جطو يفرج عن تقريره حول اختلالات الصندوق المغربي للتقاعد

نور الدين إكجان

أفرج المجلس الأعلى للحسابات، اليوم (الثلاثاء 7 نونبر 2017)، عن تقرير رأي استشاري طلبه منه رئيس مجلس المستشارين، في نونبر 2016، وفيه يعري مجموعة من الاختلالات في نظام المعاشات بالصندوق المغربي للتقاعد، كاشفا وجود عوامل بنيوية تسببت في هشاشة النظام، فضلا عن عدم مساهمة الدولة لفترة زمنية طويلة، وتزايد أمد الحياة بالنسبة للمنخرطين، والاستنزاف الكبير لمالية النظام الذي تسببت فيه المغادرة الطوعية، مشددا على محدودية مجموعة من الحلول المقترحة من أجل الإنقاذ، والإصلاحات التي بوشرت خلال السنوات الماضية.

عوامل بنيوية لهشاشة النظام

من أبرز ما رصده التقرير على مستوى عامل الهشاشة، عدم تناسب مستوى المساهمات مع المعاشات، فقبل سنة 2016، ظلت المعاشات التي يمنحها النظام تحتسب على أساس 2.5 بالمائة من آخر راتب عن كل سنة من الانخراط. وإلى غاية سنة 1989 كان وعاء تصفية المعاشات يقتصر على الراتب الأساسي للمنخرطين، غير أن هذا الوعاء أصبح ضيقا لكون الزيادات في الأجور في الوظيفة العمومية تخص مختلف التعويضات المكونة للأجرة.

هذه المعطيات عجلت بمباشرة إصلاحات جديدة بين سنتي 1990 و1997، بهدف توسيع دائرة المساهمات،  ورغم أنها ساهمت في الرفع من موارد نظام المعاشات المدنية، إلا أنها أدت إلى تفاقم الالتزامات تجاه المتقاعدين الحاليين والمستقبليين، فالأجر الأخير الذي يحصل عليه المنخرط يكون الأعلى بشكل عام في مساره المهني، ما يمنحه معدل تعويض قدره 100 في المائة.

وفي السياق ذاته، شكل ارتفاع معدل "التأطير" في الإدارة العمومية إشكالية حقيقية بالنسبة إلى النظام، إذ يتقاضى الأطر أجورا مرتفعة أثناء حياتهم المهنية، فقد انتقلت فئة المتقاعدين من 12 في المائة سنة 1990 إلى 42 في المائة سنة 2010، ثم إلى 50 في المائة سنة 2015، وسط توقع باستمرار هذا الارتفاع مستقبلا مع تزايد نسبة المتقاعدين الجدد.

كل تلك العوامل، ساهمت بشكل كبير في الرفع المضطرد من مستوى المعاشات بالنسبة للمحالين على التقاعد حديثا، فبلغ متوسط المعاشات المدنية سنة 2015، ما قدره 6.480 درهم، في حين بلغ هذا المتوسط بالنسبة للمحالين على التقاعد برسم نفس السنة 8.960 درهم، أي بزيادة تفوق 38 بالمائة.

تزايد أمد الحياة

كشف التقرير على تضاعف كبير في عدد المتقاعدين المستفيدين من نظام المعاشات المدنية، حيث بلغ عددهم 335.000 مستفيد، أي بارتفاع نسبته 2.5 في المائة في 15 سنة الأخيرة، وفي المقابل عرف عدد المنخرطين الجدد انخفاضا، بسبب تراجع التوظيف في الوظيفة العمومية والجماعات الترابية، ما يجعل توازن النظام متذبذبا.

ويعرف النظام ارتفاعا كبيرا في أمد الحياة بالنسبة للمتقاعدين، حيث انتقل على التوالي من 17.2 عاما بالنسبة للرجال و18.5 بالنسبة للنساء سنة 1980، إلى 19.6 و21.6 عاما سنة 2011، مع تزايده بشكل مستمر بوتيرة سنة واحدة في كل عقد من الزمن.

الوضع المالي العام

أوضح التقرير، من خلال تحليله للوضع المالي العام لنظام المعاشات المدنية، أن هناك ارتفاعا ملحوظا لمستوى المعاشات مقارنة مع المساهمات، فإذا كانت دراسات سابقة قد تنبأت بالأمر، فقد تحول سنة 2014 إلى واقع معاش، حيث تم تسجيل عجز مالي تقني بمبلغ 936 مليون درهم ناتج عن حجم الخدمات التي وصلت قيمتها إلى 16.815 مليار درهم، في حين لم تتجاوز المساهمات 15.879 مليار درهم، ليبلغ العجز 2.68 مليار درهم سنة 2015، و4.76 مليار درهم مع نهاية 2016، مع توقع تفاقم للوضع بحلول 2022، إذ ستشهد استنفاذ جميع الاحتياطات.

وفيما نبه التقرير، إلى أنه في أفق الـ50 سنة المقبلة، قد تصل الديون الضمنية إلى 730 مليار درهم أي 70 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، اقترح مجلس الحسابات الرفع من مستوى المساهمات من أجل ضمان التوازن خلال مدة زمنية لا تقل عن 10 سنوات، لكنه سجل صعوبة تنزيل الحل بسبب رفع نسبة المساهمات التي قد تصل إلى مستوى جد مرتفع مما سيجعل هذا التعديل غير ممكن.

ضعف مساهمة الدولة

وسجل التقرير، أن الدولة لم تكن تسدد مساهمتها للصندوق بشكل منتظم، وكانت مساعدتها تعتبر منحة لسد الفارق بين إرادات ونفقات السنة، وبالتالي كان يغلب على خدمات معاشات المتقاعدين الطابع الميزانياتي.

 وكشف التقرير ألا وجود لنص قانوني يلزم الدولة بدفع مساهمات المشغل، خصوصا بعد إلغاء ظهير 1951 الذي كان حدد نسبة مساهمات المشغل، ليبقى هذا الوضع إلى حدود سنة 1990، حيث رسخ معطى ضرورة مساهمة المشغل إلى جانب الأجير بنسبة 7 في المائة من الراتب الأساسي، ونصف التعويضات النظامية القارة، قبل أن تتدارك الدولة الأمر سنة 1996، وتبدأ في دفع حصتها للصندوق المغربي للتقاعد، مع بقاء فارق العجز من سنة 1957 إلى 1996.

سنة 2001 شهدت ميلاد لجنة من أجل البحث في متأخرات الدولة المستحقة للصندوق المغربي للتقاعد، فوجدت صعوبة، حسب التقرير، في تحديد واجبات الدولة تجاه صندوق التقاعد بسبب غياب نص قانوني صريح يلزم الدولة بتسديد مساهماتها كمشغل، وعلاوة على هذا فحتى في حالة دفع المساهمة، يبقى المشكل في نسبة تلك المساهمات.

وكان لابد من الانتظار إلى غاية 2005، لتقوم الدولة بتسديد كل المتأخرات، بعد أن تم الاتفاق على 6.065 مليار درهم، منها 5.230 مليار درهم كمبلغ يمثل الفرق بين نظام المعاشات والمساهمات، و835.2 مليون درهم تمثل التسبيقات الممنوحة لغير المساهمين، وهذا ما يعني أن المتأخرات المدفوعة خلال فترة 1972 إلى 1989 لم تدفع فيها الدولة كمشغل أية مساهمات.

تأثير سلبي للمغادرة الطوعية

نظمت الحكومة سنة 2005، عملية المغادرة الطوعية لموظفي الدولة، وكان من بين أهداف هذه العملية التحكم في كتلة الأجور من خلال تقليص عدد الموظفين، لكنها أغفلت أنها ستؤثر لا محالة على التوازن المالي لنظام المعاشات المدنية من خلال دفع فوري لمعاشات المستفيدين وتوقف مساهمات الدولة والمسجلين.

ومن أجل تفادي أي أثر سلبي لهذه العملية، خلصت دراسات حكومية إلى وجود تحمل إضافي لنظام التقاعد قدر ب7.483 مليار درهم، دفعت بعده الدولة مبلغ 8 ملايير درهم للصندوق على أربع دفعات، ملياري درهم ما بين 2006 و2009 على شكل سندات للخزينة، ما يوضح حسب التقرير أن السلطات العمومية رصدت الموارد الكافية لتفادي أي خلل في التوازن المالي.

إصلاح دون تفعيل

جرد تقرير المجلس الأعلى للحسابات، إصلاحات كثيرة لحكومات متعاقبة دون تفعيل، فقد تم اعتماد إطار قانوني وتنظيمي جديد منظم للصندوق المغربي للتقاعد، منذ سنة 1997، حيث قامت الحكومة بإحداث لجنة تتبع لتقييم الديمومة المالية لصناديق التقاعد ودراسة مقترحات الإصلاح، حيث قدمت تقريرها سنة 2002 الذي دون جميع الاختلالات التي تشوب عمل صندوق التقاعد، كما نظمت مناظرة وطنية سنة 2003، من أجل مناقشة إشكالية التقاعد بالمغرب، خلصت إلى تشكيل لجنة وطنية وتقنية لتقييم منظومة التقاعد برئاسة الوزير الأول، أخرجت تقاريرها سنة 2007 إلى النور، لكنها لم تفعل إلى بعد مرور 9 سنوات على إصدارها.

إصلاح سنة 2016

شرعت الحكومة سنة 2016، في مواصلة مشروع إصلاح صندوق التقاعد الذي انطلق منذ 2007، حيث اعتمدت الحكومة مرحلتين، الأولى تهدف إلى إدخال إصلاحات على نظام المعاشات المدنية، من أجل المحافظة على احتياطاته إلى حين إحداث قطب عمومي للتقاعد. أما المرحلة الثانية، فسيتم تفعيلها على المدى المتوسط، بهدف الانتقال إلى نظام بقطبين، عمومي وخاص في أفق إرساء نظام موحد على المدى البعيد.

وشمل الإصلاح المطبق على نظام التقاعد ست قوانين، اثنان يخصان إنشاء نظام تغطية اجتماعية للنشطاء غير المأجورين، واثنان آخران يخصان نظام المعاشات العسكرية والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، مرتبطان أساسا بالزيادة في الحد الأدنى للمعاش، عبر إقرار زيادة في نسبة مساهمات الموظفين والمشغلين من 10 إلى 14 في المائة موزعة تدريجيا بـ11 في المائة ابتداء من شهر أكتوبر، و12 في المائة سنة 2017، و13 في المائة سنة 2018، و14 في المائة سنة 2019، مع مراجعة قسط من المعاش الذي انخفض من 2.5 في المائة إلى 2 في المائة، ابتداء من فاتح يناير 2017.

وأضاف التقرير أن هذا الإصلاح ا يكتسي صبغة الاستعجال، لأن هذا النظام سجل ظهور أول عجز سنة 2014، بمبلغ 936 مليون درهم، لينتقل إلى 4.76 مليار درهم، إذ لم تكن العائدات على الاحتياطات من تغطية العجز الكبير.

ووفقا للدراسة الحكومية المنجزة سنة 2016، سيمكن الإصلاح من تمديد مدة إضافية في أفق ديمومة نظام المعاشات المدنية لخمس سنوات، كما سيمكن من التخفيف إلى حد كبير من الديون الضمنية على المدى البعيد بما يقارب53.3 في المائة، حيث سيبلغ العجز سنة 2066، 344 مليار درهم، عوض 737 مليار درهم.

 63 سنة مهمة لكنها غير كافية

جل تقرير المجلس أن رفع سن التقاعد إلى 63 سنة، خطوة مهمة نحو معالجة الخلل الديموغرافي الذي يعرفه نظام المعاشات المدنية، فمن المقرر أن يتم تعميم هذا الإجراء على جميع المنخرطين، بإيقاع أسدس عن كل سنة.

ورغم تثمين المجلس للخطوة، إلا أنه اعتبرها غير كافية بالنظر إلى التغيرات العميقة للتركيبة الديموغرافية للنظام، حيث شهد أمد حياة المستفيدين ارتفاعا كبيرا، مع تسجيل ضعف في عدد المقبلين الجدد على الانخراط، وسرعة ارتفاع أعداد المتقاعدين.

وأشار التقرير إلى أن السن القانوني لإحالة على التقاعد في العديد من البلدان في منطقة البحر الأبيض المتوسط يحدد في 65 سنة وحتى 67 سنة، وقد أتاح إصلاح أنظمة التقاعد في بعض البلدان، من يفضلون الاستمرار في العمل بعد هذا السن في الحصول على معاش كامل.

مراجعة محدودة للتقاعد النسبي

الزيادة في عدد المحالين على التقاعد سيؤثر سلبا على السيولة المالية للنظام، وسيضعف بشكل كبير من أثر الإصلاح المقياسي المعتمد، فقد وصل عدد المحالين على التقاعد النسبي سنة 2015 إلى 7.521، "85 في المائة منهم في قطاع التربية الوطنية"، مقابل 1.586 سنة 2014، وفي سنة 2016، سيصل عددهم إلى 8617.

 وافترض المجلس أنه إذا تمت إحالة 50 في المائة من المنخرطين المتوفرين على 30 سنة على التقاعد النسبي، فإنها ستلغي إصلاحات 2016 بشكل نهائي، حيث من المحتمل أن تستنفذ الاحتياطات في أفق 2022.