ربورطاج من بؤرة الكوليرا بالجزائر.. طوارئ في المستشفيات وغلاء في المياه المعدنية

أ.ف.ب / تيلكيل

"كأنهم مسجونون، ننتظر العفو عنهم" هكذا يصف فاتح حال المصابين بالكوليرا في مستشفى بوفاريك غرب الجزائر حيث يأتي يوميا منذ 12 يوما ليطمئن على أمه في انتظار أن يؤذن للمرضى بالخروج من الحجر الصحي الذي وضعوا فيه منذ ظهور هذا الوباء مجددا في البلاد في مطلع غشت.

 

طوارئ في بوفاريك

يقول هذا الشاب الذي يعمل سائق شاحنة "جئنا بها الى المستشفى منذ الجمعة التي سبقت عيد الاضحى بعد معاناتها من إسهال حاد، كنا خائفين جدا عليها بعدما فقدت الكثير من الوزن، لكنها اليوم في تحسن ما يجعلنا نأمل في خروجها القريب".

كل مريض يدخل المستشفى تؤخذ منه عينات يتم إرسالها إلى معهد باستور بالجزائر لتأكيد الإصابة بالكوليرا أم لا بالنسبة للحالات المشتبه فيها، أما الحالات المؤكدة فتخضع للعلاج مع تحاليل دورية لتأكيد شفائها.

ويعيش مستشفى بوفاريك بالبليدة (50 كلم جنوب غرب الجزائر) حالة طوارئ منذ اكتشاف أول حالة كوليرا في بداية غشت، بعد 22 سنة من اختفائه تماما من البلد.

فهذه المؤسسة الصحية التي يعود بناؤها إلى 1870 هي الوحيدة في منطقة وسط البلاد التي تضم وحدة لعزل المرضى بطاقة 150 سرير، بالإضافة إلى مستشفى القطار بالعاصمة.

ويضيف فاتح "منذ أن يدخل المريض هنا ينقطع عن العالم الخارجي حتى يتم الإفراج عنه".

ويبقى المرضى المشتبه في إصابتهم أربعة أيام على الأقل تحت المراقبة "فالنتائج من معهد باستور تأخذ بين ثلاثة إلى سبعة أيام بحسب الحالة" كما أكد مدير مستشفى بوفاريك رضا دغبوش لوكالة فرنس برس.

ويوضح "أما معدل بقاء المرضى تحت المراقبة قبل صدور التحاليل فهو حاليا أربعة أيام".

 

 

مرضى مع قطع الاتصال

وسادت حالة من الترقب طيلة يوم الثلاثاء لنتائج التحاليل، ومع حلول موعد الزيارات عند الساعة الواحدة ظهرا، تهرع العائلات الى جناح الاوبئة والامراض المعدية للاطمئنان على ذويها رغم ان الزيارات والاحتكاك بالمرضى ممنوع تماما.

ويكتفي الزوار بالبقاء في ساحة محاذية لمصلحة الاوبئة والامراض المعدية في انتظار أن يطل المرضى من النوافذ المسيجة بالحديد فيبدأ حوار بين الزوار والمرضى تارة بالصوت العالي وتارة اخرى بالاشارة فقط.

ويمنع تقديم اي شيئ للمرضى، لا أكل لا شرب ولا حتى ملابس. بعض الزوار يضعون كمامات على أفواههم وبعض النسوة يغطين أفواههن بالخمار الذي يلبسنه.

ويقطن فاتح في حي جديد ببلدية بئر توتة، على بعد حوالي 20 كلم من بوفاريك، ولم يصب أحد من عائلته او حتى من الحي سوى أمه، وهي واحدة من 91 مريضا يخضعون للعلاج في مستشفى بوفاريك منهم 73 من ولاية البليدة، كما صرح مدير الصحة احمد جمعي لوكالة فرنس برس الثلاثاء.

أمام باب حديدي ينتظر شيخ خروج ابنته التي قضت في المستشفى 10عشرة أيام تحت المراقبة بعد الاشتباه في إصابتها بالكوليرا.

ومن فرحته راح يقبل موظفي المستشفى ويشكرهم "المهم ان ابنتي خرجت من المستشفى"، هكذا قال لاحد اعوان الامن الذي كان يمنعه من الدخول في كل مرة يأتي لزيارتها.

ومثل هؤلاء شاب آخر رفض الافصاح عن اسمه لكنه روى لوكالة فرنس برس قصته مع المرض، فهو نفسه قضى ثمانية أيام في المستشفى مع 16 فردا من عائلته خرج منهم 13. لقد خرج الاثنين فيما خرجت أمه وزوجة أخيه ورضيعها الثلاثاء.

 

 

الماء بريئ وأسعار المعدني ترتفع

فهو من بلدية حمر العين بتيبازة (70 كلم غرب الجزائر) حيث قامت السلطات بردم منبع مائي ملوث ببكتيريا الكوليرا وحيث أعلنت وزارة الصحة الثلاثاء تسجيل 14 حالة مؤكدة.

وقال "أعيش مع عائلتي في منزل كبير في حمر العين، بدأ المرض مع أمي التي اصيبت بالاسهال ثم والدي، وبعد نقلهما الى المستشفى جاءت سيارة اسعاف ونقلت كل العائلة البالغة 16 فردا".

وشربت كل العائلة من المنبع الملوث، لكن بالنسبة لهذا الشخص فان مصدر الداء ليس الماء "والا كان انتشر في كل المنطقة لأن الجميع يشرب من هذا المنبع منذ عشرات السنين".

وحتى مدير المستشفى يرجح ان تكون أسباب المرض متعددة نظرا الى المناطق المتفرقة التي جاء منها المرضى (19 مريض من حمر العين فقط)، وقد تكون خضر وفواكه ملوثة استهلكت دون غسلها بشكل جيد.

الخبر السار الثلاثاء كان يتعلق ب16 مريضا وأم فاتح ليست بينهم. لقد خرجوا مبتهجين مهرولين نحو السيارات، وكأنهم يريدون طي صفحة الكوليرا بأسرع وقت ممكن.

وخارج المستشفى بدا القلق واضحا على سكان مدينة بوفاريك وخاصة المحاذين للمستشفى، فهم لا يعرفون الكثير عن هذا المرض.

أحد التجار وقف في محله وهو يضع قفازات طبية "لست ادري لعل الاوراق المالية ملوثة بالمرض" كما أوضح.

وارتفعت أسعار المياه المعدنية وكذلك المراهم المعقمة للاستعمال اليدوي باتت مفقودة، بحسب مراسل وكالة فرانس برس.