تقرير رسمي.. 33% من المقاولات ترفض اللجوء للقروض لاعتبارات دينية و69% تتهرب من الضرائب

تحقيق يرصد معيقات المقاولات
أحمد مدياني

تحقيق للمندوبية السامية للتخطيط، هم مقاربة أنشطة المقاولات ودراسة تصورها للإطار الاقتصادي والاجتماعي والقانوني الذي تشتغل فيه، يكشف عن أهم نشاطات المقاولات المغربية ومحاور تمركزها، والاكراهات التي يواجهها المستثمرون خاصة فيما يتعلق بسهولة الحصول على التمويل من المؤسسات البنكية، كما يكشف التحقيق معطيات مثيرة عن أسباب رفض المقاولات اللجوء إلى القروض ومنها وجود اعتبارات دينية.

ويشمل هذا التحقيق الذي توصل "تيل كيل عربي" بنتائجه من المندوبية، أنشطة المقاولات خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، ويغطي كافة التراب الوطني ويستهدف المقاولات المنظمة التي تتوفر على محاسبة رسمية. ويتعلق الأمر، بالمقاولات التي تنشط في قطاعات الصناعة والبناء والتجارة والخدمات، ويستثنى من مجاله قطاعات المالية والفلاحة والقطاع غير المنظم. وقد تم إجراء هذا البحث خلال الفترة الممتدة من يناير إلى يوليوز 2019.

المعيقات الكبرى للاستثمار والتشغيل 

 إجمالا، وحسب نتائج التحقيق الذي أنجزته المندوبية السامية للتخطيط، تلجأ واحدة من كل خمس مقاولات للتمويل الخارجي، معظمه (93 في المائة) يأتي من قروض بنكية.

وترتفع هذه النسبة إلى 46 في المائة بالنسبة للمقاولات الكبرى مقابل 18 في المائة بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة. وتعتبر هذه الأخيرة الأكثر عرضة لصعوبات الولوج إلى التمويل والذي يشكل عقبة كبيرة بالنسبة لـ 40 في المائة منها.

ويشير التحقيق إلى أن 35 في المائة من المقاولات، تقدمت بطلب للحصول على قرض من مؤسسة بنكية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وقد بلغت هذه النسبة 56 في المائة بالنسبة للمقاولات الكبرى و27 في المائة بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا.

وتشكل نسبة الفائدة المرتفعة بالنسبة لـ 40 في المائة من المقاولات وكذا الضمانات المفروضة من طرف الأبناك لـ 34 في المائة منها أهم العراقيل عند طلب القرض.

وتتفادى 33 في المائة من المقاولات اللجوء إلى القرض البنكي لاعتبارات دينية.

وتبعا لتصور أرباب المقاولات، فإن العاملين الحاسمين في الولوج إلى القرض البنكي، أي الضمانات وسعر الفائدة، عرفا تشددا كبيرا خلال الفترة المرجعية للبحث.

تكوين مهني "لايستجيب لحاجيات" المقاولات

ودائماً حسب المندوبية السامية للتخطيط، تتجلى العوائق الرئيسية لسياسة التوظيف في نقص النشاط لدى 63 في المائة من المقاولات والكلفة المرتفعة لليد العاملة بالنسبة لـ 26 في المائة منها. بالإضافة إلى ذلك، صرحت 37 في المائة من المقاولات أن النظام الحالي للتعليم والتكوين المهني لا يمكنهم من الحصول على التخصصات الملائمة في سوق الشغل. ويشكل القطاع الصناعي القطاع الذي يعاني أكثر من انعدام الملائمة بين التكوين والتشغيل، حسب52% من أرباب المقاولات العاملة في هذا القطاع.

كما صرح 18 في المائة من أرباب المقاولات أن مقاولاتهم عرفت نزاعات اجتماعية، وتنتشر هذه المشاكل بشكل أكبر في المقاولات الكبرى، بينما تبلغ هذه النسبة في المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات الصغيرة جدا 24 في المائة و13 في المائة على التوالي.

ولتدبير هذه النزاعات، تلجأ 52 في المائة من المقاولات إلى الحوار المنظم بشكل أساسي، هذا الإجراء لا تلجأ إليه سوى 32 في المائة من المقاولات الصغرى والمتوسطة و26 في المائة من المقاولات الصغيرة جدا.

المقاولات: "ضرائب تشجع على التهرب"

على مستوى الجبايات، تشتكي المقاولات من المراقبة الضريبية ومن تعدد المراجعات، يقول تحقيق المندوبية السامية للتخطيط. وفي هذا الصدد، خضعت 34 في المائة من المقاولات الكبرى لمراقبة ضريبية و73 في مائة لمراجعات ضريبية خلال السنة الأخيرة.

 بصفة عامة، حسب ما جاء في التحقيق ذاته، يعتبر النظام الضريبي عائقا بالنسبة لحوالي 60 في المائة من أرباب المقاولات وغير مشجع على الاستثمار بالنسبة لـ 95 في االمائة منهم، ويشوبه انعدام الثقة تجاه الإدارة الضريبية من طرف 88 في المائة من المقاولات، كما يشجع على اللجوء لممارسات غير قانونية بالنسبة لـ 69 في المائة من المقاولات. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر النظام الضريبي معقدًا بالنسبة لأكثر من نصف أرباب المقاولات (51 في المائة). وتصل هذه النسبة إلى 63 في المائة بالنسبة لأرباب المقاولات الكبرى.

وتحدث التحقيق على أن  معالجة النزاعات من طرف المحاكم يشكل عائقا بالنسبة لـ 51 في المائ من المقاولين، وتمثل صعوبة تطبيق المقررات القضائية عائقا لـ 15 في المائة منهم.

"احتكار" الصفقات العمومية

ويعتبر 45 في المائة من أرباب المقاولات، يفيد تحقيق المندوبية، أن احتكار بعض المقاولات هو أحد الأسباب الرئيسية التي تحول دون فوزهم بطلبيات عمومية، وتصل هذه النسبة إلى 60 في المائة بالنسبة للمقاولات الصغيرة جدا.

وبالنسبة لانعدام الشفافية، صرح به 56 في المائة من أرباب المقاولات الصغرى والمتوسطة التي شاركت في طلب عروض عمومية. بالإضافة إلى ذلك، يَعتبر 89 في المائة من أرباب المقاولات أن آجال الأداء بعد تسليم الطلبيات العمومية يشكل عقبة حقيقية أمام تطور المقاولة، هذا العامل يهدد أكثر المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة (90 في المائة) التي تعتبره كعقبة رئيسية بل أشد خطورة أمام استمرارية نشاطها.

بالنسبة لعوامل الإنتاج الرئيسية، صرح 61 في المائة من أرباب المقاولات أن كلفة الطاقة تشكل عائقًا أمام التنافسية. كما أن الولوج للعقار يعتبر عائقا بالنسبة لـ 47 في المائة من المقاولات.

عموماً، أبدى أرباب المقاولات آراء سيئة نوعا ما عن علاقاتهم بالإدارة العمومية. فثلثي أرباب المقاولات يعتبرون أن تعقد الإجراءات الإدارية يشكل عقبة أمام تطوير نشاطهم. بالإضافة إلى ذلك، تعد جودة الخدمات، وآجال الأداء والولوج للمعلومة بالنسبة لنصف المقاولات، من الإكراهات التي تعيق تطور نشاطهم.

 من جهة أخرى، صرح 57 في المائة من أرباب المقاولات أنهم رصدوا ممارسات غير أخلاقية في الإدارة العمومية، ولوحظ ذلك من طرف المقاولات التي تنشط في جميع القطاعات.

من استهدف تحقيق المندوبية؟

 تم تصنيف المقاولات المستهدفة وفقا لمعيار مزدوج يشمل رقم المعاملات وعدد المستخدمين طبقا للنصوص التشريعية الجاري بها العمل التي تحدد فئاتها في بلادنا. وعليه، يقصد في إطار هذا البحث بالمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة، تلك التي لا يتجاوز رقم معاملاتها 75 مليون درهم وعدد المستخدمين بها يقل عن 200 شخص. وتعرف المقاولات الصغيرة جدا على أنها وحدات لا يتعدى رقم معاملاتها 3 ملايين درهم وعدد المستخدمين بها أقل من 10 أشخاص. في حين، تعتبر المقاولات الكبرى تلك التي يتجاوز رقم معاملاتها 75 مليون درهم أو تشغل أكثر من 200 مستخدم.

وقد تم إعداد عينة البحث اعتمادا على المعاينة العشوائية الطبقية التي ترتكز على عدد المستخدمين والنشاط كمعايير لتكوين الطبقات. ويعتبر حجم العينة كافيا لضمان التمثيلية اللازمة حسب قطاع النشاط وصنف المقاولة. وتم سحب هذه العينة انطلاقا من السجل الإحصائي للمقاولات الذي تتوفر عليه المندوبية السامية للتخطيط.

وعليه، فقد استهدف البحث 2101 وحدة: 769 وحدة تمثل القطاع الصناعي و371 قطاع البناء و294 قطاع التجارة و667 قطاع الخدمات التجارية غير المالية.

وتطلبت عملية تجميع معطيات هذا البحث تعبئة طاقم يتكون من 80 باحثا يؤطرهم 10 مشرفين.كما انكبت أطر قسم الإحصاء الاقتصادي والبحوث لدى المؤسسات على تتبعه واستغلال نتائجه. وقد اعتمد البحث على تقنية تجميع المعطيات بواسطة الحاسوب المعروفة بـCAPI التي تعتمد على برنامج معلومياتي يتيح في الآن نفسه تحصيل المعطيات ومراقبتها وإرسالها إلكترونيا الى المصالح المركزية.

ستعرض هذه المذكرة خلاصة نتائج هذا البحث موزعة حسب محورين، يهدف الأول إلى تقديم المشهد العام للمقاولات في بلادنا، فيما يستعرض الثاني الأنشطة الرئيسية للمقاولات وكذا التصورات التي عبر عنها أربابها حول علاقات هذه المقاولات بمحيطها المؤسساتي.

السمات الرئيسة لمشهد المقاولات بالمغرب

يرتكز هذا المحور على وصف المشهد العام للمقاولات ببلادنا خلال الفترة التي يغطيها هذا البحث.

استحواذ جهة الدار البيضاء-سطات على أكبر عدد من المقاولات

تتكون بنية المقاولات بالمغرب من 93 في المائة من المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة (64 في المائة من المقاولات الصغيرة جدا و29 في المائة من المقاولات الصغرى والمتوسطة)، في حين تمثل المقاولات الكبرى حوالي 7 في المائة من مجموع المقاولات. ويتركز ثلثا هذه المقاولات تقريبًا (63 في المائة) في المجال الجهوي للدار البيضاء­-طنجة: 39 في المائة بجهة الدار البيضاء-سطات و15 في المائة بجهة الرباط سلا-القنيطرة و9 في المائة بجهة طنجة -تطوان -الحسيمة.

يبين توزيع المقاولات حسب قطاع النشاط أن حوالي 42% منها تشتغل في قطاع الخدمات، و27 في المائة في التجارة و21 في المائة في البناء و10 في المائة في الصناعة.

تتركز المقاولات الصغيرة جدًا بنسبة44% والمقاولات الصغرى والمتوسطة بنسبة 42 في المائة بقطاع الخدمات بينما تتواجد بنسب ضئيلة في الصناعة حيث تمثل 8 في المائة و11 في المائة على التوالي. وبالمقابل تتوزع المقاولات الكبرى بشكل متعادل تقريبا بين قطاعات الصناعة (26 في المائة)والبناء (23 في المائة) والتجارة (27 في المائة) والخدمات (24 في المائة).

على المستوى الجهوي، تتمركز 39 في المائة من المقاولات العاملة بقطاع الخدمات بجهة الدار البيضاء-سطات و11 في المائة بجهة مراكش- آسفي. بالنسبة لقطاع التجارة، يتمركز أكثر من نصف المقاولات (58 في المائة) بجهتي الدار البيضاء-سطات (44 في المائة) و الرباط-سلا-القنيطرة (14 في المائة). أما بالنسبة للصناعة، فهي تتركز بشكل كبير بجهة الدار البيضاء-سطات (47 في المائة) تليها جهة طنجة تطوان الحسيمة (12 في المائة). فيما يتعلق بقطاع البناء، فهو أقل تمركزا جهويا مقارنة مع باقي القطاعات، حيث تتواجد 29 في المائة من الوحدات بجهة الدار البيضاء-سطات، و16 في المائة بجهة الرباط-سلا-القنيطرة و11 في المائة بجهة فاس-مكناس.