والي بنك المغرب: أقدم الأمور للملك بكل أمانة.. ورأيي غير ملزم للحكومة

المصطفى أزوكاح

لاتلقى جميع التوصيات التي يقدمها والي بنك المغرب دائما التجاوب الذي ينتظره من الحكومة ويعتبر أنه، في المشورة التي يقدمها للحكومة، يسعى إلى أن يقول الحقيقة، كما يراها دون مجاملة وإن لم تعجب متلقيها.

"أقدم العناصر المهمة لجلالة الملك بكل أمانة"، هكذا رد عبد اللطيف الجواهري، والي البنك المركزي، عندما سئل حول التوصيات التي تتضمنها التقارير السنوية التي يرفعها إلى الملك، والتي تتضمن قراءة البنك للوضع المالي والاقتصادي وتوصيات حول ما يفترض إنجازه من إصلاحات. ويضيف الجواهري أن بنك المغرب مستشار مالي للحكومة، وهو دور يكرسه القانون الخاص بالبنك، حيث أوضح أنه يرفع سنويا إلى وزير المالية، بمناسبة عرض مشروع قانون المالية، رسالة من ست أو سبع صفحات، تتضمن قراءة البنك المركزي للوضع المالي والاقتصادي.

توصيات غير ملزمة

الجواهري الذي كان يتحدث، خلال ندوة صحفية، أمس الثلاثاء بعد انعقاد مجلس البنك، أكد على أن الآراء التي يجري تقديمها، غير ملزمة للحكومة، حيث  يبقى تقدير الأخذ بها أو عدم اتباعها للمستوى السياسي، مشيرا، في الوقت ذاته، إلى التوصيات التي سبق له أن عبر عنها دون أن يتم الأخذ بها من قبل الحكومة.

وذهب الجواهري إلى أنه سبق له أن أوصى الحكومة بإحداث هيئة عمومية مستقلة ومحايدة لتقييم السياسات العمومية، غير أنه لم يتم الأخذ بها من قبل الحكومة، مؤكدا على أن مثل تلك الهيئات موجودة في العديد من البلدان.

وشدد على أن إحداث هيئة عمومية مستقلة من أجل تقييم السياسات العمومية يجد مبرره في كون تلك السياسات لا يمكن تقييمها من قبل الجهة التي وضعتها، حيث لا بد من إسناد ذلك لجهة مستقلة. ويتوافق رأي الجواهري مع ما يعبر عنه خبراء يرون أنه لا يفترض في وزارة الصناعة والتجارة ووزارة الفلاحة والصيد البحري التصدي لتطبيق وتقييم السياسات العمومية التي تشرف عليها.

ليست تلك التوصية الوحيدة التي لم تأخذ بها الحكومة، فالجواهري يشير إلى أنه أشار على الحكومة بالانخراط في نوع من التخطيط الاستراتيجي، من أجل التوفر على رؤية لما يجب أن يكون عليه الاقتصاد على مدى عقدين أو ثلاثة عقود. تلك رؤية يرى أنه يمكن تعديلها عند التطبيق حسب المستجدات، من أجل إعادة النظر في الأولويات والتوجهات.

وأشار إلى أن البنك المركزي ثمن لجوء الحكومة إلى تقليص نفقات الدعم عبر المقاصة، معبرا في الوقت ذاته عن تأييد الانخراط في سياسة الاستهداف التي تعد لها الحكومة، غير انه يشدد على ضرورة تفادي إعادة تجربة نظام التغطية الصحية الإجبارية (الراميد).

ويؤكد على أنه يعبر عن رأيه وإن لم يعجب، مشيرا إلى أنه، في باب سياسة الحكومة، كان يفضل أن تركز البرامج الحكومية على أربعة أو خمسة أهداف رئيسية تحظى بالأولوية، عوض الإغراق في الالتزام بتحقيق أهداف عامة وقطاعية، خاصة في ظل محدودية الموارد.

ويعتبر أن المهم أن تقرأ التقارير التي ينجزها بنك المغرب، مؤكدا أنه يتفهم موقف المستوى السياسي، عندما يعتبر أن توصياته غير قابلة للتطبيق بسبب  إكراهات يعود له تقديرها.

نعم للخوصصة، ولكن...

عند التطرق لمسألة الخوصصة التي تنصب هذه الأيام على تفويت الدولة 8 في المائة من حصتها البالغة 30 في المائة في اتصالات المغرب، أكد الجواهري على أن لجنة التقييم التي يرأسها، عقدت العديد من الاجتماعات، حيث حددت السعر الأدنى للتفويت، بينما يعود للجنة التفويت، التي يرأسها وزير الاقتصاد والمالية محمد بنشعبون، تحديد السعر النهائي، مشددا على أن الوقت كان ضيقا بالنسبة لعمل اللجنة.

غير أن الجواهري شدد على أنه، عندما يعمد إلى الخوصصة، لا يفترض أن يكون ذلك بهدف الحصول على موارد من تلك العملية من أجل تغذية الميزانية، بل لا بد من أن تكون فرصة من أجل خلق منظومة اقتصادية أو تثمين منظومة قائمة سلفا، مشددا على ضرورة أن يعمد إلى تقييم النتائج المترتبة عن عمليات الخوصصة.

وذكر بأنه دعا مديرية المقاولات العمومية والخوصصة، التابعة لوزارة الاقتصاد والمالية في 2016، بمناسبة انعقاد ندوة حول المالية العمومية، إلى إنجاز تقييم عمليات الخوصصة السابقة وآثارها، حيث يفترض التعرف على النتائج الاقتصادية والمالية المترتبة عنها.

وسئل عبد الرحمان السمار، مدير مديرية المقاولات العمومية والخوصصة، اليوم الأربعاء، خلال مشاركته في ندوة صحفية ببورصة الدار البيضاء حول خوصصة "اتصالات المغرب"، حول ملاحظة والي بنك المغرب، فأجاب بأنه سيشرع اعتبارا من أكتوبر المقبل، بمناسبة تقديم مشروع قانون مالية العام المقبل، في تقديم تقرير يتضمن تقييما لعمليات الخوصصة.

مقاولات صغيرة جدا

وتحدث والي بنك المغرب عن بيانات وفرها مرصد المقاولات الصغيرة، حيث تجلى أن هذه الأخيرة تمثل حوالي 90 في المائة من النسيج المقاولات، ما يفرض أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار في بلورة السياسة الصناعية.

وأثار الجواهري ذلك، في سياق حديثه عن الاجتماع الذي عقد في أبريل الماضي، بين البنك المركزي والتجمع المهني للبنوك والاتحاد العام لمقاولات المغرب، والذي جرت الدعوة، خلاله، إلى  تجاوز تباطؤ توزيع القروض التي لم يتجاوز نموها 3 في المائة، حيث يصل إلى المستوى الذي بلغه نمو الاقتصاد.

وجاء ذلك الاجتماع، بعد المذكرة التي كانت رفعت في يونيو 2016، إلى رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، حيث جرى التأكيد على ضرورة إعطاء دفعة قوية للتمويلات.

وذهب إلى أن الاجتماع الأخير ركز على النقاط المشتركة بين مختلف المشاركين في الاجتماع، مؤكدا على أنه جرى التشديد على وضع مرصد المقاولات الصغيرة جدا، والتي أضحى يوفر بيانات.

وأشار إلى أن تلك البيانات توضح بنية النسيج المقاولات بالمغرب، حيث تجلى عند تناول حوالي 250 ألف مقاولة، أن 90 في المائة منها عبارة عن مقاولات صغيرة جدا، بينما تمثل المقاولات الصغيرة والمتوسطة نسبة 8 في المائة والمقاولات الكبيرة نسبة 1 في المائة.

وتفيد هذه البيانات في إعادة النظر في التصورات السائدة حول النسيج المقاولات المغربي، على اعتبار أن العديد من القراءات تشير إلى غلبة المقاولات الصغرى والمتوسطة، ما يدفع الجواهري، إلى التشديد على أنه لا يمكن بلورة سياسة صناعية دون التوفر على معطيات حول النسيج المقاولات، الذي يعمل في سياق دولي تنافسي ومرتهن للمعرفة والعنصر البشري.