الطوزي والعبادي والرزرازي يسلطون الضوء على تحولات القيم المجتمعية بالمغرب

الشرقي الحرش

 احتضن سجن سلا 2 اليوم الأربعاء 24 مارس الجاري النسخة الثامنة للجامعة الربيعية، التي دأبت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج على تنظيمها سنويا.

 وشارك في هذه الدورة، التي اختارت موضوع "القيم المجتعية وتأهيل النزلاء للإدماج" العديد من الطلبة نزلاء المؤسسات السجنية "عن بعد"، تطبيقا للاجراءات الاحترازية.

 وعرفت الدورة تنظيم ندوة بعنوان "القيم: تأصيل المفهوم وعلاقته بالشأن السجني" أطرها كل من أحمد عبادي، رئيس الرابطة المحمدية للعلماء والأنتروبولوجي محمد الطوزي، ومصطفى الرزرازي، رئيس المرصد المغربي حول التطرف والعنف.

ضرورة إعادة استكشاف القيم

في هذا الصدد، أكد أحمد عبادي أن الحديث عن القيم المجتمعية يقتضي الانطلاق من الانتباه لهذه العلاقة العضوية بين القيم والمجتمع المحتضن، معتبرا أن الحديث كذلك عن تأهيل النزلاء للاندماج في سياق تناغم موضوع القيم كرابطة عضوية بالمجتمع يفرض كذلك الانتباه على ضرورة الانطلاق من هذه العلاقة بين ما هو مستمر ويحمل وسم القيم المجتمعية، وكذلك الانتباه إلى كينونة هذا الانسان المستقبل ذكرا كان أو أنثى، ومعرفة آليات الاستقبال لديه حتى يتمكن من تبني وتملك هذه القيم.

 واعتبر عبادي أن تناول موضوع القيم يحتاج إلى التخلص من التعميم، وإلا فإننا لن نجيب عن سؤال ماذا بعد؟

وأضاف "لا بد أن ندفع بالحديث إلى أبعاد فيها ذلك الاندماج العضوي في بناء معلومة من أجل أن نتحرك نحو ما هو وظيفي، فنحن نتحدث عن مجتمع اسمه المغرب، كان يسمى تاريخيا بالمغرب الأقصى، وقد عرف محاولات لتشكل دولة شبه وطنية مع ما سينيسا، وكذلك في الفترة الفنيقية، كما يمكن أن يتفكك إلى فسيفساء في حالة تلاشي اللحمة الوطنية، كما قال قال بول باسكون"، مشيرا إلى أن وضعية المغرب كانت تتغير، بحسب طبيعة القيم السائدة.

 ولفت عبادي أن القيم في المملكة المغربية تحتاج إلى إعادة استكشاف ما هو موجود في الأرشيفات أو الحفر في الأركيولوجيا، وكذلك ما هو مكتوب حتى نخرج من هذه العموميات ونحدد اختياراتنا، ونجيب على سؤال ما الذي نريد، مشيرا في الآن ذاته، أننا  لا ننطلق من فراغ، فهناك وثائق مؤسسة على رأسها دستور المملكة، فنحن لسنا على أرضية صلقع بلقع.

ودعا عبادي إلى النظر  إلى مستلزمات السياق العالمي كي نحدد اختياراتنا الوظيفية وكل ما تواطئنا عليه من مرجعيات، معتبرا أن هذه العملية لا يمكن أن تقع بشكل تلقائي، بل تحتاج إلى مؤسسات تقوم بعملها بشكل واعي وعلمي، مشيرا إلى أن الجامعة هي المحضن لهذا العمل، لكن يمكن لمراكز الأبحاث أن تقوم أيضا بدورها.

وشدد عبادي على ضرورة بناء الإنسان وتمليكه للقيم المجتمعية باعتباره هو الحاضن لها، سواء باعتباره فردا أو مجتمعا.

 ويرى عبادي أن القيم المجتمعية تواجه تحديات كبيرة في ظل العولمة والتطور التكنولوجي، وهو ما يستدعي مزيد من تنوير الناشئة دون السقوط في التحكم والحجر على اختيارات المواطنين والأفراد.

 من قيم الجماعة إلى قيم الفرد

من جهته، عرج محمد الطوزي على تعريف القيمة باعتبارها  الكيفية التي يرتب بها أي مجتمع الأشخاص والأشياء والأفعال، معتبرا أن كل مجتمع لديه ترتيب للأشخاص والأشياء، وهذا الترتيب يتغير بفعل عدة متغيرات

وأشار الطوزي أن المجتمع المغربي عرف تغييرات مورفولوجية، وانتقل من نظام العشيرة إلى مجتمع، كما انتقل من  مجتمعات بدوية إلى مجتمعات حضرية ، وهو ما أدى إلى تغير في القيم وفي أدوات انتاجها.

و لاحظ الطوزي أن هناك ضعف كبير على مستوى الأبحاث التي تتناول موضوع  القيم. مشيرا في هذا الصدد إلى أن البحث المعتمد حاليا هو الذي أجري سنة 2005 بمناسبة مرور 50 سنة على استقلال المغرب، لكن الملاحظ أن
هناك قيم بدأت تندثر، كما أن قيم الفرد بدأت تطغى على الجماعة وهذا بسبب التطور المورفوجي، الذي عرفه المغرب، إلا أن ذلك لا يلغي دور مؤسسة الأسرة التي لاتزال قائمة وتحظى بالثقة....
من جهة أخرى، اعتبر الطوزي أن المغاربة يتمثلون الحقيقة كقيمة مطلقة وليست نسبية، وهو ما يؤدي إلى إفراز أفراد غير متسامحين.

 مقابل ذلك، لازالت قيمة "المعقول" تحظى بأهمية كبيرة لدى المغاربة، ويزنون بها الأشخاص، بحسب الطوزي

القيم لا تختفي

 من جهته، اعتبر مصطفى الرزرازي، رئيس المرصد المغربي حول التطرف والعنق أن القيمة تترابط بشكل متساو بين الإدراك المعرفي الذهني والإدراك الوجداني والسلوكي.

 ولاحظ الرزرازي أن القيم حينما تفقد علاقتها بالمرجعية تتلاشى. مشيرا في هذا الصدد إلى دراسة قام بها حول الانتحار لدى القيميين الدينيين، معتبرا أن القيم الدينية لم تقف حاجزا ضد عملية الانتحار.

 ورأى الرزرازي أن تملك قيم المواطنة تحتاج إلى مواكبة اجتماعية، مشيرا في هذا الصدد إلى دراسة قام بها على عدد من الأسر التي تم تنقيلها من "الكاريانات" إلى سكن اقتصادي، وكيف قاومت هذه الأسر عملية التحول والدخول في قيم المدينة من انضباط وتعايش وأداء فواتير الماء والكهرباء، وغير ذلك.