بعد الطوارئ الصحية.. العودة العسيرة لدوران عجلة الاقتصاد

أحمد مدياني

شرعت مجموعة من القطاعات في استئناف نشاطها الإنتاجي والتجاري والخدماتي قبل يوم الـ10 من يونيو 2020، تاريخ انتهاء فرض حالة الطوارئ الصحية في مرحلتها الثالثة.

عودة لا تعني بالضرورة رفع الحجر على جيوب ملايين الأسر التي فقدت دخلها أو قل بسبب تفشي جائحة فيروس "كورونا". ولا يعني ذلك أيضاً  دخول مرحلة التعافي، كما تخبر بذلك الخطط وخرائط الطريق والدلائل العلمية التي أعدتها كل وزارة لرسم معالم إعادة تدوير عجلة الاقتصاد .

"تيلكيل عربي" استقى أراء مجموعة من المهنيين والفاعلين الاقتصاديين والنقابات بشأن أوضاع ما بعد رفع الحجر الصحي، كما بحث لدى الوزارات عما أعدته بشأن فئات اجتماعية، سوف ينتهي الحجر الصحي ولن ينتهي معه الحجر على مصدر معيشها، خلال الأشهر القليلة المقبلة.

هل تستطيع الدولة الدفع باستعادة القدرة الشرائية للمواطنين لعافيتها؟ وكيف ستنقذ الآلاف من ضياع مناصب شغلهم؟ وماذا عن القطاعات غير المهيكلة أو التي توفر فرص شغل غير مباشرة؟ كيف تخطط لإنقاذ من يعملون في القطاع السياحي المرتبط أساساً بإعادة فتح الحدود الجوية والبحرية؟ وهل يستطيع الطلب الداخلي تعويض بعض من خسائر السياحة؟ وماذا عن العقار، القطاع الذي يوفر آلاف مناصب الشغل، والذي دخل في ركود بسبب الجائحة، ما عمق من الأزمة التي كان يواجهها؟ وماذا عن التجارة ومهنيي النقل وأرباب المقاهي والمطاعم؟

أسئلة وأخرى يجيب عنها "تيلكيل عربي" في هذا الملف على لسان من يعيشون يوميات واقع ينذر بأزمة ستطول إلى نهاية العام الجاري، وسترخي بظلالها على العام المقبل.

فقدان مناصب الشغل.. وقطاع خاص هش

تسببت جائحة فيروس "كورونا" في فقدان وتعليق آلاف مناصب الشغل في القطاع الخاص، فضلاً عن تجميد مباريات التوظيف في القطاع العام، وتقليص مدخول الأجراء الذين وجد عدد كبير منهم أنفسهم أمام إكراه انتظار تعويض قدره 2000 درهماً من الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل ميلودي مخارق قال، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، عن تقييم نقابته لتداعيات جائحة "كورونا" المستجد على الأوضاع المعيشية للمغاربة، إن  "مجال الشغل والطبقة العاملة المغربية، بصفة خاصة، يعيشان أوضاعا جد صعبة على ضوء هذه الجائحة الوبائية، ويمكن أن أقول إن المستخدمين في القطاع الخاص سوف يؤدون الثمن غاليا".

مخاريق لم يكن متفائلا في حديثه، واعتبر أن الأزمة سوف تطول ولو بعد أشهر، ولا يمكن، بحسبه، أن تنتهي برفع حالة الطوارئ الصحية وإعادة تدوير عجلة الإنتاج.

وكشف المتحدث ذاته أن الاتحاد المغربي للشغل أحصى "طرد ما يفوق عن 690 ألف أجير وأجيرة من القطاع الخاص، خلال فترة الحجر الصحي". وأضاف: "لنا أن نتخيل فقط هذا العدد من المطرودين كم يعيل من أسرة. زيادة على كل هذا، هناك من بقي في عمله ولكن تقلص أجره بسبب تقليص ساعات العمل أو العمل بالتناوب".

في المقابل، أوضح وزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز، حين طرح عليه "تيلكيل عربي" رقم الذين "فصلوا" عن العمل خلال فترة الحجر الصحي، كما جاء على لسان الأمين العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، أن "هذا الرقم مبالغ فيه، ولا يمكن تأكيده من طرف الوزارة".

وتابع الوزير أن "عدد الذين توقفوا عن الشغل بسبب الجائحة أكبر بكثير، ولكن هناك اتفاق مع المقاولات التي توقفت عن العمل، بأن تعيد كل هؤلاء إلى وظائفهم بمجرد استعادة عافيتها، واستئناف نشاطها الاقتصادي والإنتاجي أو الخدماتي والتجاري".

وبخصوص هذا الجانب، صرح القيادي النقابي ميلودي مخاريق أن "النقابات اتفقت مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني على ضرورة عدم اعتبار من فقدوا شغلهم بسبب الجائحة مطرودين من العمل، بل فقط توقفوا استثنائيا عنه، وبعد فترة يجب إعادتهم إلى وظائفهم".

وعن وجود ردود فعل إيجابية بهذا الخصوص، رد مخاريق: "رغم هذا الاتفاق مع رئيس الحكومة، إلا أننا لا نتوقع أن يكون هناك رد فعل إيجابي من طرف أرباب المقاولات".

وتطرق الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل إلى المقترحات التي جاء بها الاتحاد العام لمقاولات المغرب، مؤخراً، ومن بينها تأجيل الزيادة في الحد الأدنى للأجر والمطالبة بتخفيض الأجور في كل المقاولات، سواء كانت مربحة أو غير مربحة، بنسب تصل إلى 50 في المائة، ووصف هذه المقترحات بأنها "غير معقولة".

وشدد المتحدث ذاته على ضرورة أن "تعمل الحكومة في إطار سياسة الحفاظ على مناصب الشغل، والقطع مع استغلال هذه الجائحة للتخلص من العمال، خاصة أن المقاولات شرعت في استهداف الذين يستفيدون من الأقدمية والحقوق الاجتماعية والأجور اللائقة، واستبدالهم بعد رفع الحجر الصحي بأجراء بعقود عمل محدودة".

وانتقد مخاريق أيضاً ما طالب به الاتحاد العام لمقاولات المغرب وسماه "البطالة الجزئية"، وعاب على نقابة "الباطورنا"، أنها "طرحت هذا المطلب بدون التشاور مع النقابات بخصوصه"، وزاد قائلا "نحن نمثل أكبر عدد من المستخدمين في القطاع الخاص، وسوف نواجه كل ما يمس استقرار الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للمستخدمين".

في السياق ذاته، طرح وزير الشغل والإدماج المهني محمد أمكراز أن "النسيج الاقتصادي المغربي يتشكل من المقاولات الصغرى والمتوسطة بنسبة 95 في المائة، وعدد منها يواجه صعوبات كثيرة بسبب الجائحة وتوقف النشاط الاقتصادي".

وأَضاف: "حقوق المستخدمين لا يمكن القفز عليها، لذلك أقرت الحكومة مجموعة من الإجراءات لصالح المقاولات والأجراء من أجل عدم فقدان مناصب الشغل، وتعويض من فقدوها مؤقتاً، بالإضافة إلى مساعدة المقاولات على الاستمرار من خلال قروض 'ضمان أكسيجين'".

ولم يخف الوزير أمكراز، في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، أن الخروج من الوضع الاقتصادي الصعب ليس بالأمر السهل بعد رفع حالة الطوارئ الصحية، لكن الأكيد، بحسبه، هو أن "الحكومة سوف تعمل من خلال القانون المالي التعديلي على تصحيح الأوضاع، وعلى رأس سلم الأوليات فيه، هو فرض الشغل وضمان استمراره في عدد من القطاعات، فضلاً عن خلق فرص شغل أخرى".

من جانبه، يرى مخاريق أن الوضع لا يمكن تجاوزه دون "مساعدة المقاولات على استعادة نشاطها والحفاظ على الاقتصاد الوطني، لكن، في الوقت ذاته، على الحكومة وأرباب العمل التحلي بروح المواطنة. نحن نعيش اليوم الاستغلال بأبشع صوره، ويجب أن نتجاوز وضعية المواجهة في العلاقات المهنية، ونعتمد أساساً على الحوار والتفاوض والاستشارة".

وفي ما يخص القانون المالي، شدد مخاريق على أن نقابته، حين لقائها برئيس الحكومة، يوم الجمعة 29 ماي، سترفض أي مساس بأجور الموظفين ومناصب الشغل في القانون المالية التعديلي، كما ستدفع بتعديل ميزانيات التسيير، بحذف كل ما وصفه بـ"مصاريف البذخ التي يستفيد منها كبار الموظفين".

قطاع العقار.. عمالة "مغتربة" وإقلاع بطيء

من بين القطاعات التي تضرر العاملون فيها بشكل كبير، بسبب تفشي جائحة فيروس "كورونا" المستجد، قطاع العقار، والذي استمر في العمل حسب معطيات موثوقة، حصل عليها "تيلكيل عربي"، من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة.

وكشف مصدر مسؤول من الوزارة أنه تم تحضير مخطط للإقلاع في القطاع، لكن التعافي من تبعات تفشي جائحة فيروس "كورونا" لن يكون بالأمر السهل، وسوف تستمر انعكاساته على العاملين في القطاع إلى غاية شهر شتنبر المقبل.

المصدر ذاته أوضح أن الوزارة عقدت اجتماعا مع المسؤولين في شركة "العمران"، يوم الخميس 28 ماي، بحكم أن الأخيرة تمسك بـ85 في المائة من الأوراش العقارية العمومية، وتم الاتفاق على عودة النشاط في القطاع تدريجيا بعد الـ10 من شهر يونيو المقبل، أي الموعد الرسمي المعلن لانتهاء فترة حالة الطوارئ الصحية.

وشدد مصدر "تيلكيل عربي" من وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة على أن عودة نشاط القطاع العقاري سوف تصل إلى نسب متفاوتة حسب الجهات، مقارنة مع الفترات السابقة، وذلك بالنظر إلى عدة عوامل.

وتابع المصدر ذاته: "عودة نشاط القطاع العقاري سوف حسب المناطق ومدى انتشار الفيروس فيها؛ أي من خلال التدبير الجهوي. مثلا مدينة الدار البيضاء، لن يعود فيها النشاط كما كان، ولن يتجاوز فيها نسبة الـ40 في المائة من مجموع الأوراش العقارية المفتوحة أو المبرمجة".

وأضاف: "وضعنا خطة عمل تمتد إلى غاية شهر شتنبر المقبل، مع الأخذ بعين الاعتبار فترة عيد الأضحى، الذي سوف يأتي في شهر غشت، ونعرف أن هذه الفترة تتميز بعطلة طويلة تمتد لأسبوعين أو أكثر بحكم محلات سكن العاملين في القطاع وظروفهم الاجتماعية".

وطرح مصدر "تيلكيل عربي" مشكل التنقل إلى أوراش البناء، رغم صدور دورية وزير الداخلية التي سهلت هذا الأمر. وأوضح في هذا الصدد: "الوزارة تواصلت مع وزارة الداخلية لتسهيل عملية نقل عمال البناء، خاصة أن عدداً كبيرا منهم يقيمون في مدن بعيدة عن أوراش البناء. وسوف نعمل على كراء حافلات مع احترام إجراءات السلامة، على أن لا تتجاوز نسبة نقلهم إلى حيث يعملون 50 في المائة من مجموع الموارد البشرية، مقارنة بالأوضاع العادية".

كما طرح أيضاً، "إكراه السكن الجماعي وسط أوراش البناء، لأنها قد تكون مصدراً لتسجيل بؤر وبائية".

وعن الظروف الاجتماعية ودخل عمال البناء، أوضح مصدر "تيلكيل عربي" أن وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة تعي جيدا أن القطاع فيه ما هو غير مهيكل بشكل كبير، لذلك استفاد عدد كبير من عمال البناء من الدعم الموجه من صندوق الجائحة".

وأشار المصدر ذاته إلى أن الوزارة، وفي إطار مواكبة المهنيين من أجل  ضمان الاستمرارية واستئناف الأشغال في قطاع البناء والعقار، أصدرت، بتشاور مع مجموع مهنيي القطاع،  دليلا متعلقا بتدبير مخاطر انتشار "كوفيد-19" في أماكن العمل بقطاع السكن والبناء.

بالإضافة إلى "إصدار الوزيرة نزهة بوشارب لرسالة دورية تحت عدد 209 بتاريخ 12 ماي 2020، إلى مديري الوكالات الحضرية الخاضعة لوصايتها، بخصوص إعادة دراسة المشاريع العالقة التي كانت موضوع طلبات لرخص التعمير".

ومن بين أهم ما أوردته الدورية، حسب المصدر ذاته، "جرد مجموع المشاريع العالقة، وخاصة تلك الخاضعة لمسطرة المشاريع الكبرى، وإعادة دراستها قبل متم شهر  يوليوز 2020، وذلك بحضور المهنيين المعنيين وفي إطار من التنسيق والتعاون المحكم بين كل الأطراف المتدخلة في هذا الميدان، مع وجوب الاقتصار على الملاحظات الجوهرية".

بين مطرقة الحجر وسندان المأذونيات

رغم استمرار التنقل بين المدن وحاجة المغاربة لسيارات الأجرة، تضرر القطاع، بدوره، إلى حد كبير من التدابير التي رافقت تطبيق حالة الطوارئ الصحية.

عبد الرحيم الهراس، رئيس جمعية "كرامة لسائقي التاكسيات"، صرح لـ"تيلكيل عربي"، أن أزمة مهنيي النقل مركبة، ولا يمكن تجاوزها رغم الخروج من الحجر الصحي.

وأوضح المتحدث ذاته أن "الشق الأول من الأزمة، يتمثل في السائق الذي يشتغل عند الغير. هذه الفئة تراجع مدخولها إلى حد كبير، بل عشنا مع حالات يرثى لها".

وقدم رئيس جمعية "كرامة لسائقي التاكسيات"،  مثلا بـ"زملاء له تعرضوا للطرد من منازل الكراء بسبب انعدام المدخول. منهم من تدخلنا بمساعدة من رجال السلطة لكي يبقوا في المنازل التي يكترونها، وآخرون تدخلنا لأجلهم لتوفير قوت يومهم".

من جهة أخرى، يضيف عبد الرحيم الهراس، هناك ملاك سيارات الأجرة، هؤلاء، بحسبه، ملزمون بـ"تأدية مصاريف التأمين ومستحقات ملاك المأذونيات التي تراكمت عليهم لمدة ثلاثة أشهر، فضلا عن مصاريف صيانة السيارات".

وعن وجود تواصل بينهم وبين السلطات الوصية على القطاع، قال رئيس جمعية "كرامة لسائقي التاكسيات"، إنه "لحدود الساعة هناك وعود من ولاية جهة الرباط-سلا-القنيطرة، فقط، بأن تتكلف هي بالتواصل مع أصحاب مأذونيات النقل لتسهيل تأدية مستحقاتهم".

وأشار المتحدث ذاته إلى أن "أغلبية المهنيين لم يستفيدوا من تعويضات صندوق الجائحة".

وعن واقع استئناف نشاطهم بعد انتهاء حالة الطوارئ الصحية، صرح رئيس جمعية "كرامة لسائقي التاكسيات" أن "المدن المغربية مرتبطة بحجم الرواج فيها، والقدرة الشرائية للمواطنين".

وقدم مثالاً بمدينة الرباط، وقال، في هذا الصدد: "مثلا في العاصمة، يشتغل سائقو سيارات الأجرة بالدرجة الأولى مع من يقصدون الإدارات العمومية والمدارس والسفارات، وهذه المجالات سوف يكون الطلب عليها قليل إلى منعدم حتى شهر شتنبر، لذلك نتوقع أن وضع قطاع سيارات الأجرة لن يتحسن حتى حلول الدخول الاجتماعي المقبل".

كما تطرق رئيس جمعية "كرامة لسائقي التاكسيات" إلى الأزمة في القطاع السياحي، واعتبر أن الأخير له انعكاس مباشر على قوت يومهم، بالإضافة إلى التنقل بين المدن.

وشدد على أن مدن مراكش وطنجة وأكادير خاصة، "لن تتحسن فيها أوضاع مهنيي سيارات الأجرة إن لم تتحسن أوضاع النقل السياحي، وهذا الأمر مرتبط بفتح المجال الجوي بين المغرب وباقي الدول الأخرى".

القطاع السياحي.. "آخر الهموم"

حسب ما استقاه "تيلكيل عربي" من وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، فإن عودة النشاط التدريجي للقطاع لن تكون قبل شهر يوليوز المقبل.

وقال مصدر مسؤول من الوزارة إن القطاع مرتبط، إلى حد كبير، بـ"إعادة فتح الحدود الجوية والبحرية، لأن الحجوزات تتم قبل 3 أشهر من تاريخ استقبال السياح الأجانب، وطبعا ًهذا الأمر مرتبط بقرار سيادي".

مصدر "تيلكيل عربي" قال، بعبارة مباشرة، إن "قطاع السياحة آخر ما سوف يتم استئناف العمل فيه، ومن المتوقع أن لا يستعيد نشاطه قبل بداية شهر يوليوز، وهذا الأمر يجب أن يتم الاشتغال عليه بتنسيق تام مع وزارة الصحة".

وأوضح أن هناك "إكراهات مرتبطة بتوفير السلامة الصحية داخل المنشآت الفندقية، لتشمل المسابح والمصاعد والغرف والمطاعم وأيضا الموارد البشرية".

كما شدد مصدر "تيلكيل عربي" على أن "مقترحات الوزارة يجب أن يتم التعامل معها من طرف المهنيين في القطاع بناء على التزامات موقعة وليس بوعود فقط".

ولم يخف المصدر من وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي أن 50 في المائة من الموارد البشرية، التي تشغل اليوم في القطاع السياحي، تدخل ضمن خانة القطاع غير المهيكل، خاصة في ما يتعلق بالصناعة التقليدية والمرشدين السياحيين".

"تيلكيل عربي" طرح على الوزارة خطتها لإنقاذ 550 ألف منصب شغل مباشر، بالإضافة إلى مناصب الشغل غير المباشرة، ومدى قدرة الطلب الداخلي على تجاوز الأزمة.

وكان الجواب أن "الاعتماد بالدرجة الأولى على السوق الداخلية مهم، ولكن هذا الأمر مرتبط بالقدرة الشرائية للمواطن المغربي الذي تضرر كثيرا بسبب الجائحة، ولا يجب أن ننتظر أن يصرف على قضاء عطلته في فندق".

رشيد دهماز، رئيس المجلس الجهوي للسياحة بأكادير، وصف، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، الوضعية التي يعيشها القطاع السياحي بـ"الكارثية".

وأضاف "المغرب اتخذ إجراءات سيادية في بداية الجائحة، تؤكد الحرص أولاً على سلامة وصحة المواطنين، لكن كان يجب علينا أن نشتغل، بالموازاة مع ذلك، على كيفية الخروج من الأزمة".

وشدد المتحدث ذاته على أن "عودة انتعاش القطاع السياحي ليست قريبة".

لكن ماذا عن التعويل على المغاربة لإنقاذ القطاع؟ السؤال يجيب عنه رئيس المجلس الجهوي للسياحة بأكادير بالقول: "السياحة الداخلية لا يمكن التعويل عليها، لأن محركها ضعيف جداً، وتؤثر فيها ثقافة المجتمع المغربي مع السياحة والسفر وقدرته الشرائية وجدول العطل وتوفر مجموعة من العوامل، أهمها النقل".

وبخصوص قرب استئناف النشاط السياحي، بعد انتهاء فترة حالة الطوارئ الصحية، كشف المتحدث ذاته في حديثه لـ"تيلكيل عربي" أن "هناك فنادق في أكادير سوف تفتح يوم الـ11 من يونيو المقبل، وذلك باستخدام 15 في المائة من طاقتها الاستيعابية، وهناك أخرى سوف تفتح بـ5 في المائة فقط، لأن عددا منها تشتغل مع السياح الأجانب بالدرجة الأولى".

هل سيتم الفتح في غياب إعلان عن بروتوكول صحي ووقائي صادر عن الوزارة الوصية إلى حدود اللحظة؟ حسب رئيس المجلس الجهوي للسياحة بأكادير، فإنه، بخصوص هذا الشق "لن نخترع فيه العجلة. يمكن فقط الاعتماد على تجارب دول أخرى، وهي متوفرة اليوم، وسوف نعتمد على توصيات وزارة الصحة التي نعمل بها في جميع القطاعات".

واعتبر رشيد دهماز أن "المشكل في المغرب هو عدم التوفر على لجان تراقب كل هذا بشكل مسبق، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه قبل 'كوفيد-19' كان القطاع السياحي منهكا".

وتطرق رئيس المجلس الجهوي للسياحة بأكادير، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، إلى دور الأبناك، وشدد على أن الأخيرة يجب أن "تتضامن مع المستثمرين عبر تسهيل الولوج للقروض وتشجيع القطاعات الاقتصادية".

وبخصوص الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية على العاملين في القطاع السياحي، ومتى يترقبون انحصارها، أوضح المتحدث ذاته أن "إعادة النشاط السياحي إلى وضع ما قبل الجائحة يحتاج وقتاً طويلاً".

وفسر ذلك بالقول: "إذا اشتغلنا جيداً، لأننا لسنا وحدنا والمنافسة سوف تكون أشرس بعد جائحة فيروس كورونا، لأننا اخترنا أن ننطلق ببطء على خلاف الدول التي تنافسنا. سوف تبقى مسألة عودة النشاط السياحي مرتبطة بحركة السفر، خاصة عبر الطيران. ما يمكن أن أقوله، حسب التوقعات، إننا سوف نستعيد النشاط في القطاع خلال فصل الخريف المقبل، بنسبة تتراوح ما بين 40 إلى 60 في المائة، يعني خلال الفترة ما بين فاتح نونبر والـ30 أبريل من العام 2021. أما المردود العادي للقطاع قبل الجائحة، فلا يمكن استعادته سوى خلال فصل الخريف من عام 2022".

وأشار رئيس المجلس الجهوي للسياحة بأكادير إلى وضعهم لخارطة طريق، تتضمن توصيات وإجراءات لاستعادة عافية القطاع السياحي تمتد لـ10 سنوات".

وعن ردود فعل الوزارة حولها، أجاب المتحدث ذاته: "أتواصل مع الوزيرة نادية فتاح العلوي دائما، وهي تعمل معنا ليل نهار على عودة القطاع إلى نشاطه وتدافع عنه".

وبالعودة إلى المعطيات التي حصل عليها "تيلكيل عربي" من وزارة السياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، ينتظر أن "يكون الأسبوع المقبل حاسماً في الاختيارات التي سوف تنهجها الدولة بخصوص القطاع والمستثمرين والعاملين فيه".

التجارة.. خوف من استمرار الركود

يوم الـ15 من شهر ماي الجاري، بعث "اتحاد التجار"، الذي يضم في عضويته أكبر الأسواق التجارية في المغرب، وهي: "اتحاد التجار والمستوردين كراج علال" و"اتحاد تجار ومهنيي درب عمر" و"جمعية وفاق القريعة للتجار والصناع أصحاب الخدمات"، بمذكرة إلى لجنة اليقظة الاقتصادية، تتضمن "32 مقترحاً عمليا من أجل الخروج التدريجي والآمن من الحجر الصحي والركود التجاري".

عزيز بونو، أحد المسؤولين في الاتحاد، صرح، لـ"تيلكيل عربي"، أن "الحركة التجارية لن تعود بشكل طبيعي بعد رفع إجراءات الحجر الصحي، وسوف تستمر فئات متضررة من انعكاسات حالة الطوارئ الصحية".

وأضاف المتحدث ذاته أنهم "تواصلوا مع المسؤولين في لجنة اليقظة والوزارة المعنية في التجارة والداخلية والاقتصاد والمالية، لتقديم مقترحاتهم بشأن عودة الحركة التجارية في الأسواق المغربية".

وشدد عزيز بونو على أن "هناك عددا كبيرا من التجار المتضررين، لأن التجارة تعتمد على الرواج والقدرة الشرائية للمواطنين التي تضررت بسبب الجائحة بشكل مؤكد".

كما أشار إلى أن "المعاملات التجارية فيها أربعة أنواع، وهي: عبر الشيكات أو النقد أو ديون الثقة أو عن طريق الكمبيالات، وهذه الوسائل يتم التعامل بوساطتها بمنطق المرونة، لكن، اليوم، يصعب جداً الاستمرار في نفس الوضع. التجار المقسطون لم يعودوا يتوفرون على سيولة لتغطية مصاريف اقتناء البضائع".

وذهب المتحدث ذاته حد القول بأن "الحد الأدنى لشراء السلع والاستثمار فيها وترويجها وتقسيطها نزل إلى حدود 10 آلاف درهم".

وبخصوص استفادتهم من الديون التي أحدثتها الدولة عن طريق 'ضمان أكسجين'"، أجاب المسؤول في "اتحاد التجار" أنهم "يرفضون نسبة 4 في المائة التي فرضت".

وبخصوص أوضاع الذين يشتغلون لحساب التجار، أوضح المتحدث ذاته أنه "بالنسبة لهم كجمعية في بداية الحجر الصحي، ومن أجل تأدية رواتب من يشتغلون مع التجار وعدم تركهم عرضة لانقطاع مصدر الرزق، أعطينا توجيها بأداء أجورهم. صراحة هناك من التزم بهذا التوجيه، وآخرون رفضوا بعقلية الأجر مقابل العمل".

وأضاف أن "هناك مستخدمين استفادوا من تعويضات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي أو صندوق الجائحة، لكن نسبتهم قليلة، و50 في المائة من الذين يشتغلون في الأسواق الكبرى لمدينة الدارالبيضاء عادوا إلى العيش في مسقط رأسهم، واليوم حتى إن عاد النشاط التجاري هناك صعوبات في تنقلهم إلى حيث كانوا يعملون".

واعتبر المتحدث ذاته أن أفضل الحلول اليوم هي: "تبسيط المساطر الإدارية والجمركية، وأيضاً مساعدة التجار بالتقسيط، لأن الأسواق في الدارالبيضاء مرتبطة بالأسواق الصغيرة في كل مدن المغرب".

"تيلكيل عربي" طرح على عزيز بونو إشكالية انعكاسات جائحة فيروس "كورونا" على السلع القادمة من الصين، وخاصة وأنها تشكل نسبة كبيرة من ما يتم تداوله في الأسواق المغربية، وأوضح، في هذا الصدد، أن "الاستمرار في استيراد مجموعة من المواد من الصين هو فعلاً مشكل حقيقي. في الوضع العادي، كان من الصعب إداريا استيراد السلع من الصين، وهذه الأخيرة بدورها أجرت مجموعة من التغييرات بسبب 'كورونا'، وأكيد سوف نحتاج وقتاً لعودة الأمور إلى سابق عهدها، ونتوقع أن يكون هناك عجز في توفير السلع سوف يمتد لستة أشهر".

وبالعودة إلى مذكرة "اتحاد التجار" في الأسواق الكبرى المذكورة، من بين أهم ما تم اقتراحه لإنقاذ قطاع يشغل الآلاف من المغاربة، بشكل مباشر وغير مباشر، بل تؤثر الأسواق التي يمثلونها على الحركة التجارية في الحركة بالمدن وتعد مصدر دخل للأسر فيها، ما يلي:

 -تدخل الدولة لإيجاد حل لشح السيولة في الدورة الاقتصادي،

- تمديد آجال القانون المتعلق بالتصريح وإيداع السيولة المالية لدى الأبناك التي جاء بها قانون المالية 2020، مع إعفاء تام من أداء الضريبة عنها، وذلك لتمكين التجار والمهنيين والمواطنين من ضخ السيولة باطمئنان في الدورة الاقتصادي،

- إطلاق خطة دعم محددة لفائدة القطاعات التجارية الأكثر تضررا،

- إحداث خط ائتمان لنفقات التسيير بالنسبة للتجار المتضررين، قابلة للاسترداد في آجال لا تقل عن سنتين وبدون فائدة. وذلك من أجل تغطية نفقات التسيير وتغطية أجور المستخدمين وسداد مستحقات الممونين،

- دعوة البنوك التشاركية للانخراط في برامج دعم قطاع التجارة، نظرا لخصوصياته الاجتماعية وحمولته الثقافية،

- احتساب الضرائب الجزافية كالضريبة على النظافة والضريبة المهنية وفق أيام الاشتغال وخصم الفترة المطابقة للحجر الصحي،

- تعليق استخلاص الضرائب والجبايات الجماعية أو إعادة جدولتها بدون فوائد،

- الإعفاء من رسوم استغلال الملك العمومي خلال فترة الحجر الصحي.

كما اقترح الاتحاد أنه، موازاة مع الرفع التدريجي للحجر الصحي، يتعين "التفكير في آليات للحفاظ على الحد الأدنى من الطلب الداخلي والقدرة الشرائية من خلال إجراءات لتشجيع الاستهلاك الوطن. وإعادة النظر في تصنيف تجار التقسيط ضمن القطاع غير المهيكل والفئات الهشة. بالإضافة إلى تقليص عدد الأجراء داخل المحلات التجارية، موازاة مع إحداث آلية لدعم أجور الأجراء المسرحين".

وتضمنت مقترحات تجار أكبر الأسواق التجارية بالمغرب أيضاً:

- الانطلاقة التدريجية للأنشطة الاقتصادية حسب التوزيع الجغرافي محليا وجهويا،

- تعميم قرار الفتح حسب الأنشطة الاقتصادية، وذلك لتفادي الازدحام داخل الأسواق مع تحديد مواقيت الفتح والإغلاق حسب الأسواق،

- إحداث نظام موحد للتشوير والتوجيه والإرشاد داخل القيساريات والأسواق والممرات لتيسير التنقل والولوج والتبضع،

- وجوب تفعيل دور الجمعيات وممثلي التجار في ما يخص الامتثال لمعايير الوقاية والسلامة الصحية،

- التنسيق مع مصالح المقاطعات فيما يخص تحديد فترات للتعقيم خلال اليوم،

- عدم الجمع بين أوقات البيع والشراء مع أوقات التموين والتخزين،

- عدم عرض السلع والبضائع أمام المحلات والأرصفة الضيقة حرصا على مرونة المرور،

- تثبيت حواجز الوقاية بين التجار والزبائن وخدمة الزبون، حسب الطاقة الاستيعابية للمحل، مع مراعاة المسافة القانونية للتباعد الاجتماعي،

- إمكانية إحداث دفتر للتحملات يحدد الشروط الصحية والوقائية والتنظيمية والتزامات التجار أثناء ممارسة التجارة، وذلك حسب خصوصيات كل قطاع مهني،

- منع ولوج الأطفال والشيوخ إلى الأسواق في مرحلة أولية،

- الترويج إعلاميا لأهمية التجارة الإلكترونية وإعطاء ضمانات من طرف الدولة لاعتمادها كنمط للمعاملات التجارية.

المقاهي والمطاعم.. "استئناف مع وقف التنفيذ"

توفر المقاهي والمطاعم، بدورها، مصدر رزق لآلاف العاملين بشكل مباشر أو غير مباشر، وهؤلاء سوف تستمر أزمتهم بعد رفع الحجر الصحي، حسب أرباب القطاع.

يوم الخميس 28 ماي، أعلنت وزارة الصناعة والتجارة والاقتصاد الأخضر والرقمي أنه بإمكان أرباب المقاهي والمطاعم استئناف أنشطتهم الخدماتية، ابتداء من يوم الجمعة 29 ماي، شريطة الاقتصار على تسليم الطلبات المحمولة وخدمات التوصيل إلى الزبناء.

لكن هل سوف يساعد هذا الإجراء في التخفيف من انعكاسات الإغلاق بسبب الجائحة، منذ شهر مارس الماضي؟

سؤال يجيب عنه نور الدين حراق، رئيس "الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب"، والذي شدد، في تصريحه لـ"تيلكيل عربي"، على أن "هذا القرار لن يسمح بتجاوز الأزمة التي يمر منها القطاع، خاصة وأنه سيشمل فقط عدداً محدوداً من المقاهي والمطاعم التي يمكن أن توفر خدمة نقل طلبات إلى زبنائها، أما العدد الكبير منها فتعتمد على تقديم الطلبات في عين المكان".

رئيس "الجمعية الوطنية لأرباب المقاهي والمطاعم بالمغرب" اعتبر أن القطاع يحتاج بدوره إلى "التفاتة من طرف الحكومة، لأنه يشغل الآلاف من المغاربة". ولا يمكن، من وجهة نظره، "القفز على قرابة ثلاثة أشهر من إغلاق محلاتهم، والتراكم الذي خلفه القرار على مستوى مستحقات الكراء والمصاريف العالقة بذمتهم لصالح الموردين والديون".

واعتبر المتحدث ذاته بدوره، أن أزمة ما بعد رفع الحجر الصحي متداخلة في كل القطاعات، ولا يكن أن يقلع قطاع أو يستعيد نشاطه دون أن يكون الآخر في وضع مستقر، سواء على المستوى الاقتصادي لمن يستثمرون فيه أو على مستوى الاستقرار الاجتماعي للمستخدمين.