رمضان: شعائر ظاهرة أم أخلاق وتربية؟

صورة: ياسين التومي
محمد عبد الوهاب رفيقي

مع اقتراب شهر رمضان، تنطلق الاستعدادات لدخول الشهر ومقتضياته، ليس ذلك مخصوصا بالماديات وأصناف الطعام والشراب، وإنما ينطلق أيضا الاستعداد النفسي والروحي للعبادة وتأدية الشعائر الدينية المرتبطة بالشهر، والتي تأخذ مظهرا جماعيا وطقوسيا اعتاده الناس في هذا الشهر.

ارتبط رمضان في مجتمعاتنا بكل ما هو شعائري، اجتماع على السحور والإفطار، صلاة التراويح، امتلاء المسجد… لكن ذلك كله لا يجد أي أثر على سلوكيات الناس وتصرفاتهم، بل على العكس من ذلك، يشهد رمضان أقصى درجات التوتر وتشنج العلاقات داخل المجتمع،  حتى لقد ارتبط هذا الشهر خاصة وقت الصيام بحالات التشنج والتوتر، وكثرة الشقاق والنزاع، وكثرة العابسين والغاضبين، بل بلغ الحال بنحت مصطلح جديد مشتق من اسم الشهر ( الترمضين) كناية عن فساد المزاج وتعكره .

الصوم في الإسلام وسائر الأديان ارتبط بالنفسية الهادئة والمسالمة المبتسمة، لكن هذا المعنى تقلص إلى حد أن ارتبط لدينا نهار رمضان بالشجارات العنيفة في المؤسسات والأسواق وغيرها.

 لقد حدد الله تعالى الغاية من الصيام وتشريعه عند المسلمين ومن سبقهم: ( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) ، فالغاية التقوى، والتقوى معنى متعد إلى الغير، متضمن للإحسان وكف الأذى وحسن معاشرة الناس.

مشكلتنا أن التدين في خطاباتنا وتصوراتنا بالشعائر وإقامتها، فلان مداوم على الصلاة، فلان قلبه معلق قلبه بالمساجد، فلان كثير الصيام، فلان شغوف بقراءة القرآن...

ليس في ذلك من عيب أو إشكال، فالإسلام صلاة وصوم  وتعبد في غالب شعائره، لكن المشكلة التي تصاحب هذا التدين،  هو عدم انعكاس هذا الالتزام بالصلاة مثلا على المستوى السلوكي والأخلاقي، فالمساجد قد تزدحم بالمصلين، ولكن هل الأخلاق تزدحم في سلوك الناس؟

الجواب محرج جدا، ويضعنا أمام اختبار قاس وقاس جدا، القرآن الكريم كان واضحا جدا في ربط الشعائر التعبدية بالسلوك،( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر)، فهذا مقصدها وغايتها، بل إن الحديث النبوي ربط قبول الصلاة ورفعها بهذا الأثر السلوكي: "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له". لكن مشكلتنا أنه حتى تصورنا لمعنى الفحشاء شابه خطأ آخر، وخالطته الأدلجة، فصار يحيل على التدخل في لباس وسلوك الغير،  أكثر مما يحيل نحو تزكية النفس وتربيتها وتصفيتها أخلاقيا.

لو عدنا إلى شعائر الإسلام الكبرى، واخترنا منها ما كان جماعيا، لرصدنا عشرات السلوكيات الفاحشة، التي لا تتلائم مع مقاصد هذه الشعائر وغاياتها، أنظر إلى المصلين في عدم انتظامهم ولا اجتماعهم على قلب واحد، ولا انعكاس صلاتهم على علاقاتهم ببعضهم، بل ولا على نفوسهم أصلا، أنظر إلى الصائمين و مشاعر الغضب والكره التي تتأجج خلال يوم الصيام، ومشاهد العراك والخصام وفقدان البسمة أثناء الشهر الكريم، طالع مشهد الحجاج يؤذي بعضهم بعضا ويتقوى بعضهم على بعض وهم يؤدون مناسك حجهم أو عمرتهم.

التركيز على النجاح في الحياة الشخصية ، وكذا سمو الاخلاق تجاه الآخر ، هما ركني التدين الذين يجب أن يركز عليهما الوعاظ و العلماء والمؤسسات الدينية والتربوية، فلا يمكن أن يستمر هذا التخلف السلوكي دون  أن نراجع قواعد تدين المجتمع الذي يبدو لنا محافظا، لكنه لازال متخلفا على المستوى الحضاري والأخلاقي.

التركيز على النصوص من قبل المؤسسات الدينية والشيوخ والوُعاظ  لا يساعد ذلك  المتدين على تركيز جهده في تزكية أخلاقه.

  التدين واقع وطني،  ولنا الحق في حث مسؤولي هذا الشأن التركيز في تناولهم  للخطاب الديني على أن الأخلاق الرفيعة هي أساس الدين وليس النصوص، وما النصوص إلا مؤكدة ومحفزة.

الأخلاق، هي أساس الدين ويجب أن تكون أساس الخطاب، حتى يُنتج ممارسة توازن بين الاعتقاد والأخلاق.

 منطق الحس البسيط دائما ما يجعلنا نكشف خلل تدين فلان الذي أكل مال علان أو سبه أو مارس سلوكا مناقضا لمستوى تدينه، هذا المنطق نفسه  هو ما يجب توظيفه في الخطاب الديني لصياغة منهج تدين سليم.

رمضان شهر روحاني، وروحانيته تشمل العلاقة الخاصة بين العبد وربه، كما تشمل علاقات الناس وما يطغى على فضاءاتهم من سمات الهدوء وعلامات الطمأنينة، إن كنا ننوي حقا أداء شعيرة الصيام.