مشروع القانون المالي.. هدايا للمقاولات والفتات للقطاعات الاجتماعية

بوسعيد واالعثماتي
أحمد مدياني

مشروع قانون مالية "ذو طابع اجتماعي واضح وملموس" مع مزيد من الامتيازات للمقاولات، كان هذا هو الهدف المعلن للحكومة بعد افراجها عن الخطوط العريض لمشروعها المالي برسم سنة 2018. لكن هل تعكس الأرقام التوجه الاجتماعي للدولة في التعليم والصحة والتشغيل والسكن فضلاً عن دعم الفئات الهشة؟

 مشروع القانون المالي لسنة 2018  يرتكز على أربع فرضيات وهي معدل النمو 3.2 في المائة، ومعدل عجز في حدود 3 في المائة، ومعدل 380 دولارا للطن بالنسبة للغاز، ومحصول 70 مليون قنطار من الحبوب.

 المشروع يتحدث عن خلق حوالي 40 ألف منصب شغل، منها 19 ألف مباشرة و20 ألف بالتعاقد مخصصة لقطاع التعليم، في أفق أن يرتفع عدد المتعاقدين إلى 55 ألف بين العامين 2018 و2019. كما سيعرف القطاع زيادة تقدر بـ5 مليار درهم في الاعتمادات العامة الموجهة إليه مقارنة بسنة 2017، إذ ستبلغ قيمتها  59.2 مليار درهم، لكن هل تسمح هذه المخصصات وغيرها مما أعلن عنه من تدابير تضمنها مشروع قانون المالية أن تحكم بطابعه الاجتماعي؟

رضوان زهرو، الدكتور والباحث  في المجال الاقتصادي وأستاذ التعليم العالي،  يذهب إلى أن "مشروع قانون المالية لم يواكب ما راكمته الخطب الملكية خلال الفترة الأخيرة، خاصة مجالات دعم الفئات الهشة وتوفير فرص الشغل للشباب، وأساساً دعوة الملك خلال افتتاح الدورة التشريعية الجارية إلى إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي". مضيفا "يبدو أن المشروع حضر قبل الخطاب الملكي الأخير، ولم تستطع الحكومة استدراك هذا المستجد. أعتقد أنه كان عليهم مراجعة مشروعهم قبل طرحه".

التعاقد بدل التشغيل

وفسر زهرو موقفه في حديثه لـ"تيل كيل عربي"، بـ"ضعف فرص الشغل المقترحة والتي تقف عند سقف 19 ألف فقط، في حين قفزت فرص الشغل بالتعاقد من 11 ألف سنة 2017 إلى 20 ألف حسب ما هو مقترح، في أفق أن تبلغ 55 ألفاً بحلول سنة 2019، وهذا يعكس توجه الدولة نحو تغطية خروج موظفي قطاع التعليم إلى التقاعد بالمتعاقدين فقط، وتظل هذه الوظائف غير قارة ولا يمكن أن تحقق تحسين الوضع الاجتماعي لفئات عريضة من المغاربة".

ويرى المحلل الاقتصادي ادريس فينا، في تحليله للأرقام التي أعلنها الوزير محمد بوسعيد، أن "ما طرح الآن لا يسمح نهائياً بتحديد هل هذا المشروع ذو طابع اجتماعي أو لا؟". وتابع المتحدث ذاته، في تصريحه لـ"تيل كيل عربي"، أن "هناك نية وتصريح بأنه ذو طبيعة اجتماعية ومقاولاتية لتسريع النمو الاقتصادي. لكن ما أعلن لا يمكن أن يعطينا أي مؤشر عن طبيعة التوجهات الكبرى للدولة. قيل إن القطاعات الاجتماعية خصص لها 50 في المائة من ميزانية الدولة، مع ذلك لا يمكن اعتبار هذا الاختيار جديد، بحكم أنه مرتبط ببنية قانون المالية التي يجرها المغرب خلفه منذ سنوات ولم تتغير".

وعن ما خصصته الدولة للصحة، التي تعتبر من بين أبرز القطاعات الاجتماعية التي تعاني من الخصاص والاختلالات، كشف الأستاذ رضوان زهرو، أن "الوزير لحسين الوردي اتفق مع الحكومة على تخصيص 5 آلاف منصب شغل، لكنه فوجئ يوم أمس بإعلان 4 آلاف فقط، وهنا يجب أن نستحضر أن ناقص 1000 منصب شغل في قطاع الصحة ليس بالخيار الهين، لأن عدداً من المراكز الصحية تعاني من خصاص مهول في الأطر، خاصة في المجال القروي والمناطق المهمشة والعميقة من المغرب". كما اعتبر زهرو، أن الاعتمادات المخصصة له وقدرها 14.79 مليار درهم "لا تعكس حجم حاجيات القطاع، سواء بالنسبة للبنى التحتية أو الموارد البشرية كذا التجهيزات الطبية. "

لم يتسرب أي معطى عن الإجراءات أو التحفيزات الموجهة لقطاع السكن باعتباره من القطاعات الاجتماعية التي تشكل هاجسا قويا ومؤرقا لفئات واسعة من المغاربة، بيتما تحدث بوسعيد مطولا عن  سعي الحكومة إلى محاربة الفروقات المجالية.

ولعل أبرز ما جاء به مشروع قانون مالية 2018 هو اقتراح توسيع قاعدة المستفيدين من صندوق التكافل العائلي لتشمل النساء الأمهات المهملات، وبقاء استفادة الأطفال في حالة وفاة الأم المهملة، وأيضا إجراءات تهم دعم حماية البيئة والتنمية المستدامة

اكراهات الموارد

 يذهب الدكتور زهور، إلى القول إن "موارد الدولية المالية محدودة جداً، مقابل غياب اجراءات حكومية قادرة على ابتكار مصادر أخرى لخلق الثروة". وتابع المتحدث ذاته، أن "الحكومة تجد نفسها دائما أمام اكراهات وصعوبات انتشار المالية وإعادة توزيعها بين مختلف القطاعات دون الاخلال بالتوازن والتكامل بينها، خاصة القطاعات الاجتماعية منها، والتي يطالها تخفيض ميزانيتها كما وقع في قانون مالية 2017 لصالح قطاعات أخرى".

هدايا للمقاولات

"300 مليار درهم، هو حجم اجمالي الاستثمار في المغرب، الدولة هي الفاعل الأساسي فيها، فيما القطاع الخاص لا يقوم بمجهود للرفع من حصته، وهذا مشكل كبير داخل النموذج التنموي للمغرب". هكذا لخص المحلل الاقتصاد فينا، واقع المقاولات المغربية ودورها في تنمية مناخ المال والأعمال بالمغرب، وما ينعكس بفضل إيجابيا على القطاعات الاجتماعية وخلق فرص الشغل.

مشروع قانون مالية 2018، حمل من جديد هدايا للمقاولات المغربية، عنونها وزير الاقتصاد والمالية بوسعيد بـ"دعم الاستثمار الخاص والتحفيز على التشغيل عبر الإجراءات الضريبية التحفيزية الموجهة للمقاولات". ومن بين ما جاء في المشروع، "تكريس الحياد الجبائي للمنتوجات التشاركية. تحسين منظومة التحفيز للتشغيل الشباب في حدود 10 ألاف درهم ليهم 10 أجراء عوض 5 أجراء حاليا، بحيث تتحمل الدولة لمدة سنتين التحملات الاجتماعية لهؤلاء الأجراء، فضلا عن الإعفاء من الضريبة على الدخل، و كذا العمل لأول مرة بنظام الجدول التصاعدي في مجال الضريبة على الشركات، عوض جدول الأسعار النسبية المطبق حاليا".

في السياق، يرى فينا أن "مساعدة الدولة للمقاولات على تحسين مناخ الاقتصادي والنمو، يؤكد عدم قدرتها على تعويض القطاع العام في خلق فرص الشغل، لذلك سنة بعد أخرى تمنحها الحكومة تحفيزية ضريبة". هذه الأخيرة اعتبرها المتحدث ذاته "جيدة، لكن يجب أن تكون عقلانية، ومرتبطة بحجم المقاولة، مع العودة إلى قياسها برقم المعاملات وعدد اليد العاملة كما هو الحال في فرنسا وإسبانيا وعدد من الدول التي تتعامل بعقلانية مع الاعفاءات أو الامتيازات الضريبية الموجهة لعدد من المقاولات فيها".

بدوره، عاب زهرو على الحكومة، أنها "في الوقت الذي تقلص مناصب الشغل وترفع من سن التقاعد لمواجهة أزمة صناديقه وتقر الحد الأدنى من الاجراءات الاجتماعية، تستمر في طرح إجراءات قوية لصالح المقاولات دون أن تستفيد منها".

دعم القطاع الخاص حسب زهرو، يجب أن يكون مقروناً بمساهمته في تحسين الوضع الاجتماعي للمغاربة، "لأن الاعفاءات الضريبية التي تستفيد منها اليوم المقاولات الصغرى والمتوسطة، هدفها تحسين مناخ الاقتصاد والعمل خاصة في القطاع الصناعي. لكن مقابل هذا الدعم والحماية من طرف الدولة للمقاولات، لا نجدها تبادر بخلق المزيد من فرص الشغل وتحسين الظروف الاجتماعية للمغاربة العاملين والمستخدمين لديها".