تجارة إسقاط الأجنة.. أرباح طائلة والنساء أكبر الضحايا

عبد الرحيم سموكني

لم يفلح الحجر الصحي وحالة الطوارئ الصحية التي عاشها المغرب لأزيد من ثلاث أشهر في تجميد العلاقات الإنسانية، ولم ينفع القيد المنزلي في تفادي وقوع فتيات في الحمل غير المرغوب الناجم عن علاقات جنسية خارج إطار الزواج. ففي أواخر شهر يونيو، فككت الشرطة بمدينة مراكش ما سمته شبكة متخصصة في الإجهاض، بعدما ذاع صيت إحدى المصحات الخاصة في إجرائها وبوتيرة يومية مرتفعة.

في قضية "شبكة الإجهاض"، التي يتابع فيها طبيبان هرمان، ولهما سوابق قضائية ، وعازبات ومتزوجات إضافة إلى شبان، يصطدم تطبيق القانون بحالات إنسانية لا ذنب لها، سوى أنها أجهضت، بعد أن شكل الحمل خطرا على صحة الأم، أو حملا ناتجا عن اغتصاب، ورغم ذلك وجدت نساء أنفسهن ضحايا مرتين.
المثير في قضية "الشبكة" أن أبرز طبيب ومالك المصحة، يعتبر أن لجوؤه إلى الإجهاض نابع من تعاطفه الإنساني مع حالات فتيات ونساء حبلن دون الرغبة في ذلك.
القضية تكشف أيضا أسلوبا جديدا للتمويه عبر افتعال نزيف للنساء، قبل توجههن إلى مصحة خاصة بغرض إجراء عملية لوقف النزيف الذي يكون دائما على مستوى عنق الرحم.

مكالمة هاتفية 

أدت مكالمة هاتفية من مبلغة عبر الخط 19 إلى إسقاط شبكة إجهاض يقودها طبيبان متخصصان في أمراض النساء والتوليد، القضية التي تعرف متابعة 17 شخصا، جلهم نساء، هزت رتابة الحجر الصحي الذي عاشه المغرب بداية الصيف الجاري، وكشفت النقاب عن "تجارة رائجة للإجهاض" في المدينة الحمراء.
لم يتطلب الكشف عن شبكة متخصصة في الإجهاض وقتا كثيرا من طرف عناصر الشرطة القضائية في المدينة، التي تحركت مباشرة بعد ورود مكالمة من سيدة مجهولة، تفيد بوجود شبكة يقودها طبيب معروف في المدينة الحمراء، تتخصص في إجراء عمليات الإجهاض السري لفائدة فتيات قاصرات ونساء من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية.

بضعة أيام قليلة كانت كافية لضبط سيدات غادرن إحدى المصحات الخاصة الشهيرة في حي جليز بمراكش، ثم اعتقال طبيبين، لهما سوابق عدلية في الإجهاض، أحدهما مالك المصحة، فيما الثاني يتوفر على عيادة طبية في المدينة، لكنه يجري عملياته في المصحة، مقابل دفع ألف درهم عن كل عملية للمصحة الخاصة.
بدأت القصة عندما قامت عناصر من ضباط وأعوان الشرطة القضائية بحراسات ومراقبات سرية على محيط المصحة الخاصة، استهلت بتتبع تحركات العاملين بها وعلى كل من يلج إليها ويغادرها.

وأسفرت هذه المراقبات عن إيقاف أول سيدة رفقة والدتها، وهما يغادران باب المصحة، واعترفت السيدة بأنها خرجت بعد إجراء عملية إجهاض في شهرها الأول، وأنه حمل من علاقة غير شرعية. كانت هذه الحالة الأولى التي ضبطت خارجة من المصحة الخاصة، ليجري بعدها ضبط أخريات، منهن مهاجرة من جنوب الصحراء.

ستتواصل المراقبات والحراسات على المصحة، ليجري أياما بعدها ضبط سيدتين اثنتين، إحداهما متزوجة، وتتوفر على موافقة من زوجها. لن تقف الأمور عند هذا الحد. فبضعة أيام من المراقبة لمحيط المصحة، ستكشف عن حالات شكلت الشجرة التي تخفي الغابة، إذ سيجري توقيف طبيب ثان، له أسلوب خاص في الإجهاض، وذلك عن طريق افتعال نزيف في الفرج للنساء الراغبات في الإجهاض.

بعد اعترافات مجموعة من السيدات، بينهم فتاة قاصر، أجهضت في شهرها الثاني، دون علم والديها، سيجري توقيف الطبيب مالك المصحة، عندما كان يهم بمغادرة المصحة، والذي اعترف أثناء مواجهته بالمنسوب إليه من خلال تصريحات باقي الموقوفين، وبما تم التوصل إليه من معلومات، بأنه بالفعل أجرى ثلاث عمليات إجهاض صبيحة ذاك اليوم، لمغربية ومواطنتين أجنبيتين، واحدة من الغابون والثانية من الكوت ديفوار، مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 2500 درهم و3000 درهم.

بعد اعتراف الطبيب مالك المصحة، سيجري توقيف الطاقم الطبي المشتغل في المصحة، والمكون أغلبيته من ممرضات، ليتبين أن هناك طبيبا ثانيا كان يجري بدوره عمليات في المصحة، وأنه يملك عيادة في الحي ذاته.

طبيبان بسوابق وأقراص للتمويه

اتضح أن الشبكة يقودها طبيبان لهما سوابق في مجال الإجهاض، فحتى بشهادة طبيب متخصص في أمراض الجهاز الهضمي يعمل بالمصحة، فإن سمعة المصحة كانت موصومة بالإجهاض في أوساط الجسم الصحي بالمدينة، وأن شهرتها تعدت حدود المدينة الحمراء، وأن مالكها كان يشرف على عمليات بشكل يومي لفتيات قاصرات.

المتهم (م. ن) مالك المصحة، وهو من مواليد 1943 بمراكش، وله سوابق عدلية تتعلق بالخيانة الزوجية والمشاركة فيها والإجهاض والمساعدة عليه، كما أن الطبيب الثاني (م ك) له سوابق قضائية في القتل الخطأ.
وشكل الطبيب الثاني مرحلة جديدة في عمليات البحث، إذ سيتبين للمحققين وجود أسلوب ثان للإجهاض، يعتمد على التمويه، من خلال افتعال نزيف دموي للراغبات في الإجهاض.

بدأ التعاون بين الطبيبين في 2018، إذ لجأ الطبيب الثاني المزداد سنة 1953 بمراكش، إلى الاستعانة بغرفة عمليات المصحة الخاصة مقابل دفع 1000 درهم عن كل عملية، كما أن طريقة الطبيب الثاني كانت أكثر تميزا.

كان هذا الطبيب يستقبل بعيادته نساء من أجل الفحص في شأن إصابتهن بأمراض النساء أو من أجل التوليد وإ لى جانبهن تحضر العيادة بعض الفتيات العازبات الحوامل بطريقة غير شرعية، والراغبات في التخلص من حملهن بطريقة سرية، حسب ما صرحت به المعنيات بالأمر.

وقد توصلت عناصر الشرطة القضائية أثناء تفتيش العيادة إلى 13 ملفا بأسماء مختلفة، أكد في شأنها الدكتور (م ك) أنها تخص زبوناته، إذ تبين ورود اسم أقراص طبية محظورة من نوع CYTOTEC، التي تستعمل في الإجهاض، مقرا بتسليمها لبعض زبوناته.

تفتيش العيادة أدى أيضا إلى ضبط 56 قرصا من العقار المحظور، أقر الطبيب بأنها تخصه، وأنه على دراية تامة بأنها محظورة بالمغرب بموجب مذكرة وزارية، وأنه يجلبها معه من بلجيكا، لاستعمالها في توسيع عنق الرحم للزبونات اللواتي توقف حملهن أو تعرضن لنزيف لمساعدتهم في تفريغ عنق الرحم.

لم يقتنع المحققون بتبرير الطبيب لاستعمال الأقراص المحظورة، ما دفعهم إلى الاتصال بالزبونات، عن طريق أرقامهن وأسمائهن المدونة في ملفات العيادة.

استجابت ثلاث نساء لاستدعاء المحققين، وهن يتابعن اليوم في حالة سراح. النساء الثلاث من مواليد التسعينات وغير متزوجات، إذ أكدن جميعهن أنه نتيجة لعلاقة جنسية غير شرعية نتج عنها حمل، ورغبة من كل واحدة منهن في إجهاض حملها، توجهن عند الطبيب (م ك) المشهور بقيامه بعمليات إجهاض الحوامل بطريق غير شرعية، وأنه أجرى لهن عمليات مقابل مبالغ مالية تتراوح ما بين 3000 و3700 درهم.

إحدى الحالات الثالث، كشفت للمحققين أن الطبيب ساعدها على الإجهاض مرتين، الأولى عندما أجرى لها عملية إجهاض في غضون السنة الماضية، مقابل 3000 درهم، والثانية عندما سلمها أقراص طبية تساعد على الإجهاض مقابل 1700 درهم، وذلك قبل أسبوع فقط من توقيفه أواخر شهر يونيو.

تحكي زبونة ثانية للمحققين، بأن حملها الناتج عن علاقة غير شرعية دفعها إلى زيارة الطبيب، الذي أخبرته بشكها في كونها حامل، وأنها ترغب في إسقاطه، ليبادر إلى فحصها بالصدى الصوتي، ليتأكد من حملها البالغ ثلاثة أسابيع، محددا لها سعر العملية في 3700 درهم، ليطلب منها العودة في الغد.

تضيف الفتاة العازبة، أنها بالفعل عادت إلى العيادة في اليوم التالي، وسلمته المبلغ المادي المتفق عليه، ليقوم بفتح فرجها بواسطة آلة بلاستيكية ويدخل به حبتين من أقراص لا تعرف ماهيتها أو اسمها، ليطلب منها التوجه إلى مصحة جليز، وانتظار قدومه بعد ساعة.

بعد وصولها إلى المصحة، وقبل حضور الدكتور المذكور سقطت من رحمها بعض الكتل الدموية، ما تطلب إدخالها من قبل مساعدة الطبيب إلى غرفة العمليات، إذ جرى تخديرها كليا، لتسترجع بعد ساعتين وعيها، ليسمح لها بالمغادرة بعد مرور 20 دقيقة فقط.

كشفت تصريحات الفتيات الثلاث أن الطبيب ينهج الأسلوب نفسه مع زبوناته، خاصة العازبات، إذ يعمد إلى تزويدهن بالأقراص الطبية المحظورة داخل عيادته، ليحدث نزيفا بالرحم، ثم يتفق معهن في اليوم نفسه على موعد بالمصحة الخاصة، لإجراء عمليات إجهاضهن، عن طريق التمويه بعلاجهن جراحيا لوقف نزيف حدث على مستوى عنق الرحم، وبالتالي إبعاد شبهة الإجهاض.

طبيب متعاطف مع المجهضات محفز بالربح

تشير التقديرات إلى أن المصحة الخاصة كانت تجري عمليات إجهاض يومية تصل إلى عشرة، وأن سعر العملية يتراوح مبدئيا ما بين 2500 درهم و5000 درهم.

وحسب تصريحات العاملين في المصحة، فإن النشاط البارز للمصحة كان هو إجراء عمليات الإجهاض، ويصف طبيب للمحققين، كيف أن المصحة كانت تعرف بشكل يومي وفود نساء، يشكلن طابورا يوميا للراغبات في الإجهاض، وهو ما يعني أن هذه العمليات كانت تذر أموالا طائلة على المصحة، إذ في نصف يوم، عند مباغتة العناصر الأمنية للمصحة، ضبط مبلغ 23 ألف درهم متحصل عليه من ثلاث عمليات فقط.

وإذا كان هامش الربح كبيرا في هذه العمليات، فإن الطبيب مالك المصحة، كشف للمحققين، أنه بدأ عمليات الإجهاض بناء على تعاطف إنساني مع النساء والفتيات.

إذ يعترف بأنه دأب على القيام بعمليات الإجهاض منذ أن أسس مصحته الخاصة سنة 1982، وأنه كان يستقبل بعض الحالات لنساء يحدث لهن نزيف جراء محاولة الإجهاض، أو من ترغبن في إسقاط ما في أحشائها من أجنة، خاصة اللاتي كن حملن نتيجة علاقة غير شرعية، أو غير مرغوب فيها، حسب ظروف كل واحدة منهن.

يقر الطبيب أنه كان يتعاطف مع النساء والفتيات، وأنه بدأ يتفاعل مع حالاتهن، من الناحية الإنسانية، بالنظر إلى ظروف الزبونات، ليبدأ الاستئناس بعمليات الإجهاض لذرها عليه ربحا ماليا كبيرا.
وتبقى قصة ممرضة عسكرية في المدينة، جرى توقيفها وهي تغادر المصحة، أحد ابرز الحكايات، إذ تجد هذه السيدة الأم لطفلين، نفسها متابعة في حالة سراح، رغم حصولها على موافقة من الزوج، الذي جرى استدعائه، وصرح بأنه على علم بقيام زوجته بالإجهاض، نتيجة مخاطر على صحتها وأن هناك تقريرا طبيا يفيد بهذا الأمر.
وأفادت السيدة أنه بناء على تشخيص من الطبيب مالك المصحة، تبين أن لديها حملا متوقفا في الأسابيع الأولى، وأنه يجب عليها أن تقوم بإجهاضه لأن حملها متوقف وأن الجنين لن يكتمل نموه، وأبلغها بأن عليها إجراء مجموعة من التحاليل الطبية من أجل إجراء عملية الإجهاض.

قصة ثانية بطلتها طالبة بإحدى الجامعات الخاصة، والتي جرى اكتشاف إقامتها غير الشرعية بالمغرب رغم دراستها في بكلية للتدبير والتجارة، وتتابع أيضا في حالة سراح، اضطررت إلى الإجهاض، بعدما تعرضت للاغتصاب على يد مجهول، أشهر في وجهها سكينا في إحدى الليالي بالمدينة، ليقتادها إلى حديقة مهجورة ويغتصبها ما نتج عنه حمل.
لم يقتصر الأمر على الفتيات العازبات، ففي حالة القاصر، جرى توقيف الشاب المسؤول عن الحمل، والذي توبع بتهمة التغرير بقاصر وهتك عرضها دون عنف ما أفضى إلى حمل، إذ تبين فيما بعد أن الشاب متزوج، ما زاد عليه قضية الخيانة الزوجية بعد إصرار زوجته على متابعته.