"يوكود".. كيف تتعلم البرمجة في عامين.. مجانا وبلا "معلم"!

موسى متروف

بعد مدرسة "1337" بخريبگة، افتتحت مجموعة OCP مدرسة أخرى تحمل اسم "يوكود" بمدينة اليوسفية، "تيل كيل عربي" زارت المدرسة والتقت متعلّميها ومدربيها ووقفت على خصوصية التجربة وفرادتها، بالمقارنة مع "شقيقتها" الأكبر...

 

"ما أصل الحوت"؟ تسأل ليلى امهيدرات، قبل أن يتطوع البعض بالإجابة: ديناصور، ويذهب أحدهم بعيدا ويرد بغير قليل من المزاح: إنسان! وتصحح ابنة اليوسفية، ذات الثلاثين ربيعا، بأن "الأصل بقرة!"، ببريق يشع من عينيها، وبسمة لا تغادر شفتيها، وهي تستحث مزيدا من الدهشة لدى الحضور من الصحافيين الذين قدموا إلى مدينتها، وتحديدا إلى مدرسة "تتعلّم" فيها منذ أسبوعين فقط؛ وهي مدرسة ليست كالمدارس...

ليلى امهيدرات تقدم مشروع "القافلة"

فرصة ثانية

على مساحة 600 متر مربع، تمتد مدرسة "يوكود"، المكون اسمها، إلى جانب كلمة "كود"، التي تشير إلى البرمجة، من "يو"، التي تعني "أنت" (بالإنجليزية)، ولكنها تشير أيضا إلى اسم المدينة التي فتحت لها ذراعيها، في فضاء لمركز تابع للمجمع الشريف للفوسفاط.

المجمع الذي فتح مدرسة "1337" بخريبكة، الأولى من نوعها، في تلقين البرمجة المعلوماتية، أبى إلا أن يعيد الكرة مع مدينة فوسفاطية أخرى، وبتجربة تمتح من نفس الفلسفة، لكنها أقل نخبوية، بل تستهدف من وجدوا صعوبات في مسارهم الدراسي العادي، بتعاون مع مؤسسة "سمبلون" الفرنسية التي نسجت فروعاً تنتشر في مجموعة من البلدان.

في المدرسة متعلمون "فشلوا" في دراستهم، لكن المدرسة قبلتهم، لأنها لا تشترط سوى أن يكون سن المرشحين للدراسة بين 18 و35 سنة، لكن الأمر ليس كله على هذه الشاكلة بالنسبة إلى المتعلمين الـ112.

لاريب أن الاستثناء تمثله ليلى امهيدرات، التي تألقت أمام الصحافيين، وهي تحكي قصتها مع "البقرة والحوت"، التي جعلتها مفتاح الولوج إلى قلوب تلاميذ الإعدادي بمدينتها، في إطار "قافلة"، هي من أولى المشاريع التي طرحها متعلمو "يوكود"، بالكاد قبل أسبوعين من "الدراسة"، لتحسيس هؤلاء التلاميذ بأهمية "الكود"، محفزة إياهم، بكون حال البقرة، التي تختفي وراء الحوت، شبيه بحال "الكوداج" الذي يختفي وراء واجهات المواقع الإلكترونية والتطبيقات وألعاب الفيديو!

الحوت هو السبب

بعد حصولها على الإجازة بمراكش والماستر بالدارالبيضاء، في تخصص الجيولوجيا المعدنية، اختارت ليلى أن تعد رسالة الدكتوراه في علم المستحثات حول تطور الحوت، وهو موضوع "صادم لأن النظرية تقول بأن الأجناس كلها انطلقت من البحر إلى البر، وها هي فصيلة انطلقت من البر إلى البحر"، تقول لـ"تيل كيل عربي".

انغماسها في عالم الحوت وأسرار تطوره، جعلها تبحث لتطور كفاءتها معلوماتيا، فقد ولجت مدرسة "الكود" بمدينتها، لتعد "برمجية من أجل استكمال بعض الهياكل العظمية الناقصة لتكوين كائنات كاملة بواسطة المعلوميات، لتقديمها أمام الناس، بالأبعاد الثلاثة، لتكون لديهم رؤية واضحة على الحال التي كانت عليها قبل الدمار الذي لحق بعض أجزاء هياكلها العظمية"، على حد تعبير الباحثة الشابة.

ليلى من بين 112 مرشحا تم قبولهم للتعلم بالمؤسسة، بعد أن اجتازوا الاختبار على شبكة الإنترنت، عبر موقع المدرسة، ضمن 3000 تسجيل، ثم مروا جميعا عبر انتقاء، واختبار منطقي، ليصل العدد إلى 400، بعد أن بقيت الكلمة الأخيرة للمرشحين المتحفزين أكثر من غيرهم. هم يدرسون الآن في أربعة أقسام، 32% منهم من اليوسفية، و29% منهم إناث، و52% منهم ما بين سن 18 و22 سنة، و36% منهم ما بين سنة 23 و26 سنة، والباقي ما بين 27 و35 سنة.

يحكي مسؤولو المدرسة أن هؤلاء التلاميذ، الذي لا يقيمون فيها، استطاعوا الانسجام في ما بينهم، ويكترون الآن محلات لسكنهم بشكل مشترك، ويتعاونون فيما بينهم داخل المؤسسة، في إطار نموذج هذه الأخير، وهو "إدماجي" أساسا، على حد تعبيرهم.

ضحية الهدر المدرسي

مظاهر الإدماج هذه تتبدى من نموذج حمزة بدوي، القادم من تنغير، الذي غادر الدراسة في المستوى الابتدائي،  ليمارس مهنا مختلفة، تنوعت بين البناء وإصلاح الكهرباء وكاميرات المراقبة، ليرتمي في عالم البرمجة ويتعلم بعض أبجدياتها بشكل ذاتي، مع تعلم اللغات.

يحكي حمزة، الذي يبلغ من العمر 22 سنة، لـ"تيل كيل عربي"، أنه علم بالمؤسسة عبر موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". ومن المثير أنه عندما قرأ أن المدرسة ستكون مجانية لم يبال بإعلانها، ظنا بأن الأمر مجرد مزحة، ولما تكرر الإعلان الفسيبوكي أمام ناظريه ثلاث مرات، قرر اختبار الأمر، وهو ما تسنى له.

يصف بطريقته البسيطة أن الطريقة التربوية التي تعتمدها المدرسة جيدة، وهي المنهجية البيداغوجية التي يصفها القائمون على المشروع بـ"النشطة"، لأنها تعتمد نظام تعلم ملموس عبر الانخراط في مشاريع فردية وجماعية. "كيلعبو على النفسية، حتى تركز فقط على الدراسة"، يقول حمزة الذي يبدو مستعجلا للعودة إلى الانغمار في عالمه الافتراضي.

عالم افتراضي تحده 4 قاعات دراسة، حيث جُهّز المتعلمون بأحدث الحواسيب المحمولة (بشاشات قابلة للمس) وإنترنت ذي صبيب عالي، لينفتح خارجه، فضاء مخصص للراحة مساحته 100 متر مربع.

يبدو من خلال ما عاينته "تيل كيل عربي" أن القائمين على المشروع لم ينتظروا حتى انتهاء تجهيز المدرسة لإطلاق الدراسة بها، فقد انطلق العمل ورافقه تجهيز المؤسسة، وكان الهم أن يحضر المتعلمون والمدربون، وتنطلق المشاريع، حتى قبل انصرام أجل الشهرين، التي كان يفترض أن يتهيأ فيها التلاميذ ليومين ونصف يخرجون فيها ما بجعبتهم من مشاريع، لكي يتم الحسم في بقائهم في أحضان المؤسسة أو مغادرتها.

خلال أيام معدودات، خرجت مجموعات من المتدربين لتلتقي مسؤولي أبناك ومؤسسات لإعداد تطبيقات معلوماتية لهم بالمجان، لينطلق التفكير في مشاريع ملموسة يستفيد منها محيط المدرسة، ويستفيد فيها المتعلمون من خبرة مهنية عملية مؤطرة.

التعلم من المتعلم

توجيهات ومواكبة للمتعلمين يؤمنها متدربون شبان، مثل عبد اللطيف التيجاني، الذي كان يعمل بمدينة الدار البيضاء في عالم "الويب" و"بكل ارتياح"، ولما اطلع على عرض العمل في مشروع "يوكود"، يحكي لـ"تيل كيل عربي"، أعجبه لأنه خبر التعليم في مركز للتكوين، لكن بشكل تقليدي "ممل"، ولكن التجربة الجديدة أغرته "بمنهجيتها التي تأتي على النقيض من ذلك، بمنهجية نشطة والمتعلمون هم الذين يأخذون بزمام المبادرة وفي إطار علاقات إنسانية وتفاعلية"، وزاد "هم يعلموننا ونحن نتعلّم ونستلهم منهم".

عبد اللطيف التيجاني يواكب المتعلمين

ومن الحالات الملهمة بالنسبة لعبد اللطيف حالة حمزة الذي تعلم البرمجة بشكل ذاتي، رغم عدم استفادته من الدراسة النظامية، وحالة أم تترك ابنها لتأتي للتعلم في "يوكود"، وحالة أخرى لمتعلم من دوار سيدي أحمد القريب من اليوسفية، والذي رغم ظروفه الصعبة يأتي لدراسة البرمجة المعلوماتية.

ويؤكد "الكوتش" التيجاني أن حالات مثل هذه هي التي تهمهم في المدرسة، فيسعون إلى تأطيرها، بعد أن أدهشتهم في ظرف أسبوعين، وهي تجربة يعتبرها مغنية لمساره المهني كمكوّن.

ومن أجل تدارك فارق المستوى، في البرمجة، بين المتعلمين، يؤكد هذا المؤطر أنهم يعتمدون في المدرسة منهجية "المشاطرة"، فالذي له خبرة سابقة في هذا المجال يتقاسمها مع غيره.

في جو يملأه التنافس على إنتاج الأفكار (المشاريع) الجديدة، يؤكد عبد اللطيف أن بعض المتعلمين لديهم أحلام كبيرة، كإنتاج "روبو" مثلا، ليأتي دورهم كمؤطرين لتوضيح ما تحتاجه هذه المشاريع من وسائل لوجيستيكية وغيرها لتحقيقها.

هذا هو الحال الذي سيستمر عليه التكوين خلال عامين، ففي هذه السنة الأولى سيركز التكوين على أساسيات البرمجة المعلوماتية، مع إخراج مشاريع رقمية إلى الوجود، في انتظار الحسم في التخصصات، في العام المقبل، حيث يعد أصحاب المشروع المتدربين بتخصصات في التقنيات المتقدمة المطلوبة من قبل السوق والتي تتغير كل لحظة في عالم رقمي متسارع.