عبد الله إبراهيم.. تاريخ الفرص الضائعة (1)

تيل كيل عربي

خصصت الكاتبة المغربية ذات الأصول الفرنسية زكية داوود (جاكلين داوود) لعبد الله إبراهيم، الشخصية المميزة في تاريخ المغرب، كتابا مهما تستعرض فيه حياة الرجل ومساره السياسي والفكري، وتجربته على رأس الحكومة، تقترح عليكم "تيل كيل عربي" عرضا موسعا لمضامينه على حلقات طيلة شهر رمضان.

زكية داوود (تصوير: ياسين التومي)

1- تربية مراكشية تقليدية

ترك عبد الله إبراهيم أثرا لا يمحي في تاريخ المغرب المعاصر. ويعرفه الناس أكثر بكونه أول رئيس حكومة في تاريخ المملكة. ويعتبر كثيرون أن حكومته هذه، التي لم تدم سوى سنة ونصف السنة (دجنبر 1958 إلى ماي 1960)، كانت وراء العديد من القوانين والإجراءات المؤسسة لمغرب ما بعد الاستقلال. هذه التجربة الفريدة تم وأدها بسرعة وانتقل عبد الله إبراهيم إلى المعارضة ثم إلى الظل.

عاد الرجل إلى شغفه الأول،  أي التدريس الجامعي والكتابة والتفكير، وفضل الابتعاد عن حقل سياسي جرى تسييجه وترويضه، بل والابتعاد عن الأضواء كلها. ولكنه ظل محتفظا،  في أذهان من عرفوه مقاوما وسياسيا وأستاذا ومثقفا،  بصورة الرجل النقي النزيه الزاهد في متاع الحياة الدنيا.. صورة السياسي العارف بطبيعة مجتمعه المعقد، والجريء الذي لا يخاف التغيير.. صورة ذلك المغربي الذي تشبع بالقيم الحديثة دون الانسلاخ عن التقاليد التي انغرست في خلاياه منذ ولادته في مراكش. فمن يكون حقا هذا الرجل؟ وكيف حاز هذه المكانة المميزة؟

تقول زكية داوود إن عبد الله إبراهيم ولد في 24 غشت 1918 "بدرب الحمام بـ'حومة المواسين' بالمدينة العتيقة لمراكش.

وكانت تقطن في هذا الحي في تلك الفترة عدد من العائلات التي عرف عبد الله إبراهيم أبناءها، بعضهم كانوا رفاق اللعب لسنين طويلة: القاضي الكبير عباس الطعارجي، و الشاعر محمد بن إبراهيم، وعائلات المنجرة، ولحساني، التي سيتزوج أحد أبنائها خديجة أخت عبدالله.

إنه ابن المدينة.. مراكشي ينتمي إلى وسط تقليدي، حتى وإن تم دوما وضعه في خانة الوطنيين المنحدرين من البوادي، في مقابل البرجوازيين الفاسيين والرباطيين والسلاويين الذين شكلوا أغلبية الوطنيين المنتمين إلى جيله: علال الفاسي (مزداد في 1910 بفاس)، أحمد بلافريج (مزداد في 1908 بالرباط)، فضلا عن المثقفين السلاويين الذين كان لهم منذ 1926 – بقيادة الشاب سعيد حجي وجمعيته "الوداد" وصحفه الوطنية الأولى ونواديه الأدبية- أثر حاسم على الوطنيين المغاربة".

وإذا كان يشترك مع كل هؤلاء في الانتماء إلى وسط حضري، فإنه كان يختلف عنهم جميعا،  لأنه لم يكن برجوازيا ولا ابن أسرة من الأعيان الذين اغتنوا بفضل التجارة أو الأعمال ذات الطابع الفكري. فهو سليل أسرة "كان دائما يصفها بالمتواضعة، هو الذي لم يقم وزنا للمال والثروة.

وينحدر والده من "بني أمغار" بزاوية تمصلوحت ومولاي إبراهيم، ويعتبر بالتالي من 'الشرفاء' حتى أنه مسجل في السجل المدني باسم "مولاي عبد الله بن إبراهيم الشريف الإدريسي بن أحمد"، وهو الاسم الذي خففه وبسطه عبد الله إلى حد كبير، أما والدته فأصولها من سوس. وكان الوالد ينتمي إلى الطريقة التيجانية الشاذلية، وعمل على تربية أبنائه بناء على التقاليد المراكشية، وفي فلك الزوايا.

ورغم هذا فقد كان عبد الله إيراهيم يرفض إقامة وزن لنسبه، ويعتبر، حسب ابنه طارق، أن المرء يبلغ النبل بأعماله وليس بنسبه".