بالصوت والصورة.. شهادات مغاربة بيعوا كالعبيد في ليبيا

الشرقي الحرش

ارتفع عدد قتلى هجوم المشير حفتر على مركز لإيواء المهاجرين في ليبيا إلى 53 قتيلا. الحادث يعيد إلى الواجهة مأساة آلاف اللاجئين والمهاجرين السريين الذي يجدون أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه. "تيل كيل عربي" كانت قد أنجزت تحقيقا يعكس هذه المأساة في إحدى أبشع صورها، والتي لا زالت واقعا معيشا لم يتغير. نعيد نشره لنصلط الضوء على ما يعانيه مغاربة حملته الظروف على اللجوء إلى الهجرة، وإن بالطريقة الخطأ.

******

تحول حلم الوصول إلى "الفردوس الأوروبي" عبر ليبيا إلى كابوس مخيف يؤرق مضجع أزيد من 200 عائلة مغربية، بعدما وجد أبناؤها أنفسهم قد وقعوا ضحية عملية نصب من قبل عصابات الهجرة غير الشرعية، قبل أن يتم احتجازهم من طرف القوات الليبية في مركزي "طريق السكة" في طرابلس ومركز زوارة القريب من الحدود التونسية.

عصابات عابرة للحدود تتاجر في البشر

معظم أقرباء المحتجزين الذين اتصلت بهم تيلكيل عربي أكدوا أن ذويهم دفعوا حوالي اربعة ملايين سنتيم للحراكة والسماسرة مقابل تسهيل عملية وصولهم إلى إيطاليا.

الحاج صالح، وأنس، وفاطمة... كلهم سماسرة مغاربة يشتغلون مع قادة شبكة للهجرة السرية في ليبيا، ردد أسمائهم  جل الذين تحدثوا ل"تيلكيل عربي" من عائلات المحتجزين، لكن مولاي اسماعيل السملالي، أب المهدي السملالي المحتجز في مركز طريق السكة بطرابلس، أوضح للموقع أن الأسماء المتداولة أغلبها مزيفة وغير حقيقية.

"ابتسام ع" أخت أحد المحتجزين كشفت في اتصال مع الموقع أن شقيقها دفع حوالي 4 ملايين سنتيم لأحد السماسرة بمدينة الفقيه بنصالح من أجل تسهيل عملية وصوله لإيطاليا، مشيرة إلة أنه ذهب رفقة اثنين من عائلته نحو الجزائر قبل أن ينتهي بهم المطاف في ليبيا، ويجد نفسه ضحية لمليشيات الهجرة السرية والاتجار في البشر.

وكشفت المتحدثة أن هذه الشبكات بدأت تهدد العائلة بتصفيته إذا لم يدفعوا ما يطلبونه منهم من أموال، مشيرة إلى أنهم رضخوا لمطالبهم وبعثوا الأموال مع أحد السماسرة.

مغاربة يباعون

رواية "ابتسام ع"، أكدها أحد المحتجزين في ليبيا في اتصال مع "تيلكيل عربي"، طلب عدم الكشف عن هويته خوفا على سلامته. وأوضح "ع أ" ، في اتصاله مع الموقع أنه دفع 4 ملايين سنتيم لأحد السماسرة مقابل ايصاله لإيطاليا، قبل أن يجد نفسه رهينة رفقة العشرات من المغاربة في يد إحدى العصابات بليبيا، التي دخلها عبر الحدود الجزائرية.

وأضاف "قامت العصابة باحتجازنا، وربطت الاتصال بمتزعم شبكة الهجرة السرية، وعرضت عليه بيعنا، وبعد مفاوضات بينهم اشترانا وخيرنا بين دفع ضعف المبلغ الذي دفعه من أجل تخليصنا من العصابة، أو إعادتنا إليهم، فما كان منا إلا أن أدعنا لشروطه، قبل أن يقتحم الجيش الليبي الدور التي كنا نقطنها في صبراتة، ويقوم باعتقالنا، ومن تم ترحيلنا إلى مركز للاحتجاز". "حينما تصل إلى ليبيا، وتصبح بين يدي عصابات الهجرة السرية، تنتفي آدميتك، وتصبح عبدا تنفذ كل شيء يطلب منك، هنا السلاح منتشر، ويمكن أن تقتل في أي لحظة، دون أن يسمع أحد بخبر وفاتك". يقول محتجز آخر ينحدر من مدينة سيدي بنور لـ"تيلكيل عربي"، قبل أن يستطرد "لقد تمكنت من التواصل معك بعد عناء طويل، ويمكنني أن أتعرض للتعذيب والضرب إذا ما علم مسؤولو المركز أنني أوصل معاناة المحتجزين للرأي العام المغربي، لذلك رجاء لا تذكر اسمي".

المصدر ذاته، كشف أن سبعة من المغاربة المحتجزين تعرضوا للضرب والتعذيب الشديد على يد مسؤولي المركز، بعد تسريب شريط فيديو يكشف معاناة المحتجزين. وأضاف "الأوضاع في مراكز الاحتجاز مزرية جدا، ولا نتوفر على الدواء، ولا على أدوات النظافة، "القمل قتلنا أخويا"، وبغينا الملك ديالنا يدير لينا شي حل، بغينا نرجعو غير لبلادنا" .

ليبيا تحمل المغرب مسؤولية المأساة

بعد مرور أشهر على احتجازهم في ليبيا، لجأ المحتجزون المغاربة إلى تسجيل فيديوهات ونشرها على صفحة جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبي لحث السلطات المغربية على التدخل من أجل ترحيلهم، قبل أن يعلنوا دخولهم في اضراب عن الطعام احتجاجا على عدم تجاوب حكومة سعد الدين العثماني معهم. أنور أبو ديب، رئيس مركز زوارة أوضح، في اتصال هاتفي مع "تيلكيل عربي"، أن أكثر من 200 مغربي يوجدون في المركز من بينهم قاصرين، مشيرا إلى أنهم يحظون برعاية مسؤولي المركز إلا أن السلطات المغربية لم تتدخل بعد من أجل ترحيلهم، خاصة أن كثيرين منهم لا يتوفرون على جوازات سفر.

وأضاف المسؤول الليبي "السلطات الليبية مستعدة لترحيل هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من اليوم، لكن السلطات المغربية لم تتدخل بعد من أجل توفير وثائق لهؤلاء، والتأكد من هوياتهم".

أنور أبو ديب، نفى تعرض نزلاء المركز للتعذيب، وقال "إن المركز مفتوح في وجه كل الهيئات والجمعيات الحقوقية، وإذا كانت هناك منظمة حقوقية مغربية تريد زيارته، سنسهل لها الإجراءات من أجل القيام بمهمتها فليس لدينا ما نخفيه".

ولم يتردد محدثنا في  التجاوب مع رغبة "تيل كيل عربي" ، إذ سهل ربط الاتصال بين الموقع ونزلاء المركز من المغاربة. أول من التقط الهاتف مصطفى لخضر، محتجز ينحدر من نواحي مدينة خريبكة، متزوج وأب لسبعة أطفال "إن كل ما يطلبه المحتجزون هو العودة إلى بلادهم"، مستغربا إهمالهم من طرف السلطات المغربية مقابل تدخل باقي الدول لإعادة رعاياها كما هو الشأن بالنسبة للجزائر ومصر، ونيجيريا.  وأضاف "حينما نتحدث مع مسؤولي المركز حول ترحيلنا يجيبوننا أن الأمر بيد السفارة المغربية بتونس، ونحن لا زلنا في انتظار تدخل ملكي لإيقاف معاناتنا، ومعاناة أسرنا"، مشيرا إلى أنهم دخلوا في اضراب عن الطعام احتجاجا على هذا الإهمال لكنهم أوقفوه، لأنه "لا فائدة من الإضراب عن الطعام، فلا أحد يهتم بنا".

من جهته، قال عاش محمد، أب لأربعة أطفال، وينحدر بدوره من مدينة خريبكة "منذ مدة ونحن في هذا المركز، ولا أحد اهتم بنا من السلطات المغربية، وحينما نسأل الليبيين يجيبوننا إن المشكل في حكومة بلدكم".

محمد عاش، كشف في حديثه إلى "تيلكيل عربي" أنه كان محتجزا لمدة 3 أشهر عند أحد متزعمي شبكة الهجرة السرية بليبيا.  وقال إنها كانت من أصعب اللحظات في حياته، حيث لم يدق الطعام لأيام، بعدما دفع حوالي 5 ملايين سنتيم من أجل بلوغ الضفة الأخرى، بحثا عن ظروف أفضل لإعالة زوجته وأطفاله، إلا أن حلمه اصطدم بصخرة الواقع، ووجد نفسه لقمة سائغة في يد عصابات تهريب البشر.

وطالب محمد عاش السلطات المغربية ببدل كل ما في وسعها من أجل إنقاذه وباقي المغاربة من جحيم الاحتجاز، وإعادتهم إلى حضن ذويهم وأسرهم.

الصورة التي قدمها أنور أبو ديب عن مركز زوارة لا يتقاسمها معه أحمد حمزة، مقرر اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، هذا الأخير وصف أوضاع المحتجزين المغاربة بالمأساوية والكارثية للغاية، وقال "إنهم يعيشون في معتقل يفتقر لأبسط ضروريات الحياة من تغذية جيدة، وتطبيب"، مضيفا أنها أماكن تمتهن فيها كرامة الإنسان.

وأضاف أحمد حمزة "إننا نتابع عن كتب ما يكابده الإخوة المغاربة في أماكن الاحتجاز، ولا يمكننا إلا أن نتضامن معهم، ونستنكر الأضاع الكارتية التي يعيشونها، لكن وزارة الداخلية الليبية والمنظمات المهتمة بالموضوع أكدوا لنا أن ترحيل هؤلاء يبقى رهينا بموافقة السلطات المغربية التي لم تقم بأي إجراء في هذا الشأن لحد الآن".

ودعا الحقوقي الليبي السلطات المغربية إلى التعاون مع نظيرتها الليبية من أجل ترحيل المغاربة المحتجزين، وإنهاء معاناتهم.

من جهته، قال جمال المبروك رئيس منظمة التعاون والإغاثة العالمية المهتمة بالهجرة غير الشرعية في اتصال مع "تيلكيل عربي" إن السلطات الليبية أعدت جميع البيانات والكشوفات المتعلقة بالمحتجزين المغاربة، ولا تنتظر سوى تجاوب السلطات المغربية، مشيرا إلى أن منظمة الهجرة العالمية دخلت بدورها على خط القضية، وأعلنت استعدادها لترحيل المغاربة على نفقتها.

جمال المبروك، وصف الوضع النفسي للمحتجزين المغاربة بالصعب، وقال إنهم يعيشون انتظارا وترقبا دائمين، معبرا عن أمله في أن تتدخل السلطات المغربية قريبا لإنقاذهم.

ذفي السياق ذاته، كشف أيمن السنوسي، طبيب ليبي يشتغل لدى منظمة الهجرة الدولية في حديث مع "تيلكيل" عربي أن الأطقم الطبية للمنظمة قدمت عددا من المساعدات الطبية لبعض المغاربة الذين كانوا على حافة الموت، مشيرا إلى أن منهم من استدعت حالته الصحية وضعه بقسم الإنعاش.

 وأضاف "نحاول أن نعمل كل ما في وسعنا لكن الحل يبقى رهينا بتدخل المغرب من أجل إنقاذ هؤلاء"، مبرزا أن عددا من الدول الإفريقية تدخلت وقامت بترحيل رعاياها، فيما لازال المغاربة يناشدون دولتهم التدخل.

رد السلطات المغربية

حاول موقع "تيلكيل عربي" الحصول على معطيات حول الموضوع  السبت  الماضي من عبد الكريم بنعتيق الوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، إلا أنه طلب إعادة الاتصال بسبب تزامن الاتصال مع تناوله وجبة الغداء، إلا أنه منذ ذلك الحين لم يعد يرد على اتصالات الموقع التي استمرت إلى غاية مساء الأحد.

وكانت الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة قد أصدرت بلاغا يوم الجمعة الماضي قالت فيه "إنها تتابع عن كتب وضعية المغاربة العالقين بليبيا، وتشتغل بجدية كبيرة وبتكامل تام مع كافة المؤسسات الأخرى المعنية بهذا الملف قصد إنجاح عملية ترحيل المواطنين إلى أرض الوطن في ظروف تحفظ سلامتهم" .

من جهة أخرى، شدد مصدر حكومي آخر، في اتصال مع "تيلكيل عربي"، أن وزارة الخارجية في شخص ناصر بوريطة تتابع الموضوع عن كتب، مشيرا إلى أن السلطات المغربية وضعت إعادة المواطنين المغاربة إلى وطنهم على رأس أولوياتها. وفي انتظار ثمار تلك المجهودات، هناك مغاربة بينهم وبين الموت خيط رفيع.