مجلس جطو يحذر من الهشاشة المالية للصندوق المغربي للتقاعد ويطرح وصفته لانقاذه مستقبلاً

إدريس جطو الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات
أحمد مدياني

وجه المجلس الأعلى للحسابات، مجموعة من الملاحظات للصندوق المغربي للتقاعد، أهمها "هشاشة نظامه المالي، وعدم تناسب قيمة المساهمين فيه مع التعويضات التي يحصلون عليها"، فضلاً عن انتقاده لـ"غياب فضاء إداري ملائم داخله لمناقشة مستقبل احتياطاته، وتأثير الاصلاح  الذي أقرته الحكومة على المدى القريب فقط"، كما وجه المجلس عدداً من التوصيات لضمان اصلاح أنظمة التقاعد، وذلك ضمن التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات برسم سنتي 2016- 2017، والذي أصدره يوم أمس الاثنين.

ويقول تقرير المجلس، أنه "يتضح من خلال مختلف الدراسات والتشخيصات التي قام بها الصندوق المغربي للتقاعد، كذا بعض الأطراف المعنية بالموضوع، فإن نظام المعاشات المدنية يعاني منذ عدة سنوات من وضعية مالية هشة".

"هشاشة" مالية

أوضح التقرير أن الوضعية المالية للصندوق، أدت إلى تسجيل أول عجز تقني سنة 2014 بلغ 936 مليون درهم، وسرعان ما ارتفع إلى 2.68 مليار درهم عام 2015، ليصل 4.76 مليار درهم عام 2016.

ووصف المجلس الأعلى للحسابات التعويضات التي يمنحها الصندوق المغربي للتقاعد لمنخرطيه بـ"السخاء"، وقال بهذا الصدد، إن "نظام المعاشات المدنية اتسم قبل اصلاحه عام 2016 بسخاء كبير، حيث منح لمنخرطيه عن كل سنة اشتراك قسطا سنوياً بمعدل 2.5 في المائة من آخر أجر. وأضاف التقرير، أن دراسة أنجتزها اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد أظهرت أن كل مساهمة بدرهم واحد يمنح النظام مقابلها حقوقاً تقدر بـ1.91 درهماً.

وأشار تقرير مجلس جطو، إلى أن الإصالح الذي أقرته الحكومة سنة 2016، عمل على خفض هذا القسط السنوي.

أورد التقرير ذاته، فيما يخص مالية الصندوق المغربي للتقاعد، أنه " منذ توسيع وعاء تصفية المعاشات ليشمل مجموع التعويضات النظامية الدائمة ابتداء من سنة 1989، أصبح مستوى القسط السنوي مرتفعا وغير متناسب مع مستوى المساهمات، وبإضافة الإعفاء الضريبي الذي تستفيد منه معاشات التقاعد، فإن معدل التعويض قد يتجاوز آخر أجر يتقاضاه المنخرط.

تقاعد المنخرط

في سياق متصل، أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى أن "أغلب أنظمة التقاعد الحديثة، تتم تصفية المعاشات على أساس متوسط الأجر المحصل عليه خلال مدة طويلة نسبيا، وفي كثير من البلدان يعتمد متوسط الأجر خلال طول مدة المساهمة لتصفية المعاشات. وهو ما يتيح تحقيق الملاءمة بين مستوى المساهمات والمعاشات المستحقة. غير أن نظام المعاشات المدنية اعتمد، قبل الإصلاح عام 2016، آخر أجر يتقاضاه الموظف أثناء فترة انخراطه في النظام كوعاء لتصفية المعاشات".

واعتبر تقرير المجلس، أن "هذه الوضعية كانت سببا في عدم التناسب بين المساهمات المحصلة من قبل النظام والمعاشات المستحقة".  بالإضافة إلى عوامل أخرى، وتؤدي هذه الوضعية، حسب المصدر ذاته، إلى "تفاقم العجز المالي للنظام، خصوصا مع المنحى التصاعدي الذي تعرفه الترقية في الدرجة داخل الإدارة العمومية مع اقتراب موعد الإحالة على التقاعد".

وتوقع المجلس أن يتواصل منحى ترقية الموظفين في المستقبل، في ظل التغييرات التي يعرفها موظفو الدولة، خصوصاً ارتفاع عدد الأطر الذين ينهون مسارهم الإداري في أعلى الدرجات. إذ انتقلت نسبة الأطر من فئة المتقاعدين من 12 في المائة سنة 1990، إلى 38 في المائة سنة 2005 ثم إلى 42 في المائة سنة 2010 ، وأخيرا إلى 50 في المائة سنة 2015.

وأشار التقرير في هذا الصدد، إلى أن إصلاح أنظمة التقاعد الذي أقرته الحكومة عام 2016 أقر بأن يشكل متوسط الأجر المحصل عليه خلال 8 سنوات الأخير وعاء احتساب المعاشات، وسيتم تطبيق هذا الإصالح بشكل تدريجي.

ارتفاع عدد المتقاعدين

طرح تقرير المجلس الأعلى للحسابات، ما وصفه بـ الانخفاض المستمر للمؤشر الديمغرافي"، أي أن الإدارة المغربية تعرف استقراراً في عدد التوظيفات، منذ عدة سنوات، مقارنة مع الفترات السابقة. كما ازدادت نسبة الأطر، إذ أصبحت تمثل 58 في المائة من مجموع الموظفين.

وبالموازاة مع ذلك، يضيف التقرير ذاته، تزايد عدد المتقاعدين بشكل يفوق عدد المنخرطين. وهكذا، انتقل المؤشر الديمغرافي من 12 نشيطا لكل متقاعد واحد سنة 1986 إلى 6 نشيطين سنة 2000 ثم 2.32 سنة 2016 ،وينتظر أن يصل هذا المؤشر إلى 1.74 سنة 2024.

وأورد تقرير مجلس جطو، أن عدد المنخرطين انخفض بين 2014 و2016 إذ انتقل من 672.036 إلى 649.023، أي انخفض بنسبة 1.73 في المائة.

عوامل أخرى

وقال تقرير المجلس الأعلى للحسابات، إن هناك عوامل أخرى، تؤثر سلبا على توازن نظام المعاشات المدنية تجب الإشارة إليها، ومن بينها:

" تحمل التعويضات العائلية من قبل النظام، حيث لا توجد احتياطيات ولا اشتراكات خاصة بالتعويضات العائلية. وتمثل المبالغ التي يتحملها النظام لهذا الغرض 5,1 في المائة من مجموع المعاشات؛  منح فوري للمعاشات في حالة التقاعد النسبي خلافا لما هو معمول به في النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعدRCAR  المدبر من قبل صندوق الإيداع والتدبير، ونظام التقاعد المدبر من قبل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي CNSS".

وأوضح التقرير ذاته، أنه "في السنوات الأخيرة، لوحظ ارتفاع مفاجئ لعدد المستفيدين من التقاعد النسبي، إذ بلغ هذا العدد سنة 2013 ما مجموعه 1.635 وفي سنة 2015  قفز إلى 7.521، وتجاوز عددهم في سنة 2016 8.617. وأشار كذلك، إلى أنه بالرغم من الخصم الذي يطبق على معاشات التقاعد النسبي، فإن هذا الأخير لا يُمكن من ضمان حيادها بالنسبة للنظام عندما تتم هذه الإحالات في سن جد مبكرة.

ويؤكد المجلس الأعلى للحسابات على "أهمية" الإصلاح المقياسي الذي أقرته الحكومة في صيف 2016 .وسيكون لهذا الإصالح "أثر إيجابي على ديمومة النظام والحد من ارتفاع مديونيته". لكن بالمقابل، وبـ"النظر إلى حجم الاختلالات التي يعرفها النظام كذا طابعها الهيكلي، فإن أثر هذه الإصالحات لن يجدي إلا في الأمد القريب. وسيظل يعاني من عدم توازنه ما لم يخضع لمسلسل إصلاح عميق".

وذكر التقرير بأداء متأخرات مساهمات الدولة كمشغل خلال الفترة الممتدة من 1957 إلى 1996، كما أشار إلى تأثير المغادرة الطوعية على ماليته، وأوضح بهذا الصدد، أنه "لتفادى أية آثار سلبية لعملية المغادرة الطوعية لموظفي الدولة على توازن نظام المعاشات المدنية، أدت الدولة للصندوق المغربي للتقاعد ما مجموعه 8 مليار درهم على شكل سندات للخزينة موزعة على أربع سنوات (2009-2006) منها مبلغ 500 مليون درهم كتحيين يأخذ بعين الاعتبار الفوائد المترتبة عن جدولة الأداء.

الحكامة وتكاليف التدبير

أشار تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى أن الصندوق المغربي للتقاعد، يدار من قبل مجلس إداري يتكون من ممثلي المشغلين الدولة والجماعات الترابية والمتقاعدين والنشطاء.

وبالنظر إلى محاضر دورات هذا المجلس الإداري من سنة 2000 إلى سنة 2016، تبين أنه يجتمع بشكل منتظم بمعدل مرتين في السنة. كما يساعد المجلس، ثالث لجان متخصصة، وهي: اللجنة الدائمة المنبثقة عن المجلس الإداري المحدثة سنة 2001، ولجنة استثمار الأصول المحدثة سنة 2009، ولجنة الافتحاص المحدثة سنة 2011.

في المقابل، أشار تقرير مجلس جطو إلى أن "التركيبة الحالية للمجلس الإداري لا تسمح بتوفير فضاء ملائم للنقاش حول مستقبل أنظمة التقاعد التي يدبرها الصندوق. ووفقا لمحاضر الاجتماعات، يستفيد بعض الأعضاء من موقفهم كمسيرين للدفاع عن مصالح الفئات التي يمثلونها، وليس ديمومة الأنظمة".

أما فيما يخص تكاليف التسيير، فقد بلغت سنة 2016 ما مجموعه 150.7 مليون درهم، تشكل منها أجور الموظفين نسبة 66 في المائة، علما أن عدد الموظفين يعرف استقراراً نسبياً منذ سنة 2000..

ومقارنة بالمساهمات التي يتلقاها الصندوق، يظل مجموع تكاليف التدبير اإلداري والمالي في مستوى متحكم فيه. ففي نهاية 2016 بلغ مجموع تكاليف التدبير الإداري والمالي للصندوق 0.60 في المائة من مجموع المساهمات المحصلة.

توصيات المجلس الأعلى

وجه المجلس الأعلى للحسابات في تقريره بخصوص الصندوق المغربي للتقاعد، عدد من التوصيات،  لضمان ديمومة نظام المعاشات المدنية وتدعيم توازنه المالي، مؤكداً على ضرورة القيام بإصلاح عميق يتوخى الأهداف الاستراتيجية:

*التوجه نحو خلق قطب للقطاع العمومي لتيسير تأسيس نظام تقاعد متوازن دائم؛

*توحيد قواعد احتساب المعاشات بالنسبة لجميع مكونات القطاع العمومي؛

*التوجه نحو تعريفة خدمات تأخذ بعين الاعتبار النمو الديمغرافي، والسوسيو-اقتصادي للبالد؛

*اعتماد معدل تعويض معقول مع الأخذ بعين الاعتبار الموظفين الأقل دخالا؛

*التوجه إلى أداء المعاشات إلى المتقاعدين حتى بلوغ السن القانونية للتقاعد؛

*التوجه نحو تحديد سقف المعاشات مع إمكانية إدخال الرسملة حتى لا تتحمل الأجيال القادمة ثقل الإصالح. ذلك أن النشطاء المتوفرين على أجور عالية يمكنهم الاكتتاب في نظام تكميلي للتقاعد على شكل رأسمال وأقساط مدى الحياة تحدد مبلغهما وفقا لقدرتهم على المساهمة ورغبتهم في الادخار؛

 *وضع آليات القيادة الملائمة لمعالجة مصادر عدم التوازن على النحو الأمثل وفي الوقت المناسب.

 ولتوفير شروط نجاح الإصالح، اعتبر المجلس الأعلى للحسابات، أنه وجب اعتماد المبادئ الأساسية التالية:

 *اعتماد الإصالح في إطار حوار موسع مع جميع الأطراف المعنية؛

*اعتماد منطق التدرج في تنزيل الإصالح على مراحل طبقا لخارطة طريق يمكن اعتمادها في قانون إطار؛

*المحافظة على الحقوق المكتسبة قبل تنفيذ الإصلاح

*المحافظة على القدرة الشرائية للشرائح الاجتماعية الأقل دخلاً؛

*الأخذ بعين الاعتبار وضعية الأشخاص المزاولين للمهن الشاقة.

جواب مدير الصندوق المغربي للتقاعد

وتفاعلاً مع ما أثاره المجلس الأعلى للحسابات، حول وضعية الصندوق المغربي للتقاعد، قال مديره في رده (المقتضب)، إن "هذه الملاحظات ترتبط أساسا بالمعطيات والأرقام ذات الصلة بالتوازن المالي لنظام المعاشات المدنية، وأداء متأخرات مساهمات الدولة كمشغل خلال الفترة الممتدة من 1957 إلى 1996 ، وأثر عملية المغادرة الطوعية لموظفي الدولة سنة 2005، وتوظيف واستثمار الاحتياطيات، والحكامة وتكاليف التدبير.

وبهذا الخصوص، يضيف مدير الصندوق في رده على تقرير المجلس، "يشرفني أن أخبركم أن مشروع الملاحظات المذكورة لا يثير من جانب الصندوق المغربي للتقاعد أي تعقيب".