حكايات المغربيات مع التحرش (1/4).. شهادات منيب والزعيمي والشنا والمنصوري

تيل كيل عربي

بعد تفجر فضيحة الاعتداءات الجنسية وتحرشات هارفي وينشتاين، المنتج السينمائي العالمي بممثلات مشهورات طيلة سنوات، انطلقت حملة دولية في "تويتر" و"فيسبوك" تحث النساء على فضح المتحرشين والمعتدين جنسيا عليهن، باستعمال "هاشتاغ" (#Balance Ton Porc)، أو (#Moi aussi).

ونيابة عن جميع المغربيات المجبرات على الصمت، فضحت ممثلات، ومنتخبات، ومقاولات، وفاعلات في حقل التواصل وناشطات في المجتمع المدني، في شهادات نشرتها مجلة "تيلكيل"، في عددها للأسبوع من 3 نونبر الجاري إلى 9 منه، التحرش الجنسي الذي تعرضن له بالمغرب. اليوم نعطي الكلمة للفاعلة السياسية نبيلة منيب، والممثلة مريم الزعيمي، وفاطمة الزهراء المنصوري، عمدة مراكش سابقا، وعائشة الشنا، مؤسسة جمعية التضامن النسوي.

مريم الزعيمي: رفضت مخرجا فقال لي أنت الخاسرة

للممثلة مريم زعيمي، حكايات مع التحرش، إذ قالت "ليست القصة التي سأحكيها لكم غير واحدة من حكايات مماثلة عديدة. حصل ذلك سنة 2010، في مقهى بالدار البيضاء، كان لي موعد فيه مع مخرج للحديث عن دور اقترحه علي ضمن أحد أفلامه. بسرعة، انزاح النقاش عن سياقه ليفتقد اللياقة. سألني المخرج إن كنت أتوفر على تأشيرة سفر فأجبته بالنفي، قبل أن أسأله من جانبي عن سبب سؤاله. لحظتها، شرح لي أنه يريد استصحابي إلى باريس وأنه يتخيلنا منذ الآن في جادة الشانزيليه، محتفلين معا وأيادينا متشابكة.

 أمام رفضي، صرح لي أن الدور المقترح يستلزم التوفر على تأشيرة سفر، وأنه علي التخلي عن فكرة المشاركة في مشروعه في حالة العكس. تلميحه كان واضحا: لقد أراد تبليغي بأن ربط علاقة معه هي الوسيلة الوحيدة لنيل دور في شريطه. وقد تحرش بي عقبها عبر الهاتف، وقال إنني الخاسرة في جميع الأحوال نظرا لأن ممثلات جديدات سيبرزن، "أكثر شبابا وأكثر طراوة". هذا المخرج جبان من بين جبناء كثيرين من طينته، جميع أولئك الرجال الذين لا يتحملون تبعات تصرفاتهم، ويريدون أن يجعلونا نعتقد بأن الأمور برمتها من نسج خيالنا."

فاطمة الزهراء المنصوري: الأوساط التقدمية تعج بالرجعيين

  بالنسبة إلى رئيسة المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة، والعمدة السابقة لمراكش، بدون صحوة للضمائر، سيظل التحرش الذي رافق أمهاتنا، وبعدهن نحن، مرافقا لبناتنا.

  خلال حياتي المهنية كمحامية وكذلك مساري السياسي، واجهت متحرشين كثر. والأوساط التقدمية حيث ترعرعت كانت تعج بالرجعيين المتحجرين هي الأخرى. كانوا ينظرون إلي كجسم مادي يشكو من نقط ضعف، و يصعب عليهم تقبل كون امرأة تستطيع التفكير بنفسها.

   كان هذا يتجلى في هجمات عمومية. لن أدرج الأمر في خانة "التحرش" بالمعنى القانوني للكلمة. أفضل تصنيفه ضمن أنواع الترهيب بالأحرى.

   كانت هناك إرادة شرسة تسعى إلى تبخيسي، في المجال السياسي، إلا مجرد معبرة عن إرادة رجل، رجل يوحي لي بأفكاري أو يدفعني إلى اتخاذ قرارات. وهو ما يومئ إلى عقلية عتيقة، معاكسة لاتجاه التاريخ.

   ومع أن خندق الضعف تغير بجلاء بعدها، فالثقل الكبير للمجتمع وللعائلة يفرض على النساء أن يصمتن. ويكفي المرء التجول في الأزقة لمشاهدة ضحايا هذا الصمت على كل الأرصفة.

 لقد اعتمدنا نصوصا قانونية، لكنه علينا الاعتراف بأنها غير كافية اليوم. إن دور القوى الحية في البلاد يتمثل أيضا في التنديد بهكذا أوضاع.

وسأقلب السؤال: هل يوجد حاليا رجال يشعرون بمسؤوليتهم على إضعاف 50 % من طاقات بلادنا؟"

عائشة الشنا: وسيط عقاري حرضني على خيانة زوجي

لم تسلم عائشة الشنا، مؤسسة ورئيسة جمعية التضامن النسائي، من التحرش، فحكت قصتها معه بالقول: "حين كنت أما لطفلين، تعرضت للتحرش من قبل وسيط عقاري كلفته ببيع بقعة أرضية لفائدتي، تساعدني على اقتناء سكن جديد. ونحن على متن السيارة، بادرني بالقول بدون مقدمات: "تعرفين عائشة أن الملل يعشش بين كل زوجين، وأن التصدي له يتطلب التغيير بين الفينة والأخرى".

 دهشت من كلامه، وحاولت إفهامه بأن أقواله غير ملائمة، لكن من دون ازدرائه: "لقد تكلمت سي أحمد، لكنني لم أسمع شيئا". ومع ذلك، فقد أصر، ما أغضبني ودفعني إلى القول: "أجل، أنت على حق، ومن الصحيح أنه لا يجب على الإنسان تناول نفس الطبق دائما".

كنت أعلم أنه يقطن فيلا بها أشجار فاكهة لأننا كنا نعيش في الحي نفسه، فأضفت: "سيعود زوجي في الواحدة والنصف زوالا، وسأبعثه لتناول الفواكه عندك، ذلك أنه سئم من البطاطس. من الواجب أن يأكل شيئا آخر".

وبعد العودة إلى البيت، حكيت لزوجي الواقعة ورد فعلي. "لقد لقنته درسا بليغا في الحياة. صفعة من طرفك لم تكن كافية، أما والحال هكذا، فإنه تلقى ضربة موجعة على رأسه ستصده ربما عن التحرش بالنساء، خاصة وهن متزوجات"، قال لي زوجي في معرض رده.

نبيلة منيب: اليسار ليس معافى

  تقول الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد: "علمت مبكرا بأنني متساوية مع الرجل، وبأنه علينا أخذ ما يكفي من الوقت لشرح هذا المعطى للذين لا يبدو لهم أنه أمر بديهي. وأثناء التجمعات السياسية، حين يتحدث إلي الخصوم الذكور، فهم  يشعرون بثقة أكبر من التي يشعرون بها حين يناقشون نظراءهم الرجال".

  إنهم، وهم يوجهون الكلام إلى رجل، يستعملون بإفراط كلمات من قبيل "السادة" و"المحترمين" قبل تقديم سؤالهم، أما أنا، فلا أستحق من طرفهم عبارات آداب السلوك المبالغ فيها تلك، وأسئلتهم لي كثيرا ما تفتتح بهذه الصيغة: "هذا ليس صحيحا".

 حين ألقي محاضرات في الجامعة، أقول لطلبتي: "أتمنى أن تكونوا بنفس التزام وشجاعة الرجال الأكبر منكم سنا لما يوجهون الكلام إلى نساء، فهذا يفسح مجالا واسعا للتعبير".

  للأسف، غياب النقاش الهادئ معطى ملازم للمجتمعات غير المتعلمة والمثقفة بما فيه الكفاية. واليسار، بدوره، ليس معافى تماما من هذه المظاهر أثناء نقاشاته الداخلية.

 ويحدث خلال اجتماعات صاخبة بعض الشيء، أن يعتذر رفاق لم يكبحوا جماح ألسنتهم عن أقوالهم، قائلين لي: "نعتذر، لم نكن نريد قول هذا، خاصة وأنك امرأة". أو لعلهم يتذكرون حينها أنني حاصلة تقريبا على الحزام الأسود في رياضة الكاراتيه وأنه بإمكان النقاش الاستمرار في ملعب آخر... (تضحك). لا، نحن لسنا هنا بالطبع للعراك، لكنه من المعروف أن الفنون القتالية تساعد على كسب الثقة بالنفس."