"بالسينما.. نحارب النسيان"... فلسطين في قلب مهرجان مراكش ودرويش الغائب حضر

صورة مؤرخة في 25 نونبر 2023، للمخرجة الفرنسية الفلسطينية، لينا سوالم، على السجادة الحمراء في المهرجان الدولي للفيلم في مراكش © متوفر بواسطة AFP
بشرى الردادي

فلسطين كانت حاضرة في قلب مراكش. من قال إن مهرجانه الدولي صمت عن الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في فلسطين، واحتفل في الوقت الذي يباد فيه الفلسطينيون؟ ومن قال إن السينما ترفيه وليست آلة لحشد التعاطف؟ يبدو أنه قفز على محطات كثيرة مرت خلال دورته العشرين.

يكفيه أن يلقي نظرة على قائمة المتوجين، ليجد بينهم المخرجة الفلسطينية، لينا سوالم، التي توجت بـ"جائزة لجنة التحكيم"، عن فيلمها "باي باي طبريا"، وأن يعيد متابعة الكلمات والتصريحات التي صدح بها مجموعة من أهل الفن؛ من بينهم المخرج المغربي، فوزي بنسعيدي، لحظة تكريمه.

فوزي الذي استحضر على منصة المهرجان روح شاعر القضية الفلسطينية الراحل، محمود درويش.

بالسينما.. نحارب النسيان

"أشكركم على الاحتفاء بقصص النساء الفلسطينيات في عائلتي؛ لأنني رأيت نضالاتهن، وشعرت بقوتهن، وحزنت على خسائرهن وتقبلت تعقيداتهن"، بهذه العبارة بدأت لينا رسالتها إلى لجنة التحكيم "الرائعة".

وأهدت المخرجة الفلسطينية جائزتها لـ"جميع الفلسطينيين الذين يحاولون العثور على مكانهم في العالم، ويحتاجون إلى أن ينظر إليهم بإنسانيتهم الكاملة".

وتابعت المخرجة التي تحمل دماء فلسطين من جهة أمها: "بينما نشهد بدء القصف العنيف، من جديد، على غزة، يبدو أنه ليس هناك ما يكفي من الفظائع التي يتعرض لها الفلسطينيون لدفع المجتمع الدولي إلى المطالبة، بشكل لا لبس فيه، بوقف الأعمال العدائية".

واقتبست لينا سوالم في رسالتها المؤثرة من الكاتب الفلسطيني، كريم قطان: "غزة ليست فكرة مجردة. إنها شواطئ وشوارع وأسواق ومدن بأسماء زهور وفواكه، ليست تجريدا، بل أماكن وحياة وأشخاص يتم قصفهم في غياهب النسيان"، قبل أن تختم: "أجيب على هذا: من خلال أفلامنا ومن خلال قصصنا، نحارب النسيان".

من غير درويش في لحظات الفرح الحزينة؟

كانت فلسطين وشاعرها الذي لا يموت أبدا، محمود درويش، حاضرا في مهرجان مراكش، من خلال الكلمة التي ألقاها المخرج المغربي، فوزي بنسعيدي، لحظة منحه "النجمة الذهبية"، تكريما لما قدمه للفن السابع.

"ما يقلقني في هذا العصر الذي يكتسب فيه التطرف المزيد من الأرض، هو أن أقول لنفسي، أحيانا، أليست هذه السينما تعبيرا عن عصر ما؟ لأن اليقين، للأسف، هو بداية التطرف. فعندما نقول، دون شك ودون فارق، هذا جيد، يستحق الحياة، وهذا سيء، يستحق الموت، فهي بداية النهاية"، هكذا عبر بنسعيدي عن حزنه، رغم الفرح بالتتويج.

وتابع صاحب فيلم "الحافة": "أقول ذلك؛ لأن المخرج لا يمكن أن يكون في مأمن من ضجيج العالم، وضجيج العالم في هذه اللحظة فظيع ومؤلم ومأساوي".

وختم بنسعيدي كلمته بالقول: "نحن نعيش لحظة مأساة، لحسن الحظ، أن هناك شعراء، هناك من يرافقني، كلماته ملجأ، الشاعر الفلسطيني الكبير، محمود درويش، أود أن أقدم لكم هذا المساء، بكل صداقة، بعض أبياته:

إلى أَين تأخُذُني يا أَبي؟
إلى جِهَةِ الريحِ يا وَلَدي...

... وَهُما يَخْرُجانِ مِنَ السَهْل، حَيْثُ
أَقام جنودُ بونابرتَ تلاَّ لِرَصْدِ
الظلال على سور عَكَّا القديم –
يقولُ أَبٌ لابنِهِ: لا تَخَفْ. لا
تَخَفْ من أَزيز الرصاص! إلتصِقْ
بالتراب لتنجو! سننجو ونعلو على
جَبَلٍ في الشمال، ونرجعُ حين
يعود الجنودُ إلى أهلهم في البعيد

لماذا تركتَ الحصان وحيداً؟
لكي يُؤْنسَ البيتَ، يا ولدي،
فالبيوتُ تموتُ إذ غاب سُكَّانُها...

فقدان الذاكرة الجماعي لشعب يكافح

"في إحدى الليالي، يستيقظ رجل على الطريق مصابا بفقدان الذاكرة. أمام المسجد، يتوسل لمجموعة من الرجال للمساعدة، قبل الدخول للصلاة. ثم يتتبع طريقه عبر المدينة، ويكتشف الحقيقة الصادمة: إنه عميل إسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. أثناء محاولته الهرب، يقتل شابا. تعتقله الشرطة الفلسطينية، لكنها تواجه معضلة: إذا أعيد إلى تل أبيب، فلن ترى عائلة الضحية العدالة تتحقق أبدا، بسبب وفاة ابنها. فما الذي سيحدث؟"، هذه قصة المشروع السينمائي "Blood like Water"، أو "دماء أشبه بالماء"، لمخرجته الفلسطينية، ريما حمدان، والذي شارك في "ورشات الأطلس"، وفاز بجائزة تبلغ قيمتها 30 ألف يورو.

ورغم أنها غابت عن فلسطين؛ حيث تقيم حاليا ببرلين، إلا أن بلدها لم تغب عن بالها أبدا، حينما قالت ريما في وصفها لمشروعها: "بعيدا عن كون الاحتلال مجرد ظاهرة جسدية أو جغرافية، فهو أيضا ظاهرة عقلية وعاطفية، يصعب وصفها لأي شخص لم يختبرها من قبل. هذا يعني عدم السيطرة مطلقا على حياتك الخاصة، وعدم وجود خيار أمامك سوى الاختيار بين شرين، والاضطرار إلى الاكتفاء بمقارنة هذه المعاناة لاتخاذ القرارات".

وتابعت مسلطة الضوء على ما يقع على يد الاحتلال: "إن الكارثة المستمرة التي تتكشف في غزة تشهد على هذا الواقع الوحشي. فقدان الذاكرة لا يتعلق فقط بفقدان ذاكرة إيتان، أثناء محاولته الهروب من الشعور بالذنب الذي يطارده. إنه يعكس فقدان الذاكرة الجماعي لشعب يكافح من أجل تذكر فترة من تاريخه، عندما كانت هناك إمكانية الاختيار والأمل، بدلا من اليأس".