بنعيسى: القانون الجنائي متخلف في حماية الأطفال ويكرس الإفلات من العقاب للبيدوفيل

عبد الرحيم سموكني

لم يسبق أن رجت قضية اغتصاب طفل الرأي العام خالقة حالة غضب وتضامن في آن، كما وقع مع قضية مقتل الطفل عدنان في طنجة، فالمحاكم تسجل آلاف القضايا المتعلقة بالاعتداءات الجنسية على الأطفال، وتستقبل جمعيات حقوق الإنسان عشرات الشكايات في هذا الشأن.

حسب الأرقام الرسمية للرئاسة النيابة العامة فإن نصف عدد الأطفال الذين تعرضوا للعنف خلال العام 2018، عانوا من العنف أو الاستغلال الجنسي، فوفق الأرقام التي حصلت عليها "تيلكيل عربي" فإن عدد الأطفال الذين تعرضوا لجرائم الاغتصاب وهتك العرض سواء بالعنف أو بدونه والاختطاف والتغرير بلغ في سنة 2018 ما مجموعه 3836 طفل، أي بمعدل يزيد عن 10 أطفال في اليوم.

يرى حقوقيون أن مقتل الطفل يدق ناقوس خطر لتكسير الصمت المحيط بظاهرة البيدوفيليا في المغرب، وفي هذا الحوار يتحدث رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان محمد بنعيسى، الذي اشتغل مركزه على العديد من قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال، عن ضرورة سن قوانين جديدة لحماية الطفولة، معتبرا أن القانون الجنائي المغربي متخلف في ما يخص حماية الأطفال، ويشدد على أن أكبر عائق أمام محاربة البيدوفيليا هو الإفلات من العقاب أو الحصول على أحكام مخففة.

 

 

 

كيف يمكن لقضية مقتل عدنان أن تساعد على  إطلاق نقاش وطني حول البيدوفيليا؟

في البداية  لا يسعنا إلا أن نستنكر الجريمة النكراء التي ذهب ضحيتها الطفل عدنان، وهي الجريمة التي أطلقت نقاشا، غير صحي للأسف، مليء بالكثير من ردود الفعل المنفعلة من جهة، أو ذات الطابع الشعبوي أو انطلاقا من خلفيات لتصفية حسابات ضيقة، هي في مجملها ذات طابع ايديولوجي.

كان من الأجدر على النخبة في مختلف المجالات المتدخلة في هذا الموضوع ( جمعيات المجتمع المدني، إعلام، السلطات المعنية ... ) أن تستند على المكتسبات السابقة من أجل بلورتها عمليا لحماية الطفولة من الاعتداء الجنسي. كنا قد قطعنا مسارا طويلا في هذا المجال لكنه توقف لأسباب غير معروفة خصوصا خلال الفترة الممتدة بين 2012 و 2016. فقد حان الوقت للعودة إلى الاهتمام بهذه القضية  التي تتعلق بفلذات أكبادنا ومستقبل بلدنا.

 

اشتغلتم في المركز على شكايات لضحايا أطفال جرى استغلالهم جنسيا، وتتبعتهم بعض الملفات في المحاكم، فهل القانون الجنائي "متسامح" مع البيدوفيل؟

 

القانون الجنائي المغربي جد متأخر في ما يخص الاعتداءات  الجنسية على الأطفال، ويفتح المجال للتلاعبات  التي تطال مثل هذه القضايا في المحاكم المغربية وهي بالآلاف، العديد منها يخرج الآن إلى العلن بحكم الجمعيات والإعلام أو بشبكات التواصل الاجتماعي.

أظن أن أول  تسامح وتساهل للقانون الجنائي يتجلى في تمييزه  بين هتك عرض قاصر بدون عنف (الفصل 484  من القانون الجنائي المغربي )،  وعقوبته  الحبس بين سنتين وخمس سنوات، وهتك عرض بالعنف (الفصل 485) وعقوبته السجن من خمس إلى عشر سنوات.

إن هتك عرض قاصر دائما يكون بالعنف، إذ قد يكون عنفا ماديا أو عنفا رمزيا، أو عنفا نفسيا، أو عنفا مبنيا على  استغلال السلطة، لأنه عندما نتحدث عن القاصرين فإننا نتحدث عن أطفال في حالة هشاشة، لهذا فإن منظومة حقوق الإنسان أحاطت هذه الفئة بعناية خاصة. كما أن العقوبات المنصوص عليها تبقى غير رادعة. لهذا فيجب تحيين القانون الجنائي بتعريف مفهوم هتك العرض،  وحذف هتك عرض بدون عنف، والرفع من العقوبات ومضاعفتها في حال إذا كان المعتدي  من أصول الضحية أو وصيا عليه أو ممن لهم سلطة عليه.

 

ما طبيعة قضايا البيدوفيليا في مناطق شمال المغرب؟ هل يمكن أن يمكن الحديث عن ميزة لهذه الظاهرة في هذه الجهة؟

أظن أن هذه الظاهرة حاضرة في جميع جهات المغرب، وتبقى في الوسط القروي قيد الكتمان  في حين تعرف مثل هذه القضايا طريقها إلى العلن في الوسط الحضري بحكم دينامية المجتمع المدني وارتفاع الوعي والقرب من المؤسسات المعنية . أظن أنه في غياب أبحاث ودراسات ميدانية والاعتماد على الاحصائيات الرسمية لا يمكن الحديث عن الظاهرة ومدى خطورتها.

 

كتبتم في تدوينة بعد العثور على جثة الطفل عدنان عن كون مبدأ اللاعقاب في جرائم البيدوفيليا والتزام الضحايا للصمت مخافة من الفضيحة وتعرضهم لإغراء المال مقابل السكوت، تعتبر أبرز الأسباب المشجعة على تنامي الظاهرة، كيف ذلك؟

أغلب القضايا التي تلقيناها كان اللاعقاب أو التساهل مع المعتدين هو الطابع الأبرز. لأن ما يصلنا من قضايا الاعتداءات يتم التلاعب فيها  وبالتالي ينال المعتدي إما البراءة أو عقوبة مخففة. خصوصا أن المشرع ترك مجالا واسعا للتلاعب مع تمييزه بين هتك العرض بعنف أو بغير عنف، كما أن بعض الأسر تتعامل بتساهل مع مثل هذه القضايا، إما لغياب الوعي، أو مخافة العار  ونظرة المجتمع أو لحالة الهشاشة، لأن المعتدي يستغل ضعف الأسرة  أو لهذه الأسباب مجتمعة.