بعد شدّ الحبل.. هل اختارات الدولة نزع فتيل الغضب حول متابعة نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي؟

أحمد مدياني

لم يكن سيناريو تخفيف العقوبات أو المتابعة في حالة سراح، بحق عدد من الشباب، الذين توبعوا بسبب تدوينات أو مقاطع فيديو نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، متوقعا. ما يطرح السؤال، حول مدى وجود توجه لدى الدولة لنزع فتيل الغضب الذي أشعلته محاكمات نشطاء "فيسبوك" و"تويتر"، أم أن الأمر لا يتجاوز إجراءات قضائية استثنائية تم التعامل فيه بـ"انتقائية"؟

عمر الراضي وحمزة أصبار ومحمد بودوه وسعيد تيبرون وأيوب محفوظ وعبد العالي باحماد ، الملقب بـ"بودا غسان"، قاسمهم المشترك هو اقتيادهم إلى السجن، بسبب مواقفهم التي عبروا عنها من خلال تدوينات أو مقاطع فيديو، واختلفت التهم الموجهة إليهم، مثل ما اختلف مصير كل واحد منهم.

غادر عمر الراضي السجن بعد تمتيعه بالسراح المؤقت وحُددت ثاني جلسة لمحاكمته في شهر مارس المقبل، نفس الأمر حدث مع التلميذ أيوب محفوظ والذي غادر السجن متابعاً بدوره في حالة سراح بعد إدانته بثلاث سنوات حبساً، أما الشاب حمزة أصبار، فقد خفضت عقوبته الحبسية من أربع سنوات إلى ثمانية أشهر.

ليبقى السؤال: هل سيستفيد كل من محمد بودوه، المدان بـ3 سنوات حبسا، وسعيد تيربون المدان بسنتين حبسا و"بودا غسان"، المدان بنفس العقوبة من هذا "الانفراج"؟

رأي القانون

سأل "تيلكيل عربي" المحامي بهيئة الدار البيضاء سعيد بن حماني، عن الأسباب القانونية التي دفعت القضاء ليخفض عقوبة الشاب حمزة أصابر من أربع سنوات حبسا إلى ثمانية أشهر، وتمتيع التلميذ رضوان محفوظ بالسراح المؤقت رغم إدانته ابتدائيا بثلاث سنوات سجناً، وكان جوابه، أنه "من الناحية القانونية، بالنسبة لهذه القضايا المتعلق بالتدوينات، فالأمر يدخل في إطار السلطة التقديرية لقضاة الموضوع في المرحلة الاستئنافية".

وأوضح المحامي، الذي ترافع في عدد من القضايا المشابهة، أن "المحكمة الابتدائية فيها قضاء فردي، ويأخذ بالمعطيات الماثلة أمامه وما ورد عليه في ملفات الاستنطاق فقط، أما محكمة الاستئناف فتعتمد سلطتها التقديرية على كل ما يرافق الملف، وتكون مشمولة بالحالة الماثلة أمامها، وتشمل حتى الوضعية الاجتماعية للمتابعين".

وأضاف المتحدث ذاته أنه مثلاً في حالة الشاب من العيون والتلميذ من مكناس، "رأت محكمة الاستئناف أنها أمام قضايا تدخل في باب الرأي والتعبير عنه، وهذا الأمر صادر عن شباب في مرحلة التمدرس، مكانهم الطبيعي في المؤسسات التعليمية وليس السجن، واعتدنا من القضاء الزجري في محكمة الاستئناف، طبعا مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة المتابعات القضائية، أنه يخذ بالظروف الاجتماعية كركن مهم في إصدار القرارات".

واعتبر المحامي بن حماني أن "غرف محاكم الاستئناف لديها صلاحيات وسلطات واسعة لتخفيض العقوبات أو تمتيع المتابعين بالسراح المؤقت، ويمكن أن تبرئهم، ولو صدرت في حقهم عقوبات مشددة في المرحلة الابتدائية".

من جهته، رفض وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني المصطفى الرميد التعليق على القرارات القضائية التي صدرت بحق كل من الراضي وأصبار ومحفوظ، لكنه شدد، في تصريح لـ"تيلكيل عربي"، على أن إعمال القانون في مثل هذه القضايا ضروري، وموقفه هو أن التدوينات التي تتجاوز حدود التعبير عن الرأي يجب مساءلة أصحابها عنها.

وأضاف الرميد أن المطلوب اليوم هو مواصلة ما تعرفه السياسة الجنائية من تغييرات، والتي تنتظر المصادقة عليها داخل مجلس النواب.

واعتبر وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان أنه "في حالة عمر الراضي، كان يجب متابعته بقانون الصحافة والنشر من الأصل، وليس القانون الجنائي".

هل لضغط الشارع والجمعيات دور؟

مع توالي قضايا توقيف نشطاء عبروا عن آرائهم بمختلف الطرق في مواقع التواصل الاجتماعي، وإدانة عدد منهم بتهم مختلفة من بينها "المس بالمقدسات" أو "إهانة العلم الوطني والتحريض على ذلك"، خرجت مجموعة من مبادرات دعم هؤلاء والترافع لصالحهم، وكان أبرزها توقيع عريضة "11 يناير 2020"، وتحمل عنوان "مغرب بدون اعتقال سياسي ومعتقلي الرأي".

بالنسبة إلى المحامي بهيئة الدار البيضاء سعيد بن حماني، وبالإضافة إلى الصلاحيات والسلطات التي تتمتع بها محاكم الاستئناف لمراجعة الأحكام الصادرة ابتدائيا، هناك عامل آخر ساهم في قرارات المتابعة في حالة سراح أو تخفيض العقوبات، وهو "حملات التضامن الواسعة للفعاليات الحقوقية".

وأشار المحامي سعيد بن حماني إلى عامل آخر، وصفه بـ "الانطباع الدولي"، الذي "أصبح يقدم القضاء المغربي على أنه أداة للانتقام".

نفس الرأي ذهب إليه الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان يوسف الريسوني، والذي قال، في تصريح بـ"تيلكيل عربي"، إن "تخفيض العقوبة في حق تلميذ العيون وقرار متابعة تلميذ مكناس في حالة سراح دليل على ارتباك القرارات القضائية في حق هؤلاء الشباب".

ورفض الريسوني وضع القرارات التي صدرت مؤخرا في حق كل من عمر الراضي ورضوان محفوظ وحمزة أصبار، في سياق "وجود انفراج في هذه الملفات"، وربط موقفه هذا بـ"استمرار محاكمة مجموعة من النشطاء، الذين قادتهم تدوينات أو مواقع فيديو نشروها إلى السجن".

وشدد الكاتب العام للجمعية المغربية لحقوق الإنسان على أن "الضغط الدولي ومساندة الجمعيات الحقوقية، سواء داخل المغرب أو خارجه، لهؤلاء الشباب، هو ما دفع القضاء لتخفيف عقوبة البعض منهم وتمتيع آخرين بالسراح المؤقت".

سلطة النيابة العامة

لماذا تحرك النيابة العامة الدعوى العمومية في قضايا الرأي والتعبير في مواقع التواصل الاجتماعي؟ الجواب من وجهة نظر رئيس جمعية عدالة جميلة السيوري، هو أنه "في الفترة الأخيرة، أصبحت النيابة العامة وبعد منحها الاستقلالية التامة، تظهر بمظهر القائدة لتوجهات السلطة القضائية".

وأوضحت السيوري أن مجموعة من القضايا التي راجت في المحاكم، وكانت موضوع متابعة الشباب على آرئهم، منها من "تم فيه تحريك الدعوى مباشرة من طرف النيابة العامة، ومنها من حُركت بعد تقديم شكايات من طرف أفراد أو جمعيات".

ورأت السيوري، في حديثها لـ"تيلكيل عربي"، أن "الدوريات الأخيرة للنيابة العامة، وإن كانت مهمة وإيجابية في عدد من القضايا، لكنها تبقى هي المؤطر الأول والأخير لمصير المحاكمات، وإلى ماذا سوف تنتهي عليه قرارات القضاء الجالس"، إذ أنه، حسب المتحدثة ذاتها "يظهر من خلال قرارات الإحالة على جلسة الحكم، أن الملفات حُسمت، وهذا ليس في صالح الجسم القضائي إطلاقاً، ويشوش على مسار استقلاليته".

وعن الحالات الأخيرة التي تمتع فيها الشباب بالسراح المؤقت أو تخفيض العقوبة، اعتبرت رئيس جمعية عدالة أن المتابعة "لم يكن يجب تحريكها من الأصل".

وفسرت السيوري موقفها بالقول: "عندما يمثل تلميذ أو شاب أو قاصر أمام وكيل الملك، وهو متابع بتهم مرتبطة بالرأي وحرية التعبير، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار وضعه الاجتماعي، وأن الأصل هو تمتيعه بكافة ظروف التخفيف وليس التشديد. نحن لسنا أمام أناس ارتكبوا جنايات أو جنح ألحقت الضرر بالغير، بل عبروا عن آرائهم فقط، ومهما اختلفنا في تقدير أو تفسير مضمونها، تبقى ضمن خانة الرأي والتعبير عنه".

ما بين القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر

"ماشي گاع اللي دوا ولا كتب ولا نشر في مواقع التواصل الاجتماعي نجرّوه للحبس"، كان هذا موقف وزير الدولة المكلف بالحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني المصطفى الرميد.

وأوضح وزير الدولة، في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، أنه مع "اعتماد قانون الصحافة والنشر في كل القضايا المرتبطة بالتدوينات ومقاطع الفيديو التي تصدر عن أشخاص في مواقع التواصل الاجتماعي".

وشدد المسؤول الحكومي على أنه "لا يمكن أن نميز ما بين الصحافي والمواطن؛ إذا كان الأول ينشر في المنبر الذي يشتغل فيه، فإن الثاني بدوره يمارس الفعل نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي، لذلك يجب استبعاد القانون الجنائي في مثل هذه القضايا".

وعن المتابعات التي تمت في حق مجموعة من النشطاء بتهمة إهانة المقدسات، باستحضار تصريح صدر عنه حين كان وزيرا للعدل والحريات، ذكر فيه إن "الملك أمر بعدم متابعة من يسئ إليه لأنه لا يريد أن يقمع أحدا"، قال الرميد: "ما صدر عن الأشخاص الذين توبعوا بتهمة إهانة ثوابت الأمة، ليس انتقاداً أو رأياً، بل سب وشتم".

وأضاف وزير الدولة، في السياق ذاته: "هذه قناعتي عبرت عنها في السابق وسوف أعبر عنها من أي موقع. لا يمكن أن نقبل سب ملك البلاد هكذا، وأنا مع إعمال القانون الجنائي هنا. هناك من أصبح يقوم بهذه الأفعال عن سبق إصرار وترصد، وبطرق غايتها الاسترزاق لا غير".

وتابع المتحدث ذاته: "القضايا المتعلقة بملك البلاد والوحدة الترابية للمملكة والدين الإسلامي يجب أن تعالج بناء على القانون الجنائي، وطبعا أشدد على أن تحريك المتابعة القضائية يكون في حق من يقومون بأفعال تستهدف ثوابت الأمة عن سبق إصرار وترصد، وهناك دلائل على أنها موجهة ومقصودة ومتكررة وتتضمن ما يسيء إليها بطرق بعيدة عن حرية الرأي والتعبير".

وعن الجديد الذي يحمله مشروع القانون الجنائي الذي ينتظر أن يعرض على البرلمان للمصادقة عليه، كشف الرميد أن الفرق البرلمانية تعمل على ترحيل مجموعة من المواد المتعلقة بالصحافة والنشر إلى القانون المنظم لها.