبولا، ولكن أن يتحول الأمر إلى قضية دولة ويطلب من وزير الداخلية الاستقالة، فهذا مبالغ فيه في نظري. إنه تعبير فقط عن السخط على ماكرون.

لنعد إلى الأدب، هل كان الوضع أفضل في السابق؟

أرفض رفضا باتا هذا التعبير، لأن هذا "السابق" لم يعد هنا، ومن الأفضل العيش في الحاضر. وأعتقد أنه يجب عيش الحاضر كما هو. لا يفيد في شيء إبداء الندم على ما فات أو الاستسلام للنوستالجيا. فالنوستالجيا هي الذكريات المصابة بالضجر، كما قال "ليو فيري"، وهو على حق.

فيما يخص الموسيقى، هل أنت تميل أكثر إلى محمد الحياني أم جورج براسانس؟

أستمع كل يوم إلى جاك بريل، جون فيرا، ليو فيري، بربارا، الذين كانوا شعراء. ولكن لدي أيضا إعجاب لا حدود له بناس الغيوان، منذ البداية. أحب كذلك الشعبي، مثل الحمداوية، وأستمع حتى لـ"دنيا باطما" و"الدوزي". ما أكره حقا هن تلك المغنيات اللبنانيات اللواتي أعيد تشكيلهن، ويغنين بدون روح. فلم أعثر بعد على فيروز أو أم كلثوم.

ترجمة هيئة التحرير