هذه كواليس التفاوض واختيار وزراء حكومة خطاب الكفاءات

تيل كيل عربي

بعد أزيد من شهرين على دعوة الملك محمد السادس رئيس الحكومة لإجراء تعديل حكومي، خرجت الحكومة الجديدة مساء الأربعاء الماضي إلى الوجود بـ23 وزيرا. تعديل رافقه شد وجدب في ما يخص عدد الحقائب التي سوف يحوزها كل حزب، بالنظر إلى الاتفاق الذي توصل إليه القصر مع رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بتقليص عدد الحقائب.

مشاورات متأخرة

رغم دعوة الخطاب الملكي إلى اقتراح أسماء جديدة لشغل مناصب حكومية، إلا أن رئيس الحكومة اختار أن لا يبدأ مشاوراته مع أحزاب الأغلبية إلى حين عودة وزراء الحكومة من عطلتهم الصيفية، حيث لم يبدأ مشاوراته إلا في شتنبر الماضي.

 تأخر رئيس الحكومة في ربط الاتصال بقادة أحزاب الأغلبية، جلب عليه انتقادات من بعضهم.

 في هذا الصدد، دعا حزب الحركة الشعبية العثماني إلى عقد اجتماع قادة أحزاب الأغلبية الحكومية لاتخاذ التدابير المرحلية اللازمة، كما خرج قادة الأحزاب السياسية في تصريحات إعلامية يعبرون فيها عن عدم رضاهم من فتح باب المشاورات.

تأخر العثماني في الاتصال بأحزاب الأغلبية وحسب مصادر مقربة منه، لم يكن مرتبطاً به، بل كان نابعاً من إنتظار إشارة من القصر بخصوص الهيكلة الحكومية، خاصة وأن العثماني تضيف المصادر ذاتها، أخبر من طرف الديوان الملكي قبل أسابيع من خطاب العرش بأن الملك سوف يتطرق لموضوع التعديل الحكومي، وأن هناك رغبة قوية لتقليص عدد الحقائب الوزارية ما أمكن واعتماد حكومة أقطاب كبرى.

تأخر العثماني في الاتصال بأحزاب الأغلبية وحسب مصادر مقربة منه، لم يكن مرتبطاً به، بل كان نابعاً من إنتظار إشارة من القصر بخصوص الهيكلة الحكومية

قيادي في أحد الأحزاب المشكلة للأغلبية الحكومية في تلك المرحلة، كشف لـ"تيل كيل عربي" أن سعد الدين العثماني لم اختار تأخير التواصل المباشرة مع زعماء الأحزاب إلى حين توصله بالضوء الأخضر بشأن الهيكلة الحكومية الجديدة، وحصوله على ضمانات عدم تفجير التحالف الحكومي بسبب الإلغاء التام لمناصب كتاب الدولة والتخلي عن مجموعة من الوزراء المنتدبين، كما أن العثماني يضيف المصدر ذاته، طلب في مناسبتين مساعدته على "تليين" مواقف حلفائه في الحكومة والقبول بما سوف يقترح عليهم من قطاعات لتولي حقائبها.

تشاور ثنائي لتفادي"الانفجار"

في الوقت الذي كان زعماء أحزاب الأغلبية ينتظرون دعوتهم لاجتماع الأغلبية من طرف رئيس الحكومة، اختار العثماني الاتصال بكل حزب على حدة.

وبحسب المعطيات التي كشف عنها نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية خلال انعقاد اللجنة المركزية لحزبه من أجل التصويت على قرار الخروج، فإن رئيس الحكومة اتصل بقادة أحزاب الأغلبية في المرة الأولى من أجل اطلاعهم على الهندسة الحكومية، التي تهدف إلى تقليص عدد الحقائب الوزارية، ثم اتصل بهم مرة ثانية ليخبرهم بحصة كل حزب في الحكومة الجديدة.

 مصدر آخر، مقرب من رئيس الحكومة كشف لـ"تيلكيل عربي" أن رئيس الحكومة لم يُطلع في البداية قادة الأحزاب السياسية على الحقائب التي ستسند لكل حزب، بل طلب منهم مده بأكثر عدد من الأسماء المرشحة للاستوزار، حتى يتمكن من "وضع الشخص المناسب في المكان المناسب".

رئيس الحكومة لم يُطلع في البداية قادة الأحزاب السياسية على الحقائب التي ستسند لكل حزب، بل طلب منهم مده بأكثر عدد من الأسماء المرشحة

لكن لماذا اختار العثماني هذه المنهجية في التفاوض ولم يعقد ولا اجتماع واحد للأغلبية خلال مشاورات التعديل الحكومي؟ مصدر حكومي من "البيجيدي" تحدث لـ"تيليكل عربي" عن هذا الخيار بوضوح قائلاً: "كان من المستحيل الخروج بنتيجة لو اجتمع العثماني بكل الأحزاب دفعة واحدة للتشاور، تعرفون وسبق لكم أن نشرتم ذلك، أن العلاقات بين الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية نبيل بن عبد الله ساءت كثيراً، بل وصلت في آخر اجتماع للأغلبية لحد تبادل كلام أقل ما يقال عنه أنه قاس وعنيف، كانت الأجواء مشحونة ولا يمكن بسببها التوصل إلى اتفاقات حول التعديل الحكومي، وكنا سنبقى حبيسي المزاديات السياسية بين عدة أطراف".

معطى آخر دفع العثماني لعدم الجلوس مع أحزاب الأغلبية مجتمعة، هو رغبته في جعل التفاوض أو المشاورات مع حزب التجمع الوطني للأحرار مباشرة مع رئيسه عزيز أخنوش، هنا قالت مصادر متطابقة لـ"تيليكل عربي"، إن "أعضاء الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية رفعوا فيتو قوي في وجه رشيد الطالبي العالمي سواء تعلق الأمر باستوزاره، وكان مقترحاً من طرف أخنوش، أو بأن يكون طرفاً في المشاورات، هذا المعطى بالنظر إلى الثقل الذي يفاوض به أخنوش على اعتبار أنه ثاني حزب من حيث عدد المقاعد البرلمانية داخل الحكومة، فرض على العثماني تدبير التشاور الثنائي المباشر عوض الجلوس مع أكثر من طرف ولو من نفس الحزب".

عامل آخر أخر خروج نتائج المشاورات، وهو عدم معرفة العثماني بالقرار النهائي لحزب التقدم والاشتراكية بشأن الاستمرار في الحكومة، خاصة وأن جميع اللقاءات التي عقدها مع أمينه العام نبيل بنعبد الله، عبر فيها الأخير عن إمكانية الانسحاب.

عامل آخر أخر خروج نتائج المشاورات، وهو عدم معرفة العثماني بالقرار النهائي لحزب التقدم والاشتراكية

وكان العرض الذي قدمه العثماني للتقدم والاشتراكية هو تولي حقيبة وزارة الشباب والرياضة حينها، قبل أن تصبح في التعديل الحكومي النهائي وزارة الشباب والرياضة والثقافة الناطقة الرسمية باسم الحكومة، وأخبر العثماني بن عبد الله حينها، حسب مصادر "تيلكيل عربي" الموثوقة، أنه يمكن إضافة قطاع الثقافة لهذه الحقيبة دون الإشارة إلى إمكانية إضافة قطاع الناطق الرسمي بدوره.

العثماني وقبل سفره إلى نيويورك يوم الاثنين 23 شتنبر الماضي، وبعد الاستقبال الملكي الذي استفسره فيه الملك محمد السادس عن نتائج وتطورات مشاورات التعديل الحكومي، اختار أن يجلس مع نبيل بنعبد الله أولاً، وتم اللقاء حسب مصادر "تيلكيل عربي" الموثوقة منتصف اليوم الذي سافر فيه العثماني، لقاء بحث فيه رئيس الحكومة عن حسم موقف الـPPS من الاستمرار في الحكومة، لكن بن عبد الله أخبره بأنه سيعرض ذلك على المكتب السياسي لحزبه.

وصباح  يوم انعقاد اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية (1 أكتوبر الجاري)، اتصل سعد الدين العثماني بنبيل بنعبد الله أكثر من مرة، وأخبره الأخير، حسب تصريح سابق لـ"تيلكيل عربي"، بـ"أدب" كما وصف ذلك، أن "التوجه العام يسير في اتجاه مغادرة الحكومة".

الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي إدريس لشكر، بدوره، صعب مهمة العثماني في تشكيل الحكومة. مصادر متعددة قيادية في حزب "الوردة" شددت، في حديثها لـ"تيلكيل عربي"، على أن "لشكر فرض نفسه بقوة للاستوزار في التعديل الحكومي، واقترح نفسه وزيراً للعدل"، وأضافت المصادر ذاتها، أن لشكر "روج داخل المكتب السياسي للحزب وأجهزته الوطنية على أنهم سيحصلون على حقيبتين وأنه يفاوض لاقتراح عبد الحميد الجماهري والمهدي مزواري وحسن نجمي، مع استبعاده لاسم عبد الكريم بن عتيق الذي كان يمسك بحقيبة الوزير المنتدب المكلف بشؤون الهجرة والمغاربة المقيمين بالخارج".

وأضافت المصادر ذاتها، على أن "لشكر قاوم كثيراً رفض استوزاره، وترك اسمه مقترحاً لحقيبة وزارة العدل قبل أن يتم اختيار محمد بن عبد القادر".

حسم اللائحة

تشير المعطيات التي حصل عليها "تيلكيل عربي" أن اللائحة النهائية للحكومة الجديدة لم تحسم بشكل نهائي إلا يوماً قبل موعد التعديل الحكومي؛ أي يوم الثلاثاء.

 في هذا الصدد، علم "تيلكيل عربي" أن سعيد أمزازي، كان مرشحا لقيادة وزارة التعليم لوحده، إلا أن النقاشات التي تمت بين الديوان الملكي ورئيس الحكومة سعد الدين العثماني أفضت في آخر لحظة إلى منح حقيبة التعليم العالي إلى إدريس أوعويشة، كما تم منح حقيبة وزارة الصحة إلى خالد آيت الطالب بدل مصطفى الابراهيمي عن حزب العدالة والتنمية، خالد آيت الطالب.

 مصدر مقرب من رئيس الحكومة، أوضح لـ"تيلكيل عربي" أن الابراهيمي كان مرشحا لقيادة وزارة الصحة، إلا أنه لم يكن الوحيد، حيث كان اسم خالد آيت الطالب مدرجا، مشيرا إلى أن الأمر تم حسمه مساء يوم الثلاثاء.

اختيار أيت الطالب لتولي حقيبة وزارة الصحة جاء بعد أسبوع من تعيينه كاتبا عاماً بنيابة لوزراة الصحة، بعد اعفاء الكاتب العام السابق هشام نجمي، وتقول مصادر جد مطلعة في وزارة الصحة لـ"تيلكيل عربي" إن تعيينه جاء خارج قرار الوزير السابق أناس الدكالي، "لقد تم الاتصال بالوزير وأخبر بأنه سيتم تعيين آيت الطالب كاتباً عاماً بالنيابة"، وتكشف المصادر ذاته، والتي سبق لها الاشتغال مع آيت الطالب الذي كان يشغل منصب مدير عام المستشفى الجامعي بفاس، أن "الرجل جد مقرب من أحد الأحزاب المشكلة للحكومة".

ودائماً في ما يخص اختيار الاسم الذي سوف يتولى حقيبة الصحة، قال مصدر حكومي رفيع مقرب من رئيس الحكومة، إن "سعد الدين العثماني هو من اقترح أيت الطالب للاستوزار، وهو من أقنعنا بكفاءات الرجل لتولي المسؤولية"، وعن مدى صحة قربه من حزب يشكل الأغلبية الحكومية، اكتفى المصدر ذاته بالقول: "هذا الأمر لكم الحق في أن تبحثوا حوله".

"العثماني هو من اقترح أيت الطالب للاستوزار، وهو من أقنعنا بكفاءات الرجل لتولي المسؤولية"

من جهة أخرى، علم "تيلكيل عربي" أن عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار لم يقدم اسم محمد أوجار ضمن الأسماء المرشحة للاستوزار، في مقابل تقديمه لاسم رشيد الطالبي العلمي، ودفاعه عنه، إلا أن رئيس الحكومة تحفظ على بقائه.

اسم آخر لم يكن وارداً في لائحة الوزراء الذين سيقدون بلون سياسي، وهي وزير السياحة الجديدة نادية فتاح العلمي، مصدر جد مقرب منها قال في اتصال مع "تيلكيل عربي": "إلى غاية صباح يوم الثلاثاء السيدة نادية فتاح العلوي لم تكن مقترحة باسم التجمع الوطني للأحرار، اشتغلت معها عن قرب وأِؤكد لكم أنه عكس ما يروج، ليس مولاي حفيظ العلمي من اتصل به أو اقترحها، لقد تم الاتصال بها مباشرة لتولي الحقيبة وذلك بناء على تعاقد لاخراج القطاع من سكتى قلبية دامت أربع سنوات، لقد قيل لها مباشرة إن القصر يرغب في أن يتحول القطاع لمصدر ربح وجلب الثروة وخلق دينامية قوية في مختلف فروعه".

"إلى غاية صباح يوم الثلاثاء، لم تكن نادية فتاح العلوي مقترحة باسم التجمع الوطني للأحرار"

وزارة أخرى لم يحسم مصيرها سوى في الدقائق الأخيرة من إنهاء اللائحة، وهي وزارة الشغل والإدماج المهني، وحسب مصدر جد مقرب من الناطق الرسمي السابق باسم الحكومة مصطفى الخلفي، الأخير كان مرشح العثماني لتولي الحقيبة، لكن القصر أخبره برغبته في وضع اسم شاب على رأس الوزارة، ليقترح بعد ذلك الكاتب العام لشبيبة العدالة والتنمية سعيد أمكراز.

  إلى ذلك، كشفت مصادر متطابقة لـ"تيلكيل عربي" أن الاتصال بالوزراء من طرف الديوان الملكي لم يتم إلا في حدود الساعة الحادية عشر من صباح يوم أمس الأربعاء، بعدما أخبر بعضهم عن طريق رئيس الحكومة أن التعيين سيكون يوم الأربعاء أو الخميس، واجتمع الوزاء في أحد فنادق الرباط الشهيرة قبل أن تقلهم حافلة إلى القصر الملكي في حدود الساعة الثانية والنصف.

أحمد مدياني والشرقي الحرش