هل تزف المناظرة الوطنية حول الضرائب أخبارا سارة للأسرة المغربية؟

المصطفى أزوكاح

ما الذي يمكن أن تنتظره الأسر المغربية من المناظرة الوطنية للجباية؟ ليست هذه المرة الأولى التي يطرح فيها التساؤل حول حظوظ الأسر في الاستفادة من تحسين الدخل عبر الضريبة، فالمسألة تعود إلى الواجهة في كل مرة يطرح فيها مشروع قانون مالية للنقاش، هذا في ظل ملاحظة المستوى المرتفع للاقتطاعات الإجبارية، المتمثلة في الاقتطاعات الضريبة والمساهمات ذات الطبيعة الاجتماعية.

ضغط مرهق

وقد وصل مستوى الاقتطاعات الإجبارية إلى 29 في المائة في العام ماقبل الماضي، حسب ما يلاحظه المركز المغربي للظرفية، الذي يشترك مع العديد من المؤسسات الوطنية في تسجيل ارتفاع مستوى الاقتطاعات، التي تثقل على الأسر، خاصة في ظل تحملها تكاليف خدمات كان يفترض أن توفرها الدولة، خاصة في ما يتصل بتمدرس الأبناء والتطبيب.

وتؤكد العديد من التقارير التي واكبت المناظرة الوطنية للجباية، التي ستشهدها الصخيرات يومي الثالث والرابع من ماي، على ضرورة تحسين دخل الأسر عبر إعادة النظر في الضريبة على الدخل التي كانت آخر مراجعة عرفتها في 2010، حين قلص المعدل الأعلى من 40 إلى 38 في المائة ورفعت الشريحة المعفاة إلى 30 ألف درهم.

ويرى محمد برادة، رئيس اللجنة العلمية المشرفة على المناظرة الوطنية حول الجبائية، أن "60 في المائة من الضريبة على الدخل تأتي عبر الحجز عند المنبع من أجور الأجراء والموظفين، والباقي يهم المهن الحرة؛ أي الأطباء والمحامين والمصحات الخاصة، ففي المهن الحرة هناك من يؤدي ضريبة أقل من أولئك الذين يعملون. هناك عدم إنصاف على هذا المستوى".

ويتصور برادة أنه "يجب إعادة النظر في شرائح الدخول، حيث يمكن رفع الشريحة المعفاة التي تحدد اليوم في 30 ألف درهم، ورفع الشرائح العليا كي يؤدي أصحابها مكان الآخرين. هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا وسعنا قاعدة الملزمين، لأن هناك العديدين الذين لا يؤدون".

ويشير الاقتصادي نجيب أقصبي إلى أنه "إذا كنا نلاحظ اليوم أن ثلاثة أرباع عائدات الضريبة على الدخل تأتي من الأجور، وإذا استحضرنا أن الضغط على مستوى هذه الضريبة يقع على الطبقة المتوسطة، خاصة الدخول التي تتراوح بين 4000 و12000، فإنه يفترض إعادة النظر في السلم Barème عبر الأخذ بتصاعدية حقيقية. إذا كان الدخل في حدود 30 ألف درهم معفى، فإن المعدل بعد ذلك، يفترض أن يرتفع ببطء على مستوى الدخول المتوسطة، قبل أن ترتفع المعدلات عندما نصبح بإزاء الدخول العليا".

 الإنصاف داخل الضريبة على الدخل

ويعتبر الاقتصادي المغربي نجيب أقصبي أنه يمكن للنظام الجبائي أن يساهم في تحسين القدرة الشرائية للأسر بطريقتين: إما عبر الضرائب المباشرة أو عبر الضرائب غير المباشرة، حيث يتصور أنه يجب خلق نوع من العدالة داخل الضريبة على الدخل، بالموازاة مع التخفيف من الطابع التعسفي للضريبة على القيمة المضافة.

وتشير هيئة الخبراء المحاسبين بالمغرب، إلى أن الضريبة التي تصيب العمل، والتي تمثل أهم مساهمة عبر الضريبة على الدخل، مضافا إليها المساهمة الاجتماعية، تعد ثقيلة وغير منصفة، حيث تساهم في الحد من خلق فرص العمل، و تساهم في شيوع الأنشطة غير المهيكلة.

ويوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، في تقرير له بمناسبة المناظرة الوطنية للضريبة، بإعادة النظر في شرائح الضريبة على الدخل، مع ربطها كل ثلاثة أعوام بمستوى التضخم، ويشدد في الوقت نفسه على دعم القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، من خلال سن ضريبة للأُسَر تكون أكثر ملاءمة وتأخذ بعين الاعتبار وجود أشخاص معالين، على أن يتم تعزيزها بتعويضات عائلية أكثر ملاءمة للواقع الاجتماعي والاقتصادي للأسر، بما في ذلك تلك التعويضات المتعلقة بتمدرس الأطفال.

وتقترح هيئة الخبراء المحاسبين بإنجاز تصويبات على مستوى الضريبة على الدخل، عبر زيادة مبلغ الشريحة المعفاة من 30 إلى 36 ألف درهم، ورفع سقف التحملات المهنية إلى 60 ألف درهم في العام، وخصم مصاريف تمدرس الأبناء وإعادة النظر في الشرائح الوسيطة.

ويقول أقصبي "إننا نشهد تصاعدية قوية على مستوى الدخول الوسطى، وهي التصاعدية التي تتباطأ عندما نصل إلى الدخول العليا. يجب الذهاب نحو تصاعدية حقيقية، مع إدماج جميع أنواع الدخول الكرائية والعقارية والمالية والزراعية، وإخضاعها لنقس الضريبة على الدخل".

التخفيف من تعسف TVA

ويرى أقصبي أنه "يمكن تحسين دخول الأسر عبر الضريبة غير المباشرة، التي يقصد بها الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الداخلية على الاستهلاك، يجب خفض الضريبة على السلع واسعة الاستهلاك، ورفعها على المنتجات ذات القيمة المضافة المرتفعة والفاخرة"، مشيرا إلى ضرورة تبني مبدأ تعدد معدلات الضريبة على القيمة المضافة.

ويشير إلى أن الرواد من الاقتصاديين الذين اخترعوا الضريبة على القيمة المضافة، راهنوا على تعدد المعدلات، لم يقولوا بتبني معدلين فقط، لأنهم كانوا يدركون أن الضريبة على القيمة المضافة، تعسفية وغير عادلة ، وبالتالي، فإن تعدد معدلات الضريبة، يساعد على التخفيف من سلبياتها. إن تعدد المعدلات مرتبط، جوهريا بطبيعة تلك الضريبة.

ويبدي أقصبي تحفظه على تقليص عدد معدلات الضريبة على القيمة المضافة، حيث يقول "إنهم يريدون جعلها أكثر تراجعية عما كانت عليه. يجب أن نشير إلى أن معدل 30 في المائة، كان معمولا به بالنسبة للسلع الفاخرة، غير أنه حذف بعد ذلك"، مضيفا" يفترض الذهاب نحو ضريبة على القيمة المضافة معممة، لأنها لا تؤدي الهدف منها إلا إذا كانت معممة، مع تعدد المعدلات، أي معدل أعلى من أجل تضريب السلع الفاخرة، ومعدل منخفض أو صفر في المائة للسلع ذات الاستهلاك الواسع. بعد ذلك يمكن أن نتفاهم حول المعدل العام".

وشدد على أنه "يجب أن نحرص على أن يعكس التجار انخفاض الضريبة على القيمة المضافة في الثمن. فالاستشارات الطبية تخضع لمعدل 7 في المائة، لكن هل يخفض الأطباء ثمن الاستشارة بعد ذلك؟".

وتعتبر الضريبة على القيمة المضافة أهم ضريبة تصيب الاستهلاك، غير أن العديد من التوصيات المطروحة قبل المناظرة الوطنية حول الجباية، تؤكد على أنه يجب أن تكون شاملة ومحايدة بالنسبة للفاعلين الاقتصاديين.

وتوصي  هيئة الخبراء المحاسبين في توصياتها للمناظرة الوطنية حول الجباية، بضرورة إعادة تحديد مجال تطبيق الضريبة على القيمة المضافة كي تشمل جميع الأنشطة الاقتصادية، بما فيها المنتجات الفلاحية.

ويقصد بإعادة تحديد مجال تطبيق الضريبة استحضار الأنشطة الجديدة المرتبطة بالاقتصاد الرقمي، والتي لها طبيعة خاصة تدمج العديد من البلدان الأجنبية، عبر استلهام الممارسات الدولية في هذا المجال.

وشدد الخبراء المحاسبون على ضرورة عقلنة الإعفاءات مع إعادة تقييمها دوريا، مع العمل على إخضاع السلع واسعة الاستهلاك لسعر مقلص في حدود 5 في المائة من أجل عدم المساس بالقدرة الشرائية للأسر، ما شمولها للمنتجات الفلاحية.

ويعتقد الخبير الجبائي محمد الرهج أن يفترض في السلطات العمومية، السعي لتحديد السلع الأكثر استهلاكا من قبل الأسر المغربية، وإعفائها من الضريبة على القيمة المضافة، من أجل دعم قدرتها الشرائية.