عبد الله إبراهيم.. في صحبة ابن خلدون وابن عربي (2)

تيل كيل عربي

في الحلقة الثانية من كتاب " عبد الله إبراهيم.. تاريخ الفرص الضائعة" ، نكتشف المسار التعليمي للطفل عبد الله وأبرز الكتابات والشخصيات التي تأثر بها في مراكش التي تعيش تحت وطأة سلطة الباشا الكلاوي في العشرينيات والثلاثينيات.

جاء الطفل عبد الله إلى هذا العالم وقد مرت على الحماية الفرنسية ست سنوات. جاء إلى هذا العالم في الوقت الذي تم فيه إخراج الشيخ الهيبة، ابن الشيخ ماء العينين، من مراكش من طرف القوات الفرنسية للجنرال مونجان، بعد أن كان دخلها في 1012 وأعلن نفسه سلطانا. ووضعت المدينة الحمراء تحت سلطة الباشا الكلاوي، الذي تحالف مع المستعمر منذ 1913. وفورا، أعلن الباشا الشهير حظرا للتجول في المدينة ظل ساريا إلى أن جاء الاستقلال.

"وقد تأثرت طفولة عبد الله، منذ سن الرابعة، بشخصية خاله الشريف بومدين. فهذا العالم، الذي يوصف بأنه حكيم صوفي، كان قد غادر مراكش قبل عشر سنوات قاصدا الحج وللقيام بجولة واسعة في الشرق الأوسط. وبعد عودته إلى المدينة الحمراء بحقائب مثقلة بالكتب، اكتشف أن أخته تزوجت وأنجبت طلفين، أصغرهما عبد الله الذي التحق بالكتاب. فورا أخذه هذا الخال، الذي يعطي الدروس في الزاوية التيجانية، تحت جناحه، وتكلف بتعليمه وتربيته. وسيترك في نفس عبد الله أثرا لا يمحي، لأنه سيرسخ فيه حب الكتب والقراءة، وسيذكي فيه الاهتمام بالثقافة وبالعالم الواسع هناك خلف أسوار مدينة محتلة.

لحفظ القرآن، سلم الشريف بومدين ابن أخته إلى صديقه الفقيه نظيفي، الذي سيسمح له، بعد أن كبر بضع سنين، بتعويضه في القسم، بل سيكلفه حتى بتحفيظ القرآن للكبار لأن الطفل أظهر منذ نعومة أظافره جدية ومهارة في حفظ القرآن وإتقان قواعد اللغة، وقد تمكن فعلا من إنهاء حفظ القرآن في سن الثالثة عشر. بهذه الطريقة، مارس عبد الله إبراهيم، الذي كان دوما شغوفا بالتدريس، هذا النشاط منذ حداثة سنه(...)"

بفضل خاله اكتشف هذا اليافع مبكرا "ابن خلدون، الذي سيصبح 'معلمه الفكري' ، كما تأثر بكتابات محي الدين بن عربي. ثم أخذ يهتم باكرا بالتجربة السوفياتية بعد أن تم إلقاء مناشير في المدينة، وبالخصوص تلك التي كانت تتناول أول دستور سوفياتي لسنة 1930.

كما انصرف اهتمامه في الوقت ذاته إلى الكتاب الرومانسيين الفرنسيين، وكذلك المفكرين الإغريق مثل أفلاطون وأريسطو. واكتشف كذلك في تلك الفترة الفلاسفة الألمان مثل هيغل، فضلا عن الكتابات الاقتصادية.

اعتمد في تكوينه على الكتب والوحدة، بشكل عصامي تقريبا. وكان يقطع هذه الوحدة بالتدريس: كان يعطي دروسا في اللغة العربية، ودروسا مسائية في المدارس الابتدائية بالمدينة العتيقة لمراكش.

وبالموازاة مع ذلك، التحق بمدرسة ابن يوسف لمتابعة دراسته في التعليم العالي العتيق لاجتياز امتحان "العالمية"، الذي يخول له الحصول على شهادة "عالم"، وهي نفسها التي حازها علال الفاسي قبله من جامعة القرويين(...).

كان طلبة وخريجو مدرسة ابن يوسف مختلفين كثيرا عن نظرائهم بالقرويين. إذ كان علماء الأولى أكثر تطرفا وأكثر ميلا للثورة، بينما كان الآخرون ينحازون للتقاليد وأكثر تأييدا للسلطات القائمة.