حاجي: نجم الكرة ينسب لأوروبا.. والإرهابي يقال عنه "مغربي" !

الدكتور خالد حاجي أثناء إلقاء محاضرته بجامعة مغارب في دورتها الثانية، التي نظمها مركز "مغارب" / صورة عن المركز
غسان الكشوري

كيف تؤطر وزارة الأوقاف إسلام الجالية المغربية بأوروبا، وكيف تضبط تدينهم؟ وكيف يتعامل تدين المغاربة مع اليمين المتطرف والإسلاموفوبيا الأوروبية؟ هذه الأسئلة وغيرها من شؤون الجالية المغربية وعلاقتها بإمارة المؤمنين، يجيب عنها خالد حاجي الكاتب العام للمجلس الأوروبي للعلماء المغاربة.

كيف تعرّف المجلس الأوروبي للعلماء المغاربة؟

هو مؤسسة دولية تشتغل في السياق الأوروبي، ومقرها بالعاصمة البلجيكية بروكسيل، أعضاؤها معينون بظهير شريف وهم يتوزعون على مختلف البلدان الأوروبية؛ والمجلس يعنى بشؤون المسلمين في القارة الأوروبية ويعمل على مرافقتهم بغية الوصول إلى اندماج مقبول، اندماج يكفل لهم التوازن بين الانتساب إلى المواطنة الأوروبية من جهة، والانتساب إلى الدين الإسلامي من جهة أخرى.

ويتوسل المجلس في سعيه إلى تحقيق هذه الأهداف بالنموذج المغربي في التدين، النموذج الذي أثبت نجاعته في ضمان التعايش بين مختلف مكونات المجتمع المغربي المتعددة، وله من الخصائص والمقومات ما يؤهله ليكون النموذج الأكثر مناسبة للبيئة الأوروبية المنفتحة والمتنوعة.

كيف يقوم المجلس بعملية التأطير الديني خارج سياق المغرب ؟

إن المجلس ينشط في بيئة مختلفة تماما عن المغرب، بيئة يطبعها الانفتاح على أنماط مختلفة من التدين. فيها مدارس ومناهج ومذاهب وتيارات لا حصر لها. لذا فإن المجلس يقترح سبل لمرافقة المسلمين عموما، والمغاربة خصوصا، ومن هذه السبل ما يقدمه من دورات تكوينية يستفيد منها الأئمة وأنشطة متنوعة لفائدة المرأة والشباب، تصب كلها في ترسيخ قيم الاعتدال والوسطية التي ارتبطت بالنموذج المغربي. ويقوم المجلس بما يقوم به في احترام تام لخصوصيات البيئة الأوروبية والقوانين المعمول بها والأعراف المقررة.

في عملكم في سياق البلدان المسماة "علمانية"، هل تراعون هذه الخصوصية؟

نحن فعلا إزاء مجتمعات علمانية، ومن مهام المجلس تأهيل السادة الأئمة والمرشدات والشباب لفهم طبيعة هذه المجتمعات واحترام خصوصياتها، وفي هذا الصدد يعمل المجلس على برمجة دورات تكوينية تهدف إلى بناء وعي جديد لتجسير الهوة بين مختلف الأديان والفلسفات المتعايشة داخل البيئة الأوروبية.

كيف يتم تأطير ما يسمى "الجيل الثالث أو الرابع" من الجالية المغربية، لا سيما وأصبحنا نشهد أن من يقوم بأعمال إرهابية يتم التذكير بأنه "ذو أصول مغربية" ؟

حينما يبرز نجم كرة قدم ينسب إلى البلد الأوروبي، وحينما يقوم بعملية انتحارية أو تخريبية ينسب إلى المغرب أو بلد عربي آخر. هذا مؤسف للغاية وإجحاف في حق المغرب والدول الإسلامية. الأصل أن الشباب المسلم في القارة الأوروبية يعاني من صعوبة الاندماج، وهو شباب ممزق وموزع ما بين مرجعيات مختلفة ولا يحصل له الإحساس بالانتساب إلى أي بيئة أوأصل واضح.

هذا تمزق نفسي رهيب يؤثر على طريقة عيشه وتفكيره. وقد ينتج عن وضعه هذا ضروب من الغلو ومن التطرف وبحث عن نوع من الطهرانية، فهو يريد أن ينتسب إلى الإسلام مجردا عن مرجعية الأسرة والأصل والأب والأم، وعن المجتمع والمدرسة.

تأطير هذه الأجيال الضائعة أمر صعب، يقتضي تضافر الجهود. ولعل التأطير الديني وحده غير كافي. وقد يكون من ضياع الجهد والوقت التركيز على هذا التأطير في حال لم تقم المؤسسات المدنية والاقتصادية والسياسية بدورها في تأهيل الشباب المسلم ليكون شبابا متزنا، يشعر بالانتساب إلى المجتمع، ولا يعمل على تخريبه.

صحيح أن للتأطير الديني دورا هاما في الوقاية ضد التطرف والغلو، لكن لا يقل صحة أن وراء التطرف والغلو عوامل أخرى، نفسية ومجتمعية يجب أخذها بعين الاعتبار.

في نظرك ما هو دافع التطرف والإرهاب؟

لا يمكن إرجاع عامل التطرف إلى عامل واحد، فأسبابه متعددة ومتداخلة. من العجائب والغرائب أن أشخاصا قاموا بعمليات إرهابية وهم ذوو سوابق إجرامية، لا علاقة لهم بالتدين، بل كل ما في الأمر أنهم قرؤوا كتابا أو كتابين، ولم يمارسوا الشعائر الدينية إلا شهرا أو شهرين. لا يمكن القول أن عملهم الإرهابي يتأسس على وعي كامل بالتراث الفقهي أو استيعاب للخطاب الديني. فالتطرف لا يكون على مستوى الفكر فحسب، بل يكون على مستوى الأحاسيس والمشاعر كذلك. هناك نوع من الانحباس على مستوى العواطف يؤثر في علاقة الشاب بالمجتمع.

ما عايشناه هو وجود حالات لها خلفية إجرامية وتاريخ أسود، يتم استدراجها واستقطابها أثناء الاعتقال داخل السجون، فقد يجد الشاب نفسه منجذبا نحو "تبرير العنف"، فيصبح قنبلة موقوتة، مستعدا للقيام بأي شيء تحت مسمى الدين. إنه الفراغ العاطفي والروحي، والجهل بالاسلام وتراثه وبأساسياته.

إن حصل الأمر لأحد من الجالية المغربية وتشبع الفكر المتطرف. ألا ترصدون مثلا هذه الحالات؟

إن دور المجلس يكمن أساسا في صناعة نماذج يقتدي بها الإمام والشباب والنشء، في تأطير الوعي الديني والارتقاء بالممارسة الدينية إلى مستويات تورث الطمأنينة النفسية والسكينة الروحية. ولكن هذا لا يمنع من أن يستفيد المجلس من الدراسات والإحصاءات المنجزة حول موضوع التطرف وغيره من المواضيع، كي يكون على بينة بمعطيات الواقع وهو يصنع برامجه ويحدد مجالات تدخله.

كيف تؤطرون الحقل الديني، في ظل وجود اليمين المتطرف وظاهرة الإسلاموفوبيا ؟

الشعبوية وخطابها يهددان بنسف جميع سبل التعايش ما بين جميع مكونات المجتمعات الأوروبية. اليمين المتطرف لا يمس المجلس مباشرة. لكن خطاباته الشعبوية تمس كل ما له صلة بالإسلام والأجانب. وهي خطابات عنصرية ترفض الآخر والغير والأجنبي. لكن هناك مؤسسات أوروبية تتطلع إلى مخلص وترى في النموذج المغربي ما يمكن أن يخلص البيئة الأوروبية من التطرف والغلو في التدين. وكثيرون يثقون في تدين المغاربة ويرون فيه النموذج الأنسب للسياق الأوروبي.

ما هو تأثير السياسي على اشتغالكم الديني؟

ليس هناك في العالم نموذج يمكن أن ننقله حرفيا لإصلاح العلاقة بين الديني والسياسي. في المغرب وجدنا نموذجا ارتضاه المغاربة وضمن لهم استقرارهم وهو إمارة المؤمنين والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وتصوف الجنيد. يمكن تصدير هذا النموذج في حدود الممكن، تصدير أصوله لتنتج المعنى في سياقات أخرى.

في بيئة علمانية تفصل الديني عن السياسي، نحترم مجالات اشتغال الطرفين. لكن لا ننسى أن هذه العلمانية وعملية الفصل تأخذ تلوينات مختلفة حسب الأماكن. ففي ألمانيا مثلا هناك 16 ولاية، لكل واحدة لون خاص، إما ذات نزوع كاثوليكي أو بروتستانتي أو علماني. هذا التحدي ليس هينا، ولكن المجلس يجتهد من أجل مجابهته ورفعه.