تفكيك خطاب الإرهاب.."دولة داعش" ليست إسلامية وليست إنسانية"(8)

موسى متروف

يخصص الدكتور خالد ميار الإدريسي الدفتر السابع من دفاتر "تفكيك خطاب التطرف"، ضمن سلسلة "الإسلام والسياق المعاصر"، للرابطة المحمدية للعلماء، لموضوع "الدولة الإسلامية.. قراءة في الشروط وبيان تهافت الخطاب المتطرف".

نماذج لا تراعي مقاصد الإسلام

يعتبر الإدريسي أن هواجس إقامة "دولة إسلامية" استجابة لفئات عريضة من المتدينين في العالم الإسلامي والمطالبين باسترجاع العز، أدى إلى طرح نماذج متطرفة في تدبير "الدولة" لا تراعي المقاصد الشرعية للإسلام، ولا تحترم حتى الأخلاق العامة المتفق عليها بين كافة الناس، مؤكدا أن ذلك تدبير غير عقلاني وغير موافق لروح الشرع ومنتهك للكرامة الإنسانية وغير معتبر للمآلات الشرعية.

وأوضح المؤلف أن المقصود لديه بمفهوم مشروع "الدولة المتطرفة"، ليس إدانة صفة "إسلامية الدولة" وإنما إدانة كل مشروع يدعي هذه "الإسلامية" وهو بعيد عنها، مشددا على أن مشروع "داعش" وبعض تجارب التنظيمات الإرهابية الأخرى لا تتواءم لا مع روح الشرع ولا روح العصر.

واعتبر أن كون الدولة الحقيقية المتوائمة مع روح الشرع هي التي ترتكز في تدبيرها على الأخلاق الشرعية والمرعية في سنة رسول الله (ص)، وباقي السلف الصالح. وليخلص، على هذا المستوى، إلى أن "الخروج" عن الإطار الأخلاقي للتدبير لا يزيح فقط "الصفة الإسلامية" بل حتى "الصفة الإنسانية".

وأورد أن المتمعن في قيام تجارب "الدولة المتطرفة" لا يمكن أن يخفى عنه فداحة البطش وسوء معاملة الناس وترهيبهم وإهانتهم والتمثيل بالقتلى...

إقامة الدولة الإسلامية ليست نزهة

يؤكد الإدريسي أن إقامة الدولة الإسلامية ليس مجرد نزهة أو خطابا يتشدق به، أو هوى يتلاعب بالعقول، وإنما أمر في غاية الخطورة ويقتضي سياقا محليا وإقليميا ودوليا مناسبا، وإذا كان لزاما أن تكون هناك شروط أخلاقية في تدبير الدولة، الشيء الذي لا يمكن لـ"الدولة المتطرفة" أن تدعيه، بحكم الواقع، الذي يثبت الفشل التام في تحقيق الكرامة والأمان لمن يقع تحت سلطتها أو لجيرانها في المجال الجغرافي؛ فإن هناك شروطا أخرى مكملة وأساسية، وهي الشروط الجيوسياسية الضرورية للنشأة والاستمرار.

وأوضح الكاتب أن التدبير الجيوسياسي يفترض معرفة محكمة بالفرص المتاحة أو الأخطار الممكنة، التي من شأنها ضمان أو نسف مشاريع الدولة وذلك ارتباطا بموقعها الجغرافي في سياق دولي معين.

وقال إن الجيوسياسي المحنك هو الذي يقتنص الفرص الملائمة لتقوية موقع الدولة واستشراف دوام ذلك ومراعاة المصالح الجيوسياسية المتعددة، ولذا فإن الدولة في العالم الإسلامي حاليا في حاجة، في نظره، إلى جيوسياسية التعارف الإنساني، بدل جيوسياسية الرعب.

ويعتبر أن جيوسياسية التعارف الإنساني لا تتأسس على مفهوم دار الإسلام ودار الكفر، ولا يعني ذلك إطلاقا نفي وجود أناس أو مؤسسات غير مؤمنة بالله، ولكن التقسيم بناء على الكفر والإيمان لم يعد، في اعتقاده، ممكنا، على المستوى المجال الجغرافي.

تقسيم الدنيا إلى دارين أمرٌ طارئ

وفسر الإدريسي وجهة نظره على أساس أن الإسلام موجود في كل بقاع الدنيا، وهو قابل للتمدد والانتشار دون مواجهة جيوسياسية. وأكد أن جيوسياسية التعارف الإنساني تفترض الانتقال من "نحن والغرب" إلى "نحن والإنسانية جمعاء"؛ ومن "دار الكفر" و"دار الإسلام" إلى "دار الدعوة والاستجابة" أو إلى "دار العطاء الإنساني".

ولا يكون ذلك، يقول المؤلف، بالعنف والقهر والغدر والخيانة والجهل والغباء وتمكين الغير من المبررات لتمزيق العالم الإسلامي بدعوى الهمجية وعدم التحضير. ويورد، في هذا السياق، قول الفقهاء بأن الشافعي اعتبر "الدنيا كلها في الأصل دارا واحدة" ورتب على ذلك أحكاما باعتبار أن "تقسيم الدنيا إلى دارين أمرٌ طارئ".

وشدد المؤلف على أن جيوسياسة الرعب المعتمدة من طرف التنظيمات الإرهابية في العالم الإسلامي، وعلى رأسها "داعش" ومن تحالف معها، لا تؤدي إلا إلى مزيد من إنهاك المسلمين؛ بدل نصرتهم والإعلاء من شأنهم وضمان الكرامة لهم ولمن تعامل معهم؛ وفي ذلك، حسب الكاتب، مفاسد عظيمة لا تتواءم مع روح الشرع. ويورد في هذا السياق الحديث النبوي "من سلّ السيف علينا، فليس منا"، فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه.

وختم الإدريسي دفتره بقوله إن جيوسياسية الرعب للدولة المتطرفة أو الدويلات المتطرفة لن يدوم إذا تضافرت جهود دول العالم الإسلامي، في مواجهة التطرف والإرهاب وانخرطت بشكل حقيقي في تنمية شاملة وأرست قواعد إدارة الحكم الجيد، وتضامنت في صياغة منظومة تربوية وتعليمية قائمة على الاعتدال وتشجيع روح الإبداع، وكذلك ابتكار سياسات اجتماعية ناجعة تكفل الكرامة للجميع.