بناني: لن يعود المغرب لنظام الدعم.. لكن يجب البحث عن بدائل للحماية من ارتفاع الأسعار

تيل كيل عربي

في منتصف مارس الماضي، غادرت سليمة بناني، منصبها كمديرة عامة لصندوق المقاصة، بعد أن قضت خمس سنوات على رأس هذه المؤسسة التي أثارت ومازالت تثيرالكثير من الجدل. في هذا الحوار تبسط حصيلة عملها والتحديات التي مازالت تنتظر المقاصة.

يقال إنك قريبة من حزب العدالة والتنمية، هل سهل عليك هذا الأمر العمل مع حكومة بنكيران، لإصلاح صندوق المقاصة؟

قريبة..؟ إلى أي حد؟ (تضحك). لا أنتمي إلى أي حزب سياسي. ما يجعل كثير من الناس يعتقدون أنني عضو في البيجيدي هو ارتدائي للحجاب. ولكن إن كان الحديث عن القرابة من حيث المرجعية القيمية، نعم هناك تقارب. العمل يكون أكثر سلاسة مع فريق تتقاسم معه نفس القيم الأخلاقية. ولكن هذا قانون كوني ولا ينطبق فقط علي و على البيجيدي.

أين وصلت آليات المساعدة المباشرة التي من المفترض أن تعوض دعم المحروقات؟ هل مازال هناك "بلوكاج سياسي"؟

يجب العودة إلى الوراء قليلا. فحكومة بنكيران كانت ترغب في الشروع في تطبيق الإصلاح الشامل–أي رفع دعم المحروقات مقابل إطلاق مساعدات مباشرة- قبل رفع الدعم وتحرير سوق المحروقات. ولكن هذه الفكرة لم تلق القبول بتاتا من طرف أعضاء حكومة بنكيران، بل إنها كان السبب في خروج حزب الاستقلال من الائتلاف.

بعد هذا البلوكاج، تم تغيير وجهة الإصلاح صوب رفع الدعم. اليوم هذه الصفحة قد تم طيها خاصة وأن رفع الدعم استفاد من ظرفية دولية ملائمة.

بهذا الخصوص، إن تغير الوضع الدولي وعادت آسعار النفط إلى الارتفاع بشكل عنيف، هل يمكن إعادة العمل بنظام الدعم؟

هذا ما يحدث اليوم، فهذه السنة شهدت ارتفاعا ملحوظا في الأسعار، طبعا لم تصل إلى  مستوى سنتي 2013 و2014، ولكن الارتفاع يبقى مهما(...) . وبخصوص العودة إلى نظام الدعم فسأقول لك "لا"، ولكن يجب البحث عن بدائل لتحمل آثار أي ارتفاع للأسعار على الاقتصاد المغربي.

كيف يمكن أن تكون طبيعة هذه البدائل؟

في تقديري، يجب دعم النقل المهني وقطاع اللوجستيك. لا أقصد هنا النقل الحضري، بل نقل البضائع، والمواد الأولية... وذلك لمساعدة القطاعات التي تستهلك الطاقة بكثرة.

مع تحرير أسعار المحروقات، ظلت الأثمان في محطات الوقود ثابتة حينما انخفض ثمن النفط، ما دفع إلى الاعتقاد بأن شركات التوزيع انتهزت الوضع لتحقيق هوامش أرباح كبيرة. بل إن الشكوك حول تواطؤ هذه الشركات على الأثمان أدى إلى تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق. هل يساروك الندم على عدم وضع نظام لمراقبة الأسعار بالموازاة مع رفع الدعم؟

أولا، سعر برميل النفط لم ينخفض، هذه مجرد فكرة مغلوطة. صحيح أنه تراجع في 2016، ولكن ابتداء من 2017، لمسنا ارتفاعا طفيفا، وهو الارتفاع الذي تكرس مع بداية 2018.  كما أن اللجنة البرلمانية المشكلة أجرت تحقيقا، وخلص تقريرها النهائي إلى استحالة البرهنة على وجود تواطؤ مباشر بين شركات التوزيع. أما بخصوص رفع هذه الشركات لهامش الربح، فهذا هو مبدأ التحرير. والحال أنه إن فرضنا نظام لمراقبة الأسعار، فإننا نعود إلى تنظيم هذه الأسعار، أو في أفضل الحالات نعود إلى نظام المقايسة. وهذا لم يكن قط الهدف من الإصلاح، الذي كان يروم تحرير قطاع المحروقات.

إذن هذا يعني أن عواقب هذا الإصلاح محايثة لقانون السوق، ولا ليس على المرء سوى الإقرار بها؟

لا. يجب هنا التمييز قليلا. أعتقد أن إحدى الوظائف السيادية للدولة هي المراقبة. وفي تقديري، الأليات الممكنة يجب أن تسير في اتجاه المراقبة الدائمة والمتواصلة لأسعار هذه المادة الحساسة، لأنها تتدخل في أوصال الاقتصاد المغربي برمته.

هل يمكن لتطبيق "محطتي"، الذي يطلع المستهلك على الأسعار في محطات الوقود، أن يكون وسيلة غير مباشرة للمراقبة؟

 أعتقد أن لهذا التطبيق مهمة إخبارية بالدرجة الأولى. هذا بالطبع يسمح بإجراء مقارنات، ولكنه موجه أساس إلى مستهلك واع، والحال أننا لسنا في الغالب مستهلكين واعين. فبما أن المستهلك المغربي العادي ألف الأسعار المدعمة، اعتاد على التزود بالوقود في أقرب محطة.

ويبدو لي أن مقارنة الأسعار تبقى في صالح المقاولات التي تستهلك كميات مهمة من الوقود. ولكن بما أن هذه المقاولات تتزود من المصدر مباشرة، فّإنها لا تعتمد على المقارنة بين أسعار المحطات.

مع ذلك، فالإخبار يبقى دوما مفيدا في كل الحالات. وإذا لم يقم المستهلك المتوفر على المعلومة بتغيير المكان الذي يتزود منه، فهو هنا يتحمل كامل المسؤولية بخصوص السعر الذي يشتري به وقوده.

لحسن الداودي، الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة وعد برفع الدعم عن غاز البوطان والسكر في 2018. في أي مرحلة كان هذان المشروعان عند مغادرتك لصندوق المقاصة في منتصف مارس الماضي؟

في حدود معرفتي، الشيء الوحيد الذي تم الشروع فيه هو مشروع المساعدات المباشرة.

وما هي توجهات هذه المساعدات المباشرة؟

أولا يجب وضع هذا المشروع في سياق شامل. إنه لا يخص المغرب وحده بل هو مشروع عالمي. وهو أساسا تطوير للنظرية الاقتصادية القائمة على الدعم والمساعدة، وهذه النظرية الجديدة تقول بدعم الأشخاص وليس المنتوج. وقد ظهرت في منتصف الثمانينيات، وتم تطبيقها في بعض البلدان بنسب نجاح متفاوتة.

أنت تشيرين هنا إلى النموذجين الهندي والبرازيلي. كيف يمكن الاستفادة من هاتين التجربتين وملاءمتهما مع السياق المغربي؟

البرازيل كانت سباقة في هذا المجال، وتقدمت على الهند. لملاءمة الفكرة العامة لهذه النظرية مع السياق المغربي يجب أولا تحديد المنتوجات الأساسية للاستهلاك ثم نجيب عن الأسئلة التالي: هل يجب تفضيل المساعدات النقدية أم العينية؟ هل نربط هذه المساعدة بشرط تحقيق مشروع تنموي للأسرة (التمدرس، الصحة، إلخ) أم لا؟ هل نخصص المساعدات فقط للشرائح الفقيرة أم نوسعها لتشمل الطبقة الوسطى حتى نجنبها السقوط في الهشاشة؟ هذه أسئلة أساسية يجب الحسم فيها بخصوص الحالة المغربية.

ماذا كنت ستختارين شخصيا من بين هذه الخيارات؟

بالنسبة إلي، يجب الاتجاه نحو المساعدة العينية المشروطة والتي تمشل الطبقة الوسطى.

بالنسبة لكل المستفيدين من دعم السكر، هل الرفع التدريجي للدعم هو الذي سيعتمد؟

فيما يخص السكر والغاز، لم يتم بعد إعداد أي آليات، على كل إلى غاية مغادرتي لصندوق المقاصة. اليوم تجري دراسة فكرة تقوم على آليات المرافقة من خلال الدعم المباشر. وهذه الفكرة تتطلب إحصاء وإعداد ترقيم خاص بالساكنة.

السكر المقرط يستهلك أساسا من طرف الطبقات الشعبية، بينما سكر "سنيدة" موجه أكثر إلى الصناعيين. لماذا لا يتم الاقتصار على رفع الدعم عن هذا الأخير؟

هذا حل من الحلول التي تم اقتراحها، وهو يبدو صائبا، وغير مستبعد اليوم. فسكر "سنيدة" موجه أساسا إلى الصناعة الغذائية أو قطاع الفنادق والمطاعم. وهناك خيار آخر يتمثل في رفع الدعم فقط عن السكر الموجه للصناعات.

بتصرف عن "تيل كيل" بالفرنسية