الملك في 2017.. زلازل سياسية وقرارات غير مسبوقة

الشرقي الحرش

تميزت سنة 2017 التي يستعد المغاربة لتوديعها بعد أسابيع قليلة كباقي دول المعمور لبدء سنة جديدة بعدد من القرارات التي اتخذها الملك محمد السادس، والتي وصف بعضها بغير المسبوق.

سياسة العمق الإفريقي

في 30 من يناير 2017 أعلن رسميا عن عودة المغرب إلى منظمة الاتحاد الافريقي بعد عقود من تركه، احتجاجا على قبول عضوية البوليساريو فيه. وجاء الإعلان من العاصمة الايتيوبية أديس أبابا، بعد موافقة أغلبية أصوات الدول الأعضاء خلال اجتماع مغلق.

هذه العودة جاءت بعد تحركات مكثفة قادها الملك محمد السادس لتعبئة أصدقاء المغرب في القارة السمراء، ضد خصوم الوحدة الترابية. ففي رسالة إلى القمة الإفريقية 27 المنعقدة بالعاصمة الرواندية كيغالي أعلن الملك محمد السادس رسميا عن بدء المغرب في إجراءات العودة للمنظمة القارية وإنهاء عهد الكرسي الفارغ. وأوضح أنه "بعد تفكير عميق، بدا لنا واضحا أنه يمكن علاج الجسم المريض من الداخل بنجاعة أكبر من علاجه من الخارج".

وأضاف: "إن أصدقاءنا يطلبون منا، منذ أمد بعيد، العودة إلى صفوفهم، حتى يسترجع المغرب مكانته الطبيعية، ضمن أسرته المؤسسية، مؤكدا أن الوقت حان لذلك.

 ورغم إعلان غالبية الدول الافريقية مساندتها لقرار المغرب بالرجوع إلى الاتحاد الإفريقي، إلا أن الملك محمد السادس قرر في خطوة تحمل أكثر من دلالة، التوجه شخصيا إلى العاصمة الايثيوبية أديس أبابا نهاية يناير من العام الماضي للوقوف بنفسه على وضع اللمسات الأخيرة قبل إعلان قبول عودة المغرب رسميا لحضن الأسرة الإفريقية.

وقبل يوم الحسم من عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي نظم الملك محمد السادس مأدبة عشاء حضرها 42 رئيس دولة والحكومات الأعضاء بالاتحاد الافريقي، فضلا عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، كما أجرى مباحثات على انفراد مع رئيس غينيا ألفا كوندي، ورئيس غينيا الاستوائية، تيودور أوبيانغ نغيما مباسوغو، ورئيس رواندا بول كغامي، ورئيس الكونغو، دينيس ساسو نغيس، وهو ما كان له وقع إيجابي على دعم المغرب، وحسم المعركة لصالحه في 30 من يناير 2017، الذي سيظل يؤرخ لبداية عهد جديد لسياسة الملك محمد السادس في إفريقيا.

 وبحسب عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية ورئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات فإن سنة 2017 هي سنة بداية التفعيل الحقيقي لسياسة الملك محمد السادس في إفريقيا، وهو ما تأكد من خلال إعلانه عن قرار إحداث وزارة مكلفة بالشؤون الافريقية، وذلك في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة.

 وأضاف البلعمشي في تصريح لـ"تيلكيل عربي" أن سنة 2017 هي سنة الأجرأة الفعلية للسياسة الخارجية الجديدة للمغرب، والتي يأتي التوجه نحو إفريقيا على رأس أولوياتها، وفضلا عن ذلك فقد أصبح المغرب يعي جيدا أهمية تنويع شركائه، وهو ما ظهر جليا في الانفتاح على روسيا والصين، وتعزيز العلاقات مع دول الخليج العربي، مشيرا إلى أن موقف المغرب من الأزمة الخليجية، وتحديدا بين قطر والسعودية كان ذكيا ويصب في مصلحة المغرب، الذي نأى بنفسه عن الانحياز لطرف دون آخر.

 إعفاء بنكيران وتعيين العثماني

بعد خمسة أشهر من "البلوكاج" الذي عرفته مشاورات تشكيل حكومة بنكيران في ولايتها الثانية، قرر الملك محمد السادس إعفاء الأخير وتعيين شخصية أخرى بدله من حزب العدالة والتنمية.

 وقد جاء قرار الإعفاء، الذي أعلنه بلاغ للديوان الملكي مساء الأربعاء 15 مارس الماضي مباشرة بعد عودة الملك من جولة إفريقية قادته إلى عدد من الدول ليضع بذلك حدا لجدل سياسي ودستوري دام لأشهر، وصل بالبعض إلى المطالبة بتعديل الدستور من أجل السماح بإمكانية تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حل ثانيا في الانتخابات، إلا أن محمد السادس اختار الموقف الوسط، إذ أن إعفاؤه لبنكيران لم يمنعه من قرار تعيين شخص آخر بدله من نفس الحزب، وهو ما اعتبره متتبعون دلالة على قاطعة على تمسكه بروح الدستور، خاصة الفصل 47 منه الذي يمنحه حق تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول.

 وبحسب محمد غزالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط فإن طريقة إعفاء بنكيران كشفت عن وجود غضبة ملكية ضده، إذ أنه لم يستقبله كما كان منتظرا، بل إنه كلف مستشاريه بتبليغه الخبر، وهو ما وضع حدا لجدل "البلوكاج" الذي دام أشهرا.

 ولم يدم سوى وقت قصير على إعفاء بنكيران حتى عين الملك محمد السادس سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة، وطلب منه التسريع بتشكيل الحكومة خلال مدة لا تتجاوز 15 يوما، منهيا بذلك عهد بنكيران.

 وتعليقا على ذلك، قال محمد غزالي لـ"تيل كيل عربي""إن الملك قام بقراءة ديمقراطية للدستور حينما عين العثماني رئيسا للحكومة بدل اللجوء لخيارات أخرى غير ديمقراطية، وأثبت أن الحزب المتصدر للانتخابات هو المعني بتشكيل الحكومة، وبذلك يكون قد أغلق الباب في وجه قراءات غير ديمقراطية للدستور كانت تدعو لاستدعاء شخص من الحزب الثاني لتشكيل الحكومة".

زلزال إعفاء الوزراء

في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية بالبرلمان قال الملك محمد السادس "إن النموذج التنموي للمغرب لم يعد قادرا على تحقيق العدالة الاجتماعية، داعيا إلى إعادة النظر فيه بإشراك كل الكفاءات الوطنية وإلى "التحلي بالموضوعية، وتسمية الأمور بمسمياتها، واعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي".

ولم تتضح بعض معالم هذا الزلزال السياسي الذي تحدث عنه الملك إلا حينما ترأس أول اجتماع للمجلس الوزاري في عهد حكومة سعد الدين العثماني، وذلك في 25 من يونيو الماضي، وهو الاجتماع الذي انعقد في عز أزمة حراك الريف.

 في هذا الاجتماع، أصدر الملك أوامره بالتحقيق في أسباب تأخر إنجاز مشروع  "الحسيمة منارة المتوسط"، ومنع الوزراء المعنيين بالمشروع من الاستفادة من عطلتهم الصيفية.

ويوم الاثنين 2 أكتوبر استقبل محمد السادس  بالقصر الملكي بالرباط، رئيس الحكومة ووزير الداخلية ووزير الاقتصاد والمالية، والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، حيث قدم الوزيران خلاصات التقارير التي كان قد أمر بإنجازها، والمتعلقة بتنفيذ برنامج التنمية الجهوية "الحسيمة منارة المتوسط"، وهي التقارير التي همت المسؤولين المعنيين بهذا البرنامج، خلال التنفيذ، بمن فيهم الذين لم يعودوا يزاولون مهامهم ".

وقد خلصت التقارير إلى وجود تأخر، بل وعدم تنفيذ العديد من مكونات هذا البرنامج التنموي، مع استبعاد وجود أي عمليات اختلاس أو غش.

ولم يكتف الملك بتقارير المفتشية العامة لوزارة الداخلية ووزارة الاقتصاد والمالية بشأن المشروع المذكور بل إنه أعطى تعليماته لرئيس المجلس الأعلى للحسابات إدريس جطو بالبحث في الموضوع ورفع تقرير له في غضون عشرة أيام.

في 4 من أكتوبر الماضي، وبناء على التقرير الذي توصل به من طرف رئيس المجلس الأعلى للحسابات، حول تأخر إنجاز مشروع "الحسيمة منارة المتوسط"، قرر الملك محمد السادس إعفاء أربعة من أعضاء حكومة العثماني، هم: محمد حصاد، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، بصفته وزير الداخلية في الحكومة السابقة، ومحمد نبيل بنعبد الله، وزير إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، بصفته وزير السكنى وسياسة المدينة في الحكومة السابقة، والحسين الوردي، وزير الصحة، بصفته وزيرا للصحة في الحكومة السابقة،

العربي بن الشيخ، كاتب الدولة لدى وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي، المكلف بالتكوين المهني، بصفته مديرا عاما لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل سابقا، كما قرر إعفاء علي الفاسي الفهري، من مهامه كمدير عام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.

وطالت غضبة الملك أيضا مسؤولين سابقين في حكومة بنكيران، قرر تبليغهم عدم رضاه عنهم، لإخلالهم بالثقة التي وضعها فيهم، ولعدم تحملهم لمسؤولياتهم، مؤكدا أنه لن يتم إسناد أي مهمة رسمية لهم مستقبلا.

 عبد الحفيظ أدمينو، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، اعتبر في تصريح لـ"تيلكيل عربي" أن إعفاء الوزراء يعد أقوى قرار اتخذه الملك محمد السادس في هذه السنة، وهو ما يؤكد أن الجميع أصبح يخضع لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما اتضح كذلك في الإعفاءات الأخيرة التي طالت مسؤولين في وزارة الداخلية، التي كانت في مأمن من المحاسبة.

 من جهته، يرى محمد غزالي أن إعفاءات الملك للوزراء كانت بناء على تقارير تقنية محضة، ولم يكن فيها أي استهداف لتيار سياسي معين، خاصة أنها طالت عددا من المحسوبين على "دار المخزن"، واصفا الأمر بأنه كان قرارا جريئا، وأحد أقوى قرارات الملك لهذه السنة.

موقف رافض لسياسة ترامب

مباشرة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نيته الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وجه له الملك محمد السادس في 5 من دجنبر الجاري رسالة أكد فيها رفضه المساس بالمركز  القانوني والسياسي للقدس، وضرورة احترام رمزيتها الدينية والحفاظ على هويتها الحضارية العريقة، كما اعتبر في رسالة للأمين العام الأمم أنطونيو غوتيريس أن المساس بالوضع القانوني والتاريخي المتعارف عليه للقدس، ينطوي على خطر الزج بالقضية في متاهات الصراعات الدينية والعقائدية، والمس بالجهود الهادفة لخلق أجواء ملائمة لاستئناف مفاوضات السلام

 ويرى عبد الفتاح البلعمشي، أستاذ العلاقات الدولية أن موقف الملك محمد السادس من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل كان منتظرا، خاصة أنه رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي، كما أن موقفه يؤكد حرص المغرب على تجنب إشعال المنطقة بحروب أخرى دينية وعقدية، وهو ما استدعى تحركه على أكثر من واجهة، فضلا عن استدعاء القائم بأعمال السفارة الأمريكية بالرباط، والتعبير له عن الانشغال العميق للمغرب حول الخطوة الأمريكية الجديدة.