الخلاف حول رؤية هلال رمضان.. الحساب الفلكي هو الحل

صورة: ياسين التومي
محمد عبد الوهاب رفيقي

 مع اقتراب شهر رمضان، سينطلق الجدل مرة أخرى ككل عام حول كيفية إثبات دخول الشهر وخروجه، وعن اختلاف الرؤى بين المشرق والمغرب، وعن أي الرؤيتين أدق وأقرب للصواب، وعن أقوال المذاهب والفقهاء في الباب، ما بين قائل بوجوب توحيد الصيام في كل الأقطار الإسلامية، وقائل باختلاف المطالع وتفرد كل بلد برؤيته.

أصبح هذا الجدل ملازما لشهر رمضان، ملاصقا له كأنه لا ينفك عنه، اختلاف دخول الشهر بين الدول الإسلامية، وكيفية إثبات ذلك، وأي رؤية لا بد من اعتمادها، هل هي الرؤية بالعين المجردة أم لا حرج في الاستعانة بالمناظير والمراصد، وهل إذا رؤي الهلال في بلد وجب على جميع المسلمين الصوم أم أنه لكل بلد مطلعه؟ وعلام تستند الجاليات المقيمة بالخارج في دخول الشهر وخروجه؟ على رؤية بلدانها الأصل أم القريبة منها أم على رؤية غالب الدول أم على ما قرره المركز الإسلامي المجاور؟ في نقاشات ومحاورات وكتابات تتجدد كل سنة بصفة رتيبة ومملة.

ما المخرج من كل هذه الفوضى؟ ما السبيل للحد من هذه المهاترات والنقاشات المتكررة  كل عام؟ لم لا يتوحد المسلمون كل عام في يوم صومهم وإفطارهم ، ليستشعروا لذة اجتماعهم حول شعيرة تعبدية يوم دخولهم إليها وخروجهم منها؟ لم لا يكون العيد واحدا والفرحة واحدة بدل تفرق بقاع المسلمين بين مفطر مبتهج بالعيد وطقوسه وصائم مستمر في صيامه؟، إلى متى سنظل حبيسي جدالات فقهية واختلافات فرعية في أبسط أمورنا، مع ما يستنزف منا ذلك من جهد وطاقة نحن في أمس الحاجة إليها لتطوير مجتمعاتنا ورقيها؟.

لا أومن بما يراه البعض من أن المخرج لهذا الإشكال يكون باعتماد رؤية بلاد الحرمين باعتبارها مهد الإسلام ومنشأه، لما يرافق ذلك من اعتبارات سياسية، ولاختلاف الناس بما في ذلك أهل الشأن في أي الدول أكثر دقة في الموضوع، وأقرب لمعرفة وقت طلوع الهلال، فقد تابعنا مثلا شهادة أكثر من خبير فلكي على أن رؤية المغاربة والعمانيين أقرب للعلمية من نظيرتها في باقي دول المشرق، فليست رؤية غيرنا إذن أولى برؤيتنا ، فلا يمكن حسم الخلاف بمثل هذه النقاشات.

لذلك كنت وما أزال أومن بأن الرؤية ليست إلا وسيلة لإثبات دخول الشهر،  و ليست مقصودة لذاتها، و أن العلة في تشريعها أمية المسلمين وقتئذ، كما جاء في الحديث النبوي: (إنا أمة أمية لا نقرأ ولا نكتب، الشهر هكذا وهكذا)، أما  و أن هذه الأمية قد ارتفعت بالتطور الذي عرفه علم الفلك حتى تكاد تصل نتائجه للقطع، فإن الحساب الفلكي هو المخرج من هذا الخبط وكل هذا اللغط.

 فالمقصود معرفة خروج الهلال وتكوينه، وليس عملية الترائي ذاتها، فلم يتعبدنا الله تعالى بالخروج للفيافي والصحاري وتتبع الهلال بالعين المجردة، فما كان ذلك إلا وسيلة تقنية  لمعرفة دخول الشهر،  أما وبامكاننا اليوم، التعرف بكل دقة على وقت ميلاد الشهر بالثانية واللحظة، والعبادة هي الصوم وليس الرؤية،  فالوسيلة الأنجع اليوم هي اعتماد الحساب الفلكي العلمي ، الذي يعرف موعد خروج الهلال وظهوره لعشرات السنين القادمة، بدقة علمية ومعطيات رقمية، ولا أوافق حتى من يرى التفريق في اعتماده بين حالتي النفي والإثبات، بل أرى اعتماده مطلقا وفي كل الأحوال، تحقيقا لمقاصد الشريعة في الباب، ودفعا لكل هذه الفوضى التي نعيشها مع مطلع كل رمضان.

لست أدري لم كل هذا التشبت باعتماد وسائل تقليدية في إثبات دخول الشهر وخروجه، وإثارة كل هذه الخلافات والنزاعات خاصة في دول تتعايش فيها جنسيات مختلفة، فيما يمكن للعلم أن يكون حاسما في الموضوع، وأن ينبئنا بدقة عن هذه المواعيد كما هو الحال في الصلاة، فكيف نعتمد في الصلوات الخمس اليومية مواقيت حسابية يعمل بها لمدة قرون دون تغيير، فيما لا زال موقفنا تجاه استخدام العلم والحساب سلبيا ومرفوضا؟

حقيقة الموضوع أكبر من قضية دخول شهر أو خروجه، وإنما هو ذلك الحذر والتوجس القائم تاريخيا بين العلم والفقه، لا زال الفقيه التقليدي مصرا على استخدام الوسائل التقليدية وكأنها مقصودة لذاتها، فيما لا يعلم أنها ليست سوى وسائل ليس بينها وبين الميكروفون الذي يستعمله المؤذن ولا ساعة اليد التي يضبط بها وقت صلاته ولا المنبه الذي يوقظه لصلاة الفجر من فارق يذكر، هو نفسه العلم الذي سخر للإنسان ليجود به عيشه، ويسهل به أموره، وييسر به شؤونه بما  في ذلك ما ارتبط منها بالعبادة والشعائر، بدل تضييع الأوقات وصرفها في خلافات فقهية، واستعمال وسائل بدائية.