النموذج التنموي الجديد.. الخبير الرهج: يجب تفعيل مبدأ مساواة المغاربة أمام الضريبة

المصطفى أزوكاح

ستكون الضريبة رافعة من رافعات النموذج التنموي الجديد، الذي يتصور خبراء أن بلوغ أهدافه، يبقى رهينا بتجاوز الاختلالات التي تخترق النظام الجبائي الحالي، عبر توسيع الوعاء وتجسيد مبدأ المساواة أمام الضريبة، بما يساعد على خفض الضغط الجبائي على الملزمين النجباء ويفضي لتعظيم موارد الدولة.

ويتصور الخبير المغربي في المالية العمومية، محمد الرهج في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، أنه يتوجب الإحاطة جيدا بتمويل النموذج التنموي المرغوب، هذا ما يدفعه إلى التأكيد على أن الضريبة ستكون رافعته الأساسية، على اعتبار أن المغرب يراهن عليها كثيرا في ظل عدم توفر مصادر أخرى، غير المديونية التي يستأنس بها عند لا تكفي الإيرادات الجبائية.

يفترض الرهج أنه يجب على المغرب التوجه نحو التفعيل الحقيقي للمبدأ القاضي بأداء جميع الملزمين للضريبة، وهو ما يجد تعبيره في الفصل 39 من الدستور، الذي ينص على أنه " على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في الدستور. تفعيل ذلك المبدأ يساهم في تصوره في لعب الضريبة دورها التمويلي والتوزيعي والاقتصادي.

وعندما يلح الرهج على المساواة أمام الضريبة، فلأنه يعتقد أن سيكون على المغرب، في إطار سعيه للوصول إلى نظام تنموي محفز للنمو ومحدث لفرص العمل ومقلص للفوارق، أن يعيد النظر في بعض الممارسات، التي تفضي إلى رفع الضغط الجبائي على بعض الملزمين دون غيرهم.

ويتصور أنه يجب إعادة النظر في الإعفاءات والاستثناءات التي تخص بها الدولة بعض القطاعات، حيث يشير إلى أنه إذا ما استمر العمل ببعضها، فسيكون ذلك مرتبطا بدفتر تحملات، في أفق الاستعاضة في الخمسة أعوام المقبلة عن الإعفاءات والتحفيزات بمخصصات مباشرة.

وتبلغ قيمة الإعفاءات الجباية بالمغرب حوالي 30 مليار درهم، غير أن ذلك المبلغ يعكس التأثير الجبائي دون أخذ بعين الاعتبارات السيوسيو اقتصادية.

ويعتبر القطاع العقاري هو أول مستفيد من التحفيزات الجبائية، حيث يوزع الدعم بين الموجه للمستثمرين والأسر المقتنية للسكن الاجتماعي، يأتي بعد ذلك قطاع الطاقة والتصدير، وتمثل الضريبة على القيمة المضافة 53 في المائة على مستوى التحفيزات الجبائية، بينما تشكل الضريبة على الدخل 16 في المائة،  والضريبة على الشركات 16 في المائة.

وقد تجلى في النقاش الذي واكب المناظرة الوطنية الثالثة حول الجباية في ماي الماضي، أن بعض الصناعيين تخلوا عن نشاطهم وتحولوا إلى العقار الذي يستفيد من تحفيزات مغرية للمستثمرين.

هذا ما يفسر فكرة التوجه نحو إخضاع الصناعة والقطاعات التي تقوم على الابتكار لمعدل 20 في المائة برسم الضريبة على الشركات، بينما سيتم إخضاع القطاعات المحمية أو الاحتكارية، التي لا تتعرض للمنافسة في السوق لسعر ضريبة مرتفع.

ويعتقد الرهج أنه يتوجب، في سياق الإصلاح الجبائي، من أجل توفير هوامش تتيح خفض الضغط عن الملزمين النجباء وبلوغ هدف إعادة التوزيع. (يتوجب) مساهمة القطاع غير المهيكل، الذي يعني به الفاعلين الكبار فيه  الذين لا يساهمون في المجهود الجبائي للدولة.

ويحيل على دراسة أنجزها مكتب "رولان بيرجي" لفائدة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والتي خلصت إلى أن  القطاع غير المهكيل يمثل 20 في المائة من الناتج الإجمالي المحلي دون احتساب الفلاحة، حيث يقدر ب170 مليار درهم في العام، من بينها 30 مليار درهم لا تحصلها الإدارة الجبائية.

ويشير إلى أن السعي لتجسيد مبدأ العدالة أمام الضريبة، يقتضي محاربة الغش والتملص والتهرب الضريبي، مشددا على ضرورة تجريم تلك الممارسات، التي تساهم بالإضافة إلى التحفيزات والإعفاءات والقطاع غير المهيكل، في حرمان حزينة الدولة من حوالي 100 مليار درهم من الإيرادات الجبائية، حسب تقديرات الرهج.

ورغم النوايا التي أعلنت عنها توصيات المناظرة الوطنية للجبائية بالصخيرات في ماي الماضي، يشدد الرهج على أن الرهان اليوم بالنسبة للمغرب يتمثل في تحقيق المساواة أمام الضريبة، فلايعقل في رأيه ألا يؤدي المستغل الذي يحقق رقم معاملات يقل عن 5 ملايين درهم الضريبة، بينما يتوجب على أجير يربح 500 ألف درهم في العام أن يؤدي 38 في المائة برسم الضريبة على الدخل.

ويسجل محمد الرهج أن القوانين الجبائية تعلن عن الرغبة في تحقيق نوع من الإنصاف الجبائي، غير أن الضغط الذي تمارسه بعض الفئات المهنية، يفرغه من محتواه. فبعد 35 عاما من وضع القانون الإطار، في ظل برنامج التقويم الهيكلي، جرى اعتماد 22 نظاما استثنائيا و416 تدبيرا يقيم إعفاءات، ما يفرغ القوانين الجبائية من محتواها، وينال من مبدأ المساواة أمام الضريبة، هذا ما يدفعه إلى التأكيد على أن  المبادىء التي يعلن عنها القانون الإطار للضريبة، يبقى تجسيدها رهينا بمدى الحرص على ترجمة مبادىء الإنصاف عبر قوانين المالية.