مدن يحكمها الإسلاميون (2) .. أزمة مال في البوغاز

تجديد العقد مع أمانديس موضوع جدل كبير في طنجة
امحمد خيي

 في الجزء الأول من هذا التحقيق، توقفنا عند الفوز الذي حققه البجيدي في انتخابات 2015، وكيف أعطاه الأغلبية المطلقة لتنفيذ برنامجه في المدن، وكيف أن انتقادات توجه له في تدبير شؤون أكادير من قبل معارضيه. اليوم، نقف عند تجربة "البجيدي" في مدينة طنجة.

في طنجة، تزامن وصول حزب العدالة والتنمية إلى دفة التسيير، مع اندلاع احتجاجا شعبية على ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء، الذي يفوض مجلس المدينة، منذ 2002 تدبير توزيعه إلى شركة "أمانديس"  فرع المجموعة الفرنسية "فيوليا"،  وهي الشركة التي كان حزب العدالة والتنمية، خلال فترة تموقعه في معارضة أغلبية حزب الأصالة والمعاصرة المسيرة للمدينة (2009-2015)، مستاء منها كثيرا، وطالب بطردها وفسخ عقدها، سيما بعد كشف تقرير للمجلس الأعلى للحسابات بتاريخ 20 أبريل 2011، "خروقات للشركة في طرق تدبير قطاع التدبير المفوض لمرافق التطهير السائل وتوزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء".

نائب العمدة السابق: فاجأتنا المعارضة بعد وصولها إلى التسيير بالانقلاب على مواقفها، وتجديد العقد مع أمانديس، رغم أن الاحتجاجات الشعبية كانت عاملا مساعدا لطرد الشركة الفرنسية".

واليوم، تصنف المعارضة، تدبير ملف "أمانديس"، ضمن أبرز خطايا عمدة المدينة باسم "بيحيدي" وأعضاء مكتبه، إذ تأخذ عليه، تجديده لعقد التدبير المفوض مع الشركة إلى غاية 2026، فقال محمد الغزواني الغيلاني، النائب السابق لعمدة المدينة والمستشار المعارض حاليا في مجلس المدينة باسم حزب الأصالة والمعاصرة، في حديث مع "تيل كيل"، بعدما "كنا نستعد خلال نهاية ولايتنا إلى فسخ العقد وتولي الجماعة تدبير الماء والكهرباء بشكل ذاتي، وأعددنا مشروعا، لكن فاجأتنا المعارضة بعد وصولها إلى التسيير، بالانقلاب على مواقفها، وتجديد العقد، رغم أن الاحتجاجات الشعبية كانت عاملا مساعدا لطرد الشركة الفرنسية".

فهل يشكل تجديد أغلبية حزب العدالة والتنمية بطنجة عقد "أمانديس" مؤشرا على فشلها والانقلاب عن مواقفها أيام المعارضة؟ بالنسبة إلى محمد أمحجور، النائب الأول لعمدة المدينة محمد البشير العبدلاوي، "تجديد عقد أمانديس بعد مراجعته، نقطة إيجابية تحسب لنا وليس العكس"، مضيفا في حديث مع "تيل كيل"، أن "المراجعة التي قمنا بها، كانت لأول مرة في تاريخ العقد، في حين أنه يفترض أن يراجع ثلاث مرات قبل مجيئنا إلى التسيير، وتميزت مراجعتنا له بإضافة ملحق جديد يقر على الشركة التزامات في العلاقات مع الزبناء".

أما عدم فسخ العقد، الذي كان مطلب المكتب الحالي حينما كان معارضا، فيبرره نائب عمدة طنجة، بـ"استحالة ذلك قانونيا وماليا، فالتقاضي ضد الشركة يجب أن يتم في المحاكم الدولية، ولأنه لابد من أداء ذعائر لفائدتها تصل إلى ملياري درهم"، ثم أكد قائلا: "هذا ملف ليس للمزايدات السياسية، لأن فيه اكراهات كبيرة، وماشي قضية بالسلامة الله يعاون، سيما في ظل الأزمة المالية البنيوية الحالية لطنجة"، كما أن "التدبير المباشر للقطاع من قبل الجماعات في الوضع الحالي للمدن الكبرى، فصعب جدا".

النائب الحالي للعمدة :"المراجعة التي قمنا بها، كانت لأول مرة في تاريخ العقد، في حين أنه يفترض أن يراجع ثلاث مرات قبل مجيئنا إلى التسيير

ويقصد محمد أمحجور، الموصوف بأنه العمدة الفعلي لطنجة على غرار عبد الصمد حيكر في البيضاء، بالأزمة المالية البنيوية، العجز المالي العميق الذي تعانيه ميزانية جماعة طنجة، بسبب تنفيذ بعض الخواص والأفراد أحكام حجز على أموالها، نتيجة ربحهم لدعاوى قضائية ضد الجماعة للتعويض عن اعتداءات مادية على أملاكهم لتنفيذ مشاريع عليها دون سلك المسطرة القانونية لنزع الملكية من أجل المنفعة العامة، وهو ما استدعى من الخزانة العامة للمملكة، ووزارتي الداخلية والمالية، عدم تمكين جماعة طنجة من أموال كثيرة، من قبيل نصيبها من الضريبة على القيمة المضافة.

وفي هذا الصدد، يعترف محمد أمحجور قائلا إن "المشكل الكبير في طنجة هو الوضعية المالية الحرجة، التي تصل  إلى درجة الانهيار، بسبب كثرة الديون التي وجدناها ومتأخرات الأداء، وتنفيذ الأحكام القضائية بطريقة غريبة واستثنائية على طنجة، ما جعل التراكمات تصل إلى 500 مليون درهم، وأدى إلى حرمان ميزانية الجماعة على مدار ثلاث سنوات ومنذ 2015، من حوالي 60 مليون درهم سنويا من نصيب الضريبة على القيمة المضافة".

وإذا كان نائب عمدة طنجة يفتخر  بأن المكتب المسير الحالي يعمل على تجاوز الانهيار المالي، بأن "تمكن في ظرف سنة واحدة من تأدية ما يناهز 12 سنة من تراكمات تعويضات نزع الملكية من قبل المجالس السابقة دون توفرها على اعتمادات مالية خاصة بذلك"، وأولى اهتماما خاصا بـ"تنمية المداخيل، من خلال مضاعفة الرسوم الجبائية بمراجعة القرار الجبائي الذي لم يراجع منذ 2002، فتحققت خلال 2017 نسبة نمو في المداخيل الذاتية غالبا ستكون من رقمين"، فإن المعارضة، ترى أن خيارات أغلبية حزب العدالة والتنمية إزاء الأزمة المالية، غير ناجحة وعشوائية.

وعن ذلك، يقول محمد الغزواني الغيلاني، المستشار المعارض ورئيس لجنة المرافق العمومية والخدمات بمجلس طنجة، إن توقعات نائب العمدة بشأن نمو المداخيل الذاتية بفضل مراجعة القرار الجبائي مستبعدة التحقق، "إذ لجأ المكتب المسير، على غرار ما كان يقوم به عبد الإله بنكيران في الحكومة، إلى الاعتداء على جيوب المواطنين والمستثمرين لتجاوز الأزمة المالية، فتمت مضاعفة الرسوم والجبايات المحلية بنسب تتراوح بين 100 % و200، ما جعل الملزمين يمسكون عن أداء واجباتهم لأنها غالية جدا".

وفيما يحيل المستشار المعارض على بيانات تنديدية واحتجاجات للهيآت المهنية، ومنها غرفة التجارية والصناعة والخدمات لجهة طنجة تطوان الحسيمة، التي دقت ناقوس الخطر من التأثير السلبي لـ"الزيادات الصاروخية في الضرائب والرسوم المحلية" على الاقتصاد، يعتبر  في حكمه العام على حصيلة تدبير حزب العدالة والتنمية لطنجة، أن منتخبيه يعتمدون "مقاربة ساذجة وآنية ولم يأتوا بأي تصورات إستراتيجية، ما جعل الأحوال العامة للمدينة لا تبشر بالخير".

ويرى معارضو تجربة العدالة والتنمية بطنجة، أن المشاريع المهيكلة الجارية في طنجة اليوم كلها من إشراف والي وزارة الداخلية في إطار "البرنامج الملكي طنجة الكبرى"، فيقولون، على لسان الغيلاني الغزواني، أن المجلس الحالي فشل حتى في تنفيذ إنجاز المرافق الاجتماعية (المحطة الطرقية، سوق الجملة للخضر والفواكه، المجزرة الجماعية، المحجز البلدي)، التي تقع على عاتقه في إطار البرنامج الملكي، إذ رغم أن المجلس السابق خصص لها 130 مليار سنتيم، فقد توقف إنجازها واضطرت وزارة الداخلية والجماعة الترابية إلى تكليف وكالة تنمية أقاليم الشمال بإتمامها.

ويرد محمد أمحجور على ذلك بالقول إن ما جرى في المرافق العمومية "ليس هو  أننا لم نقدر على تنفيذها، إنما واجهنا فيها إشكالات قانونية مع صندوق القرض الجماعي، حللنا بعضها، ولكن لما بدا لنا أن وتيرة الإنجاز غير مرضية،  لجأنا إلى وكالة تنمية أقاليم الشمال بحكم خبرتها وبصفتها مؤهلة قانونيا للقيام بأشغال لفائدة الجماعات الترابية وكلفناها بإتمام المشاريع، من أجل تسريع إنجازها في أفضل الشروط، وتجاوز التعقيدات التقنية".

وعلى كل، يقتنع محمد أمحجور، نائب عمدة طنجة والمدير العام المركزي الأسبق لحزب العدالة والتنمية، أنه بعد سنتين، تبدو له "الحصيلة الإجمالية ايجابية، وتوجد نقط ضعف لابد أنى نعالجها، إذ أنه لما كنا في المعارضة كانت لدينا فكرة عامة عن سير الأمور، لكن عندما وصلنا إلى التدبير اكتشفنا معطيات حول الحجم الكبير للصعوبات، ولكن بفضل توفرنا على العزيمة والإرادة وقدرتنا على الاجتهاد في العمل والإبداع سنتمكن من تحسين الأوضاع".

إقرأ الجزء الأول: مدن يحكمها الإسلاميون.. ماذا تحقق بعد نصف الولاية؟