"بوصفة بسيطة لكن قوية".. مركز أمريكي: المغرب يسعى إلى أن يكون "مركز أعمال في إفريقيا"

بشرى الردادي

اعتبر مركز الأبحاث الأمريكي "Global Policy Institute" أن المغرب يهدف إلى وضع نفسه كـ"مركز أعمال في القارة الإفريقية"، من خلال العمل بجد لتعزيز التنمية الاقتصادية المحلية، وخلق مناخ أعمال يشجع المستثمرين الأجانب الذين يبحثون عن ظروف مواتية، وذلك في مقال بعنوان: "طريق المغرب إلى التنمية".

وحول الأدوات لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي؛ أي خلق واستدامة مناخ استثماري جذاب، استند المركز على بيانات لوزارة الخارجية الأمريكية، حول مناخ الاستثمار لعام 2021، والتي ذكرت أن "المغرب يتمتع باستقرار سياسي، وموقع جغرافي استراتيجي، وبنية تحتية قوية؛ مما ساهم في ظهوره كقاعدة إقليمية للتصنيع والتصدير للشركات العالمية".

وتابع نفس المصدر أن "المغرب يشجع نشاط الاستثمار الأجنبي، لا سيما في قطاعات التصدير؛ مثل التصنيع، من خلال سياسات الاقتصاد الكلي (يركز على أداء الاقتصادات، من حيث التغيرات التي تطرأ على الناتج الاقتصادي، ومعدلات التضخم، وأسعار الفائدة وأسعار الصرف، وميزان المدفوعات)، وتحرير التجارة، وحوافز الاستثمار، والإصلاحات الهيكلية".

وأوضح المركز أن "خطة التنمية الاقتصادية الشاملة للمغرب تسعى إلى تحويل البلاد إلى مركز أعمال إقليمي، من خلال الاستفادة من مكانتها الفريدة كدولة متعددة اللغات وعالمية، تقع في نقطة محورية إقليمية ثلاثية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، والشرق الأوسط، وأوروبا".

وأضاف أن "حكومة المغرب تنفذ استراتيجيات تهدف إلى تعزيز التوظيف، وجذب الاستثمار الأجنبي، ورفع الأداء والمخرجات في القطاعات الرئيسية المدرة للدخل؛ مثل صناعة السيارات والطيران"، مشيرا إلى أن "المملكة تواصل القيام باستثمارات كبيرة في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث تتمتع بقدرة حالية تبلغ 4 جيجاوات، و5 جيجاوات قيد الإنشاء، و6 جيجاوات إضافية في مرحلة التخطيط".

درجة جيدة في "ممارسة الأعمال"

"على نفس المنوال"، يقول المركز، "بذل المغرب جهودا لكسب مساحة مميزة بين الدول التي تسعى لجذب المستثمرين الأجانب"، لافتا إلى أنه "في السنوات الأخيرة، صعدت الدولة، بثبات، إلى تصنيفات البنك الدولي "ممارسة الأعمال" ذات الأهمية الحاسمة، وهي أداة يتم تحديثها كل عام، والغرض منها قياس سهولة ممارسة الأعمال التجارية في كل بلد"، مشيرا إلى أن "المغرب يحتل الآن المرتبة الـ53 في العالم، عندما يتعلق الأمر بسهولة ممارسة الأعمال التجارية".

وأضاف: "إذا اعتبرت أن الجزائر المجاورة تحتل المرتبة الـ157، ومصر في المرتبة الـ114، بينما تحتل المكسيك، وهي دولة متوسطة الدخل، تتمتع بشراكة مميزة مع الولايات المتحدة، عبر اتفاقية التجارة الحرة، المرتبة الـ60، فمن الواضح أن المغرب بذل جهدا حقيقيا لتحديد القيود القانونية والتنظيمية والإدارية والعقبات الأخرى التي تثبط عزيمة المستثمرين الأجانب، وإزالتها تدريجيا".

وتابع: "علاوة على ذلك، وفقا لمؤشر مدركات الفساد، الذي يتم تجميعه وتحديثه باستمرار، من قبل منظمة الشفافية الدولية، فإن المغرب في المرتبة الـ87، على قدم المساواة مع كولومبيا، وفي مكان أفضل من البرازيل أو تركيا. وفي نفس المؤشر، تحتل مصر المرتبة الـ117. ومن الواضح أنه لا يزال هناك مجال للتحسين بالنسبة للمملكة".

كما اعتبر "Global Policy Institute" أن "درجة إدراك المغرب للفساد عادلة، لكنها ليست ممتازة. ومع ذلك، فإن هذا الترتيب يضعه في مرتبة متقدمة على معظم إفريقيا ودول شمال إفريقيا الأخرى".

بنية تحتية حديثة

وفيما يتعلق بالبنية التحتية البحرية الرئيسية، أفاد المركز الأمريكي بأن ميناء طنجة المتوسط يحتل ​​المرتبة الـ23 على مستوى العالم، والأول على مستوى البحر المتوسط، كما أنه يعتبر العقدة اللوجستية لمنطقة صناعية مغربية شاسعة ومتنوعة تضم مصنعي مكونات الطيران وشركات قطع غيار السيارات".

وتابع أن "هناك أيضا القطار فائق السرعة (البراق TGV). في الواقع، لدى المغرب خدمة السكك الحديدية عالية السرعة الوحيدة في إفريقيا، والتي تربط طنجة والدار البيضاء، منذ عام 2018، مع خطط لتمديدات تربط العديد من المدن الرئيسية الأخرى".

ولفت إلى "الانتقادات التي طالت هذا الاستثمار الكبير في السكك الحديدية عالية السرعة، باعتباره مشروعا باهظ التكلفة (مولت فرنسا وبعض دول الخليج معظم المشروع)، وهي الأموال التي رأى المنتقدون أن تحسين المدارس والمستشفيات المغربية كان أولى بها".

وتابع: "ومع ذلك، ليس هناك شك في أن توافر خدمات السكك الحديدية عالية السرعة من الدرجة الأولى من العالم الأول يضع المغرب في فئة أعلى بين البلدان الناشئة"، مؤكدا أن "خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة ستعمل على تعزيز صورة المغرب كاقتصاد متنام وحديث يتمتع ممثلوه الرئيسيون بقدرة على الشراكة مع صناعات عالية التقنية في جميع أنحاء العالم".

استثمر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى

حسب المركز، فإنه و"بالنظر إلى المغرب من منظور مختلف، يجب أن نلاحظ الاتجاه الذي لا يقل أهمية عن علاقات المغرب المتنامية مع جيرانه في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى؛ إذ وفقا لبيان المناخ الاستثماري لوزارة الخارجية الأمريكية المذكور أعلاه، تعطي الحكومة المغربية الأولوية للاستثمار في إفريقيا".

وأضاف أن "بنك التنمية الإفريقي يصنف المغرب كثاني أكبر مستثمر إفريقي في إفريقيا جنوب الصحراء، بعد جنوب إفريقيا، وأكبر مستثمر إفريقي في غرب إفريقيا؛ حيث تم استثمار 640 مليون دولار، أو 47 في المائة من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج، في القارة الإفريقية، في عام 2019".

وتابع أنه "على نفس المنوال، يوجد بنكان مغربيان في قائمة أكبر 10 بنوك في إفريقيا، لعام 2021؛ وهما التجاري وفا بنك، بإجمالي أصول 40.026 مليار دولار، والبنك الشعبي، بإجمالي أصول 27.662 مليار دولار".

واعتبر المركز الأمريكي أن "كل هذا يشير بوضوح إلى أنه بينما يبذل المغرب جهودا لجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر، فإن البلاد تنتهج أيضا استراتيجية للاستثمار في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وإذا تقدم في هذا الاتجاه، فقد يكون المغرب مستعدا لأن يصبح جسرا هاما ونقطة اتصال قيّمة بين الشركات في البلدان المتقدمة وإفريقيا".

مصدر رئيسي للأسمدة وخدمات الأعمال التجارية الزراعية

قال المركز إن "المغرب نجح في تحويل ثرواته الهائلة من المعادن الفوسفاتية إلى تكتل متنوع؛ حيث يقوم OCP حاليا، بالإضافة إلى المعادن والأسمدة، ببيع خدمات استشارية متعلقة بالأعمال التجارية الزراعية للعديد من العملاء الدوليين، بما في ذلك العديد من البلدان الإفريقية".

وتابع أن " شركة OCP Africa نمت بشكل ملحوظ، في السنوات الأخيرة؛ حيث يمكن أن تساعد عروضها المتنوعة العديد من البلدان الإفريقية التي لا تزال تعتمد على تقنيات الزراعة القديمة، حتى تتمكن من تحويل وتحديث قطاعاتها الزراعية".

ولفت إلى أنه "من خلال الإدخال المستهدف للأسمدة المناسبة، جنبا إلى جنب مع الخدمات الإضافية التي تشمل تحليل التربة وإدخال أجيال جديدة من البذور، ستشهد العديد من البلدان الإفريقية زيادة الغلات وتحسين الإنتاجية بشكل عام. من الواضح أن هذا سيفيد ملايين الأشخاص العاملين في الزراعة والأمن الغذائي، بشكل عام"، لافتا إلى أن "OCP Africa تعمل الآن في 16 دولة إفريقية، كما أنها تملك مصنعا كبيرا في إثيوبيا".

الاستثمار في التعليم والمساواة بين الجنسين

"في كل هذا"، يؤكد المركز، "يجب ألا ننسى الجهود المستمرة من جانب الحكومة المغربية في مجال التعليم العالي؛ حيث تنتج البلاد، كل عام، 152 ألف خريج من ذوي المهارات الصناعية، وهذا ما يسعى إليه المستثمرون ويحتاجون إليه؛ رأس مال بشري قابل للتوظيف، وقوة عاملة متعلمة يمكن تدريبها بسهولة، لأداء مهام معقدة، وفقا لأعلى المعايير الدولية".

وتابع: "علاوة على ذلك، ليس هناك شك في أن المرأة المغربية تتمتع بدرجة من الحرية فريدة من نوعها في العالم العربي والبلدان الإسلامية الأخرى؛ إذ يمكن لها الدراسة والعمل والعيش بمفردها والترشح للمناصب السياسية. في حين لا يزال هناك فجوة ثقافية كبيرة بين المجتمعات الحضرية الأكثر ليبرالية والعادات الأكثر تحفظا في المناطق القروية"، معتبرا أن "المغرب حقق بشكل عام، تحسينات كبيرة، على مدار العشرين عاما الماضية، عندما يتعلق الأمر بتعزيز المساواة بين الجنسين".

وصفة بسيطة لكنها قوية

اعتبر "Global Policy Institute" أنه "بينما لا تزال هناك تحديات رئيسية تواجه المغرب؛ مثل الأمية والفقر، يبدو أن الطريق الذي اختاره مثمر للغاية"، مؤكدا أن "الوصفة التي اعتمدها بسيطة، لكنها قوية",

وأوضح أن "هذه الوصفة تتمثل في خلق بيئة عمل مواتية، من خلال القضاء على العوائق، وإنشاء شراكات مربحة للجانبين مع الشركات القائمة في الديمقراطيات الليبرالية الملتزمة بقواعد الاستثمار الدولي، ونظام التجارة، ومحاربة الفساد، وضمان سيادة القانون، وتثقيف الشباب، ومنحهم حرية الانخراط في الأنشطة الإنتاجية".